فتوى : رسالة مفتوحة إلى الشيخ محمد المختار الشنقيطي
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ...
شيخنا الكريم .. حفظكم الله .. لديّ سؤال ألح عليا .. كثيرا.
السؤال – شبه البحث – يدور حول الولائم التي أصبحت جزء من "العزاء" ..
المرة الأولى التي سمعتُ فيها عن صنع"ولائم"للمعزين كان عبر الشيخ علي الطنطاوي – رحم الله والديّ ورحمه – وذلك بعد أن حكى قصة عن وصية غريبة مرت عليه حين كان قاضيا في الشام .. ثم علق – بلهجته المحببة – ما معناه أنتم أيضا – في المملكة – لديكم عادة غريبة .. الولائم التي تُقام في التعازي .. وهذا معنى كلامه بطبيعة الحال.
ثم وصل إلينا الأمر – أي إلى مجتمعي الصغير - في بداية الأمر علقت إحدى العجائز،حين رأت توزيع"العصائر والحليب : الأرز بعدهما" .. هل هذا عزاء أم"ندوية"!! أي عزومة.
ثم قرأتُ قصة لأحد رواد الأدب عندنا – لعله الأستاذ السباعي،رحم الله والديّ ورحمه – يحكي قصة "رجل"ماتت أخته .. وقصة التكاليف التي تحملها : استئجار فنادق – للقادمين من الرياض والمنطقة الشرقية ..إلخ- واستئجار الكراسي و"الشيش"!! ..إلخ
وفي نهاية القصية يقول لزوجه .. أن الديون التي "ركبته"أنسته مصابه في أخته!!
وقفة : القصة "خيال" – كما هو معلوم – ولكن .. بعد عقود من كتابة تلك القصة .. كتبت الأستاذة سلطانة العبد الله،أنها ذهبت لأداء واجب العزاء فوجدت النساء يدخن الشيشة!! .. (ناولتني إحداهن "اللي"ولكني اعتذرتُ فنظرت إليّ بنصف عين وكأنها تقول : متخلفة!!){ جريدة الندوة العدد 11991 بتاريخ 17 / 12 / 1418هـ}.
ثم تحول أمر"الولائم" إلى شيء لا يلفت النظر .. وقد كتبت عنه – من زاوية ثقافية لا من الزاوية الشرعية – كُليمة تحت عنوان (الثروة الحيوانية بين"كأن أمها أرضعتك" و"كأن أمها نطحتك"!) .. والملمح الرئيس في الكُليمة أن الأمور الاجتماعية تبدأ بشكل بسيط ومنساب .. الآن يتسابق الناس على تحمل تكاليف تلك"المآكل" .. بل قد لا يجد بعضهم "غداء"ولا"عشاء" يقدمه .. للتزاحم الناس .. ولكن مع الزمن .. وترسخ الأمر .. يبرز اتجاهان .. الأول : يتحمل أهل الميت كل التكاليف .. أما الثاني : فيتحول الأمر من"عادة"إلى شبه"عبادة" فمن لم يؤدها فقد قصر ... في حق ميته على الأقل!!
في الكُليمة المشار إليها .. كتبت – بعد الاستفسار من بعض المطلعين – أن كل "ميت" – في المتوسط – يُذبح مقابله 15 خمسة عشر رأسا من الماشية،في أيام العزاء !!
أعود إلى تسلسل قصتي مع ذبائح العزاء ..
حدثني زميل أن إحدى عجائزهم- رحم الله والديّ ورحمها - أوصت ألا تصنع في عزائها"الأطعمة".. فنالت الكثير من الدعاء!!
أتذكر أيضا .. أن أحد مشايخنا – عبر"القناة الأولى"- أشار،ردا على أحد المستفتين .. إلى أن تلك الأطعمة تكلف الكثير!!
ثم حصلت الحادثة الأولى : توفيت إحدى أخواتنا .. وجيراننا – رحم الله والديّ ورحمها - فذهبتُ إلى العزاء فلم أجد أحدا .. ذهب أهلها للعمرة .. قيل لي – بعدُ - أنها أوصت ألا تُصنع في عزائها "الأطعمة".
ثم الحادثة الثانية : بعد ذلك بسنوات عدة .. توفي أحد شيوخنا – رحم الله والديّ ورحمه – وحين سألت عن "مكان"العزاء .. تضاربت الأقوال .. ثم قيل أنه لا يوجد "عزاء" حسب وصية المرحوم!! ثم تبين أن وصيته لم تُفهم .. فقد أوصى بعدم وضع"الكهارب" وعدم صنع"الولائم"!
ثم جاءت الحادثة الثالثة : توفيت والدة أحد إخواننا – رحم الله والديّ ورحمها - وحين سألتُ عن مكان العزاء .. قيل لي أنه لا يوجد عزاء .. حسب ما قال ولدها .. ثم أخبرني أحد إخواننا أنه ذهب فوجد عزاء .. فذهبت في اليوم الثاني .. فلم أجد إلا حفيدي المرحومة – وهما يسكنان في نفس العمارة – ولم أجد ابنها!!
ظاهرة .. أخرى
هذه الظاهرة – وفي العزاء دائما – ذات شقين ..
إنسان – من أهل المدينة المنورة مثلا – يذهب خارج البلاد في زيارة .. فيتوفاه الله في الخارج،ويُدفن هناك .. فيقام له "العزاء : والطعام" هنا
وإنسان يعيش في الخارج أصلا .. وله ابن هنا .. فقيم له هنا "عزاءً / طعاما"
في تصوري أن هذه الأمور التي "جدت"على المجتمع تحتاج إلى مزيد من الاهتمام .. والدراسة .. لتصدر فيها فتوى .. تزيل هذه البلبلة ... التي أوجدت"ميتا مسلما" دون عزاء!!
أخيرا ... السؤال المطروح .. حول /
حكم هذه الولائم التي تصاحب العزاء
حكم "الكهارب" التي توضع في مكان العزاء
حكم الولائم التي تُقام لميت توفي في مكان آخر.
تلويحة الوداع /
ومضة من رحلة الفرنسية" مدام ديولافوا"وقد تحدثت عن طائفة"الصابئة" في العراق .. (وتعتقد هذه الفئة أن روح الميت تترك جسده بعد أربعين يوما من وفاته وأنها تصعد إلى الملكوت الأعلى (..) وطول هذه المدة – الأربعون يوما – يجتمع أقرباء وأصدقاء الميت في داره يأكلون صباح مساء من غذاء خاص يصنعه القس لهم يتكون من لحم الخروف وسمك وفاكهة وبعد أكل هذا الغذاء يطلب أقرب أقرباء الميت من الحضور أن يدعو الله لميتهم بالعفو والمغفرة!
ومن البديهي أن هذه الإجراءات التي تتم طوال الأربعين يوما تكلف أهل الميت الشيء الكثير من المال،لذلك يجب على كل من يحضر هذه"الاحتفالات"أن يقدم هدايا مناسبة إلى أهل الميت ..){ ص 31( رحلة مدام ديولافوا من المحمرة إلى البصر سنة 1881م 1299هـ / ترجمها عن الفارسية :علي البصري / الدار العربية للموسوعات /الطبعة الأولى 2007 / 1427هـ }.
وبعد .. فهذه "بذرة" بحث في موضوع أراه .. شائكا ... فإن "أثمرت" فبها .. وإلا .. فاسأل الله – سبحانه وتعالى – أن تكون النية صالحة .. في الحالتين.
والسلام عليكم روحمة الله تعالى وبركاته.
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني