التأثيرات الناجمة عن عمل الوالدين على الأطفال
المصدر رهف المهنا
11 / 02 / 2007
في حياة كل أب وأم هناك أولويات وهذه الأولويات تختلف من شخص لآخر، ربما عند البعض هي الأسرة وعند البعض الآخرهو العمل. وعندما يكون العمل هو في المرتبة الأولى في حياة الأبوين ويأتي في المرتبة الثانية الأطفال والعائلة، على الأبوين أن يدركوا بأن هناك مراحل من حياة أبنائهم تفوتهم ولن تكرر أبداً، وفي وقت لاحق سيدركون بأن أبنائهم كبروا وعاشوا ومروا بمراحل ومواقف كان من الممكن أن يرافقوهم بها لكي ينهضوا بهم، ويساندوهم ويربتوا على أكتافهم كلما تعبوا أو فشلوا أمام ظرف ما .....
ولتسليط الضوء على هذا الموضوع قمنا بهذا الأستطلاع :
- "رنا" 32 عاماً متزوجة منذ خمس سنوات ولديها طفل في الرابعة من عمره، مهندسة ديكور، تعمل في مكتب هندسي وهي تحب عملها كثيراً لأنه، على حد قولها، يحقق لها ما كانت يوماً تحلم به فهو المكان المناسب الذي طالما تمنت أن تكون موجودة فيه .
بدأت العمل قبل أن تتزوج واستمرت فيه حتى بعد زواجها , لم تفكر أبدأ أن تتركه حتى بعد ارتباطها وخاصة أن زوجها لم يكن لديه مانع في استمرارها في عملها، تشعر أحياناً كثيرة أنها تائهة بين طلبات كثرة لم تكن تقوم بها قبل الزواج من مسؤولية المنزل ورعاية الطفل، إن كل ذلك يرهقها ولكن تفضل أن تستمر ولا تنسى حلمها الذي طالما راودها بأن يصبح لها مكتب ديكور خاص بها تستطيع أن تديره بنفسها وهذا حلم يحتاج إلى سعي كبير من أجل تحقيقه.
تقول رنا عن الطفل وعلاقتها به:
عندما فكرنا أنا وزوجي بالطفل وكانت لدينا الرغبة الكبيرة أن نكوّن أسرة، لم نفكر أبداً بأعمالنا وكم هذا الخيار سيكلفنا ثمناً باهظاً، وحين جاء الطفل بقيت في المنزل وتركت عملي لمدة مؤقتة لكي أستطيع أن أتجاوز مرحلة الولادة التي كانت صعبة بالنسبة لي ثم بعد بلوغه الخمسة أشهر بدأت أضعه عند أم زوجي لأذهب إلى العمل، في الحقيقة كنت أشعر عند ذهابي إلى عملي وتركي ابني أن هناك شيء يقتطع مني عندما أتركه لم أكن أتوقع يومأ أن أحب شخصاً أكثر من عملي . وأحياناً كثيرة أشعر بأني مقصرة تجاهه وبأني علي ترك عملي والتفرغ له .
زوجي يقول لي دائماً أنه علي التفكير أكثر في منزلنا وطفلنا لكي لا يمر الوقت وأضيع على نفسي أوقات كان يمكن أن أعطيها لطفلي وليس لعملي , سأفكر يوماً بهذا الأمر ربما عندما يكبر أكثر سيحتاجني إلى جانبه وعندها بالتأكيد سأكون بقربه.
- "سامي" 40 عاماً متزوج منذ عشر سنوات ويعمل في الصباح موظفا في البنك وفي المساء محاسبا في شركة، لديه فتى عمره تسع سنوات وفتاة عمرها خمس سنوات. يقول عن علاقته بأبنائه وزوجته في خضم عمله:
زوجتي لا تعمل بل هي في المنزل مع الأطفال وهذا ما فضلته منذ بداية زواجنا أن تهتم بالأطفال وبالمنزل وجميع أموره، يمكن أن يعتبر بعض الأشخاص بأنه هذا التصرف هو أنانية من قبلي ولكن نحن عندما فكرنا بذلك وقررنا ما قررناه فذلك من أجل الأطفال ومن أجلها هي لأنه مع الوقت والعمل الكثير يمكن أن ترهق صحتها ونفسيتها، ثم الأطفال بحاجة دائمة لوالدتهم ولا يمكن أبداً أن يكون هناك شخص ممكن يشغل مكانها .
ويتابع سامي ربما الأب ليس من الضروري كما الأم أن يتواجد في المنزل دائماً ولكن عليه أن يبقى مهم ويعطيهم أيضاً من وقته ويشعرهم دائماً بأنه قريب وليس الأب الذي يأتي في آخر الليل ليعطيهم قبلة قبل أن يخلدوا للنوم, وبصراح أنا كثيرا ما أفكر بأن أترك أحد أعمالي لكي أتفرغ قليلاً لأطفالي خصوصاً عندما يقولون لي "اشتقنا لك" أو نريد أن نتكلم معك أو نحتاج إلى أن تأخذنا للنزهة .
أعترف بأن العمل ممكن أن يأخذ الإنسان من عائلته وكثيراً ما نخسر لحظات من حياة أطفالنا وهم يكبرون لا نشاهدها ونحن منهمكين في عملنا ولكن هذه هي الحياة، كيف يمكن أن نعيش إذا لم نعمل هكذا؟ .
