كتاب نظرية إيقاع الشعر العربي لمحمد العياشي
إضافة لعرض الكتاب فإن هذا الموضوع يبين صلاحية الأرقام أداة وشكلا للتعبير عن هذه المدرسة للعروض العربي صلاحيتها للتعبير عن سواه من المدارس سواء اختلف في حالي الاختلاف والاتفاق مع مضمون الرقمي. ووجهة نظر المؤلف إلى عروض الخليل، سلبية جدا وذلك بأسلوب مختصر. وأعرض هنا تبيان بعض وجهات نظر المؤلف لأهمية وغرابة بعضها
1-رأي المؤلف في الخليل وعروضه :
يقول (9-ص20):"فنحمد الخليل على ما بذل من الجهود في خدمة العربية باهتمامه بالنحو واللغة، ونلومه على اعتراضه للإيقاع الشعري إذ نهض إلى دراسته ولم تكن له المؤهلات والمعدات الضرورية لذلك حتى تورط في الخطأ وورط من بعده في الجهل إذ امتنعوا عن تعقب كلامه."
ويقول (9-ص30):"وتلك هي البحور التي غامر فيها الخليل حتى إذا تنازعته اللجج وتقاذفته الأمواج راح يستنصر الدوائر ويستصرخ التفاعيل لعله يسحر بها عيون الناس ولكن خذلته التفاعيل ودارت عليه الدوائر. ولم يزل يعالج العلة موقوفا مقطوفا مكسوفا حتى عاجلته التيارات الزاحفة من هنا وهناك فكفَّته ولفَّته وخبَلته وعقَلته فكان أول المسحورين."
2-تعرفه للإيقاع:
"الإيقاع في مفهومه الفني مبدأ ومعنى وهو وجداني مناطه النفس عنها يصدر وإليها ينفذ فيهتك أسرارها ويحرك أوتارها، وأما في واقعه العملي فهو توفيق بين نزعتين متناقضتين: الثقل والخفة، وهو جملة من القيم الحركية ذات صفة كمية وكيفية تقوم على أساس الحركة وتخضع في تركيبها إلى مبادئ ثابتة لا تفريط فيها: النسبية والتناسب والنظام والمعادلة والدورية….وهو ليس من المادية في شيء ولكنه يتلبس بالمادة فتجسمه الحركة البدنية والصوتية."
3- منهج الكتاب:
يقول الكاتب إنه يعود إلى الشعر الجاهلي ليستخلص منه قواعد الإيقاع دون تأثر بعلم العروض وذلك برصد العناصر الثقيلة التي تستغرق وحدتين من الزمن مثل كمْ ويرمز لها بعلامة موسيقية أقرب حرف لها شكلا ( d.) وصورتها الصوتية (دُمْ إس)والعناصر الخفيفة مثل لَ وتستغرق وحدة زمنية ويرمز لها (p ) وصورتها الصوتية (تك) ويقدم تقسيما جديدا للإيقاعات - فهو يعترض على تعبير بحور - في ثلاثة أهرامات إضافة إلى إيقاع الرجز منفردا. والإيقاع الأول في كل هرم هو الخبب وقيمته 31 ثُم تليه في كل هرم إيقاعات تطول تدريجيا بإضافة القيمة المزيدة لكل إيقاع فيزداد بها عن سابقه في القيمة الحركية بما يماثل الدرج ولهذا يسمي هذه الإيقاعات أدراج الهرم وصولا إلى الإيقاع الأطول الذي وهو قاعدة الهرم، وتذكر أهرامه بدوائر الخليل. ويقول بأن إيقاعاته تمتاز عن بحور الخليل بأن عدد عناصرها ثابت دائما وليس فيها زحاف ولا علة. وقد استعملت الأرقام في التعبير في التعبير عما ذهب إليه اختصارا وتبيانا لقابلية الأرقام في التعبير، تاركا للقارئ الحكم على منهجه من خلال شرح بعض الآليات التي استعملها باستعراض بعض نماذج معالجاته.
