ما عاد للورد عطرٌ
قصة قصيرة
كم كانت فرحتي حين كنت أراه ...! لا زالت ابتسامته ، تجتر بحرا من الأحزان في صحراء روحي القاحلة ، لولا الحياء لركضت إليه لن أدعه يعبر ذلك الشارع ، كل يوم أعد باقة الزهور إليه، ألفها بورق ( السليفون) و أترك كارت الإهداء فارغا ...(يا ترى لمن .. كل باقات الورد هذه..؟) أسائل نفسي .دون إجابة ....! ألتلك الفتاة التي تجلس دوما إلى جنبه ...؟ أم لواحدة أخرى....؟
كل شيء مجهول فيه ،همساته ،نظراته ، حياؤه .. كرمه الذي يغدق عليّ به دون مقابل ..أصبح لغزا لا أستطيع فك طلاسمه ، ومثل كل يوم أعددت باقة الورد إليه، أنتظر مجيئه على أحر من الجمر ، توقفت سيارته .. وفاضت شواطئ روحي بالفرح كشلال ، كاد قلبي يطير .. يحط على أفنانه المورقة ، دون وعي مني قادتني قدماي ّ لأختصر كل تلك المسافات . حالت حافلة كبيرة بيني وبينه . غاب عن عيني طوله الفارع وتلك الابتسامة .. وكأن ذلك الشوق الذي شدني إليه تقطعت أسبابه بغتة .. سمعت صوت اصطدام ، وتحطم زجاج .. حركة غير عادية . بدت الأجساد تتحلق حول شيء ما .. تراكض المارة نحو مصدر الصوت، صراخ امرأة اقشعر جسدي له ... عبرت الشارع لم استطع إختراق حشود الناس المتجمعة .. فرقونا . ليخلٌ المكان . صوت سيارة الإسعاف يملأ المكان بالصخب ...عدت إلى محلي الصغير . خلته واقفا ينتظرني .. بحثت عنه بين أكاليل الزهور .. ولكنه لم يك هناك .. مرت الأيام وأنا في انتظاره . هواجسي أصبحت قلقا دائما ، وحيرة ، واضطرابا
لا أصدق أن يكون هو من صدم بتلك السيارة. كذبت نفسي .. كذبت كلام المارة بأن ثمة رجلا دهسته سيارة، انتظرته لعله يعود ، زهوري تنتظر أن يعطيها عطرا من عطره .. عيوني ترنو لأي قادم ، أي سيارة تقف ، أي مشتر يريد باقة ورد ، قد يُسعَد بها حبيبه .
فجأة خفق قلبي ، حتى كدت أسمع دقاته ، لم أستطع تصديق عيني . أحقيقة ما أرى ...؟ إنها سيارته تقف في ذات المكان ، تركت كل شىء ، زهوري التي أهملتها مذ تركني ، زبائني ، اصطدمت بمنضدة أعرض عليها بضاعتي سقط ذلك الشكل الهرمي من الورود وتبعثر على الأرض ولم أعد لترتيبها .. فكل شيئا فدى عينيه ...
يا إلهي .. اضطربت أنفاسي ،حركاتي ، قدماي ، مشاعري ، حاولت العبور نحوه ، لكني عدلت . نظرت إلى المرآة ، في وجهي شحوب .. لكن لا يهم ستعود إليه نضارته ما أن أراه . ما أن أسمع صوته ، ما أن تلمس يداي يديه . فركت خدي بيدي لأزيدهما توردا . عدلت فستاني . وسويت شعري .. رأيت الورود تتبسم لي كأني أراها تقفز وإيقاع دقات قلبي ، عبرت الشارع ، كطير يعود إليه إلفه رحت أحلق في سحر هذا العالم الوردي ، الذي ولد لتوه .. نظرت إلى السيارة أتفحص مكانه أبحث عنه خلف المقود .. ما كان موجودا.. نظرت إلى محلي لا أحد يقف هناك ، أمعنت النظر أتحقق وجوده .. سمعت صوتا بدا .. كأنه يخرج من عوالم سحيقة ، كأن الزمن توقف ، كأن عالم المرئيات تحول لظلام دامس .. كأن نصل خنجر اخترق أوردتي وقطعها
:- سجى ... سأعيد لك كل ما أخذه المرحوم منك من باقات ورد.. هذه وصيته قبل أن يموت ..
رنوت إلى محدثتي .. هي ذات الفتاة التي كانت تجلس جنبه ..
(أنا أخته .. لقد كان يهيم بك وجدا ... )
حملت الورود وأنا أرتعش لم أصدق ما قالته .. مادت بي الأرض . كمن سقط من شاهق . وضعت الورود على تلك المنضدة الصغيرة .. لم أفق من الصدمة التي هدت كياني ، نظرت إلى السيارة وهي تبتعد لتغيب عن ناظري ، حينها صرخت بأعلى صوتي صرخت كمن فقدت وحيدها ، حتى كاد أن يغشى علي ّ... صرخت بكل ما بي من ألم وحسرة ...جفت الدموع على مآقي عيني ..نظرت إلى الكارت ، قرأت ما خطت يده
( هذه الورود لأحلى امرأة .. بائعة الورد .لسجى لحب أردت أن أعيشه حلما )
لطمت وجهي بحثت عن ثلاث رسائل له كنت قد خبأتها مع الورد أستدر عطفه أشحذ منه وعدا لأودعه في شغاف قلبي.... لأثير غيرة حبيبته .. لأحرق قلبها مثلما اكتوى قلبي من نار الغيرة ... فغرت فمي دهشة .. وأنا أرى الرسائل لازالت بمكانها ....صرخت
(آه . يا ويلي . لم يقرأها .. هاهي الرسائل ........ لازالت هنا لم يقرأها ) أسلمت نفسي لحزني وتبرمت بكلام بدا كأنه كلمات احتضار ...
( آه من غبائي ، لم أفسر لهفته ، لم أقرأ في عينيه تلك النظرات . لم أعرف أن كل هذا الورد لي .....)
.عندما جن الليل وهدأ كل شيء
أغلقت محلي وأخذت كل الزهور لأضعها في أصص ذكريات مات فيها الحب قبل أن يولد .. .......