- "سلمى" 45 عاماً تعمل طبيبة ولديها ثلاثة شباب تعمل منذ عشرين سنة وزوجها متوفى منذ عشر سنوات، تقول عن عملها وعلاقتها بأبنائها:
فبل أن يموت زوجي لم أكن أعمل لأني كنت مشغولة بأطفالي وهو الذي كان يعمل – طبيب – ولكن عندما مات في حادث سيارة اضطررت للعمل في عيادته من أجل أن أعيل المنزل وأؤمن الحياة الكريمة لأبنائي ريثما يكبرون ويستطيعون أن بينوا حياتهم بأيديهم، لذلك كنت منهمكة كثيرا وأحيانا كثيرة تمنيت لو أنه لم يمت ويتركني في هذه الحياة وحيدة أحارب وأعمل بمفردي من دون مساندة أحد ولكن فيما بعد عندما بدأت أرى أطفالي يكبرون أمام عيني وينجحون بدأت أدرك أن لعملي فائدة وبأني أعيش من أجلهم وهذا ما أعطاني الدفع القوي لأعمل أي شيء من أجلهم .
لا يمكن أن أعد نفسي كما الأمهات الأخريات فأنا عشت مع أطفالي وكنت معهم في كل المراحل لمي أعوض لهم عن فقدان الأب ورغم عملي كنت أحاول أن أفرغ وقتاً لهم وحدهم لأسمعهم وهم يتحدثون لي عما يمرون به. الآن ابني الأكبر يدرس طب وابني الثاني يدرس الهندسة والثالث في الثاني الثانوي.
وتضيف سلمى: "ربما ضاعت من حياتي فرص معينة أو اختيارات ما رفضتها من أجلهم ولكن هذا هو المكان الذي كان علي أن أكون فيه وليس أي مكان آخر. الآن أنا بعد هذا العمر والعمل الشاق أفضل أن ارتاح وأترك عيادتي لابني وأتابع أطفالي وهم ينجحون في مراحل حياتهم".
- "عامر" طفل في الصف السابع يقول عن عمل والديه:
أنا لا أرى أبي وأمي كثيراً وهم أغلب وقتهم خارج المنزل في أعملهم ، وعندما نأتي من المدرسة أنا وإخوتي تكون أمي قد أتت قبلنا بقليل ننتظر، فترة لكي يجهز الطعام ثم نجلس لنأكل وبعد ذلك تقوم أمي بالترتيب والتنظيف الذي لم تقم به صباحاً ثم تعود إلى عملها وتتركنا نحن لندرس، أما أبي لا يأتي إلا في المساء يتناول طعامه ويخلد للنوم من تعبه وهكذا تمر الأيام . أتمنى لو أستطيع أن أرى أبي وأمي أكثر أن نجلس على المائدة كلنا معاً، نتبادل الأحاديث التي حدثت في اليوم ولكن لا يمكن أن نقوم بذلك مع التعب الذي أراه في عيونهم في آخر النهار.
- "دونا" في الخامس الابتدائي وحيدة لأبويها اللذين يعملان في صيدلية تقول:
عندما كنت صغيرة كنت دائما في بيت الأقارب ولم أنعم يوماً بأوقات طويلة لي في المنزل مع والدي فأكثر أوقاتهم خارج المنزل في عملهم وحتى الطعام لم أتناوله منذ زمن معهما، فأكثر الطعام الذي نتناوله يكون جاهزا. بالنسبة للدرس فإنهم قد وضعوا لي آنسة لتدرسني وأنا مرتاحة، ولكن رغم ذلك أنا أرغب وأتمنى أن يأتي اليوم الذي أعود إلى المنزل وأتناول طعامي مع والدي ولأحدثهما عن أصدقائي في المدرسة وعن المعلمة، وأن نخرج معاً لنتنزه، إضافة إلى كل ذلك أرغب بأن يكون لي أخ أو أخت، وهذا الأمر لا يمكن حالياً بسبب العمل, وكلما طلبت منهم شيئاً أشعر بأنه يحتاج لوقت طويل لكي يصبح حقيقة وواقعا .
- "فادي" يعمل في شركة من الصباح على المساء ولديه طفلة، يقول عن تجربته في هذا الموضوع:
إن العمل في هذا العصر أصبح ضرورة لكي نعيش حياة كريمة وخصوصاً من أعتاد على نمط حياة معينة لا يستطيع أن يحيد عنها ، أشعر أحياناً بأن هناك أشياء تفوتني عن ابنتي بين كل فترة وأخرى، وأشعر بالمفاجئة بأن هناك كلمات ومواقف جديدة قد تعلمتها ولم أكن قد لحظتها، وهذه ضريبة العمل والنجاح . بالنسبة لعمل زوجتي أرى أن ذلك جزءا من التحرر الذي أؤمن به بالنسبة للمرأة، وإن كان ما تجنيه هو زهيد، ولكن ذلك يمكن أن يحقق لها شيئا هي تحبه أو ترغب به لذلك أنا لا أمانع.
آخر تحديث ( 11 / 02 / 2007 )
جريدة بلدنا