4- نماذج من معالجاته:
أ-يقول:"وإذا مروا بـ فاعلاتن =232 اعتبرها سبعة عناصر وسوغوا لها سبعة عناصر ومن الوقت سبع وحدات وقتية، وإذا مروا بـ فَعِلاتن=231 اعتبروها ستة عناصر فقط اعتبروها ستة الشعر التالي لحافظ إبراهيم:عناصر فقط وسوغوا لها ستة عناصر فقط بسبب الزحاف." ويضرب مثلا لذلك بيت
لا تلم كفي إذا السيف نبا ........صح مني العزم والحظ أبى
2 3 2/ 2 3 2 / 1 3 ........2 3 2 / 2 3 2 /1 3
7 وحدات/7 وحدات/4 وحدات ......7 ......./ 7 ......./ 4
فاعلاتن / فاعلاتن / فَعلا{تن} فاعلاتن / فاعلاتن / فَعلا{تن}
وهذا في رأيه يظهر عيب عروض الخليل لتفاوت عدد عناصر تفاعيله أو أوزانها ولحذف {تن} في العروض والضرب، ويقول بأن عروض الخليل وقع في هذا الخطأ لعدم فهمه مبدأ الاهتضام؛ فإن القيمة الحقيقية لقول الشاعر (لا=2 تلم=3 كفْ=2) هي ستة وليست سبعة وهي كالتالي:
لاتَ=12/لُـمْ=2/كَفْ=2 والمجموع ستة لأن القيمة الحقيقية لـ(لاتَ)=2 لأن كلا من (لا) و(تَ) [ضحت] بنصف وحدة فصار مجموعهما = (لا=2-5,)+(تَ=1-5,)=2
ويصبح كل من الصدر والعجز مكونا من ثلاث تفاعيل متساوية خالية من الزحاف:
لات=2، لُمْ=2، كفْ =2/في إِ =2، ذسْ=2 سَيْ=2/فُ=1، نَ=1 با=2، آس=2
وهذه ثلاث تفاعيل كل واحدة منها من ست وحدات232-1)/(232-1)/31+آس.
وهكذا أنزل مبدأ الاهتضام عدد وحدات فاعلات232 إلى 222 كما زاد مبدأ الإسكات وهو تعبير عن سكوت المنشد الجيد مقدار وحدتين زمنيتين في نهاية كل شطر حيث تصبح فَعلا في كل من العروض والضرب ( فعلا آس ) وليست ( فعلا تن) ، حيثُ
(فعلا آس) =6 [وهكذا تصبح كل التفاعيل متساوية ويكون اهتضام فاعلاتن جعلها متساوية مع فعِلاتن وفعْلاتن فلا زحاف، وبالإسكات فعِلا تعطي فعلاأَسْ فلا علة.]
ب-ويورد لأبي العتاهية قوله:
ولو لم تطـعك بنات القلوب ......لـما قبـل الـله أعـمالها
ولوْ لمْ / تطع كَ /بنا تُلْ /قُلو بِ.......لما سَ /مِعَلْ لا / هُأَعْ ما / لها
فعولن فعول....... فعولن فعولُ........فعولُ فعولن فعولن فعو لن
هذا ما نعرفه من عروض الخليل وهو من المتقارب وتفعيلة الضرب فعو بعد حذف لن، ولكنه يقول إن هذا الوزن من الخبب [المتدارك] وتقطيعه كالتالي:
آس ولو/ لمْ تُطِعْ / كَ بنا / تُلْ قُلو بِ لما / سَ مِعَلا / لا هُأَعْ / مل لها
ووزنه= أسْ علن فاعلن فَعِلن فعْلن فَعِلن فعِلن فاعلن فاعلن
فلا زحاف ولا علة وكل تفاعيله من أربع وحدات لأن (أَسْ وَ) =2 بالاهتضام، وبالتالي فإن التفعيلة الأولى! أَس ولو =أَسْوَ + لوْ = 2+2=4.
ج- ويورد البيت التالي للبحتري:
أراقب رأيك حتى يصحَّ.......وأنظر عطفك حتى يلينا
13 / 13 /23 /13 ........13/ 13/ 23/ 23
وهو حسب ما نعرفه من عروض الخليل من المتقارب باعتبار حاء يصح المشددة في الصدر ولكنه لديه من الخبب وحقيقته هي:
نا أراقب رأيك حتى يصحْـ.........ـحَ وأنظر عطفك حتى يليـ
ويسمي رويه بالروي المقلوب، ويبرهن على رأيه بالدائرة التي ترى، وهي دائرة المتفق
بعينها، وللعلم فهو يقول(ص228):
"فاعلم أن الدوائر الخليلية ليست من العمل العلمي الجدي في شيء لأن العمل العلمي يقوم على الحقائق المضبوطة والحقائق الثابتة، وإن أي
عمل في الموسيقى والإيقاع لا يقوم على
حساسية الأذن هو عمل فاشل." وقال (ص25):"والدوائر الخليلية زيادة مرفوضة مذمومة لأنها تضر ولا تنفع." وليتجنب فكرة الدوائر التي رفضها فإنه يستعمل تعبير تنويع البدء والختم [ وما هي فكرة الدوائر إن لم تكن ذاك؟]ويجسد ذلك أفضل تجسيد في هذا الدرج من الهرم الأكبر الذي مثلته بهذه الدائرة وكل بحورها من دائرة المشتبه.
ونحصل على الأوزان عن طريق توزيع المقاطع على الدائرة والسير على كل منها لنحصل من كل على بحر مع إضافته كلمة المحير إضافة لاسم البحر لدى الخليل
الوزن 2 3 2 3 3 – عند الخليل = مجزوء الخفيف......عند العياشي = المحير
الوزن 3 2 3 3 2 – عند الخليل = المضارع ........عند العياشي = المحير المضارع
الوزن 2 3 3 2 3 – عند الخليل = المتضب .........عند العياشي = المحير المقتضب
الوزن 3 2 3 2 3 – عند الخليل مجزوء المتقارب / المقتضب .......عند العياشي = المحير المشتبه
وله رأي قيم في الإيقاع فهو عنده يقتضي تكرار وحدة معينة، فبمنطقه وحسب عروض الخليل فإن وحدة الإيقاع التي تتكرر هي مستفعلن فاعلن =3234 ويقتضي الجَزْؤ حذف وحدة الإيقاع هذه. على أنه يرى ان وحدة الإيقاع في (داثر البسيط) هي مُتَفعلن فعلن=3133 ،كما أنها في داثر الطويل فعولُ مفاعلن =3313، والمقصود بـ(داثر) الهرم الذي يضم البسيط والطويل، وهو يذكِّر بدائرة المختلف. ويقول بأنه رؤيته تلك على شواهد من الشعر الجاهلي قبل أن يلحقها التحريف لتصبح كما نعرفها قبل زحافها.
وما أظنه إلا جانب الصواب في هذا، فإن ما ورد من هذا في الشعر الجاهلي قليل بل نادر كما يقول ع.أنيس (14-ص60)، ومنه قول امرئ القيس
إذا قامتا تضوع المسك منهما ....... نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل
ويوم عـقرت للعذارى مطيتي ....... فيـا عجبا من رحلها المتحمل
[ وأجد الثقل في البيت الأول أشد منه في الثاني؛ ذلك أن المرء يجد مخرجا من الثقل وميلا لاشعوريا لقراءة البيت الثاني: (ويومَ عقرتو) وهو ما لا يستطيع أن يجده في (تضوَّع ) في البيت الثاني إلأ بالقول (تاضوَّع) وهو ما لا يصح.ومن الأمثلة الأخرى التي يجد المرء نفسه ميالا إلى المد أو إشباع الحركة أثناء إنشادها الأبيات التالية:
من معلقة طرفة:
كأن البُرينَ (البرينا) والدماليج علِّقت ......على عشر أو خروع لم يحضَّدِ
ومن معلقة زهير:
جعلن القنانَ (القنانا) عن يمين وحزنه.......وكم بالقنانِ (بالقناني) من محِلٍ ومحرمِ
ولم يقل عن فاعلاتن=232 إنها تحريف وأصلها فَعلاتن=231 مع أن ما ورد من فعلاتن أكثر مما ورد من مفاعلن، لأن مبدأ الاهتضام كفاه ذلك في حال فاعلاتن، وربما حاول ذلك فعسر الهضم وذلك على النحو التالي: لا بد ليعمل مبدأ الاهتضام من وجود وتد مفروق مثل فاعِ=12 تعطي2 في فاع لاتن قابل للاهتضام كما تقدم بيانه، وليس شرطا أن يكون ذلك الوتد مفروقا حسب دوائر الخليل بل يكفي أن يكون سببا متبوعا بوتد يشكل متحركه الأول مع السبب السابق له مادة للاهتضام ، وهو ما يستطيع أن يحل له إشكال مستفعلن ={مس=2+تف عِ تعطي2+لن=2} وفاعلن =12/2، ولكن أيًّا من مفاعيلن=2221 وفاعلن =221 لا تحوي الوتد المفروق القابل للاهتضام لأن المتحرك المفرد في أول كل منهما .فأجاءه قصور الاهتضام في مفاعيلن وفعولن، وتوحد النظر إلى البسيط والطويل إلى القول بالتحريف في كليهما.
بيت القبض في الطويل (12-ص28):
موقع القبض هو الخط الرقم 1 فيما يلي
أتطلب من أسود بيشةَ دونه.......أبو مطرٍ وعامرٌ وأبو سَعْدِ
3 1 - 3 1 2 - 3 1 - 3 1 2..............3 1 - 3 1 2 - 3 1 - 3 2 2
وبيت الخبن في البسيط (12-ص44) (موضع الخبن هو الرقم 1):
لقد خلت حقبٌ صروفها عجبٌ......فأحدثت عبراً وأعقبت دُوَلا
1 2 3 - 1 3 - 1 2 3 - 1 3 ............1 2 3 - 1 3 - 1 2 3 - 1 3
وأنا أجد بيت القبض في الطويل أثقل على السمع من بيت الخبن في البسيط، فإن كان ما أجد صحيحا؛ فهل لذلك من علاقة بإمكان الاهتضام -على ما يفهم من رأي المؤلف- ممكنا في تفاعيل البسيط متعذرا في تفاعيل الطويل.