حينما كشفت عن ساقيْها
مقالات ملفقة (14\3)
بقلم – محمد فتحي المقداد
البحّار العربي العُماني المولد أحمد بن ماجد الملقّب (أسد البحار) أو (سيّد البحار)، المولود في مدينة رأس الخيمة (821 هجري - 906هجري) وهي من إمارات ساحل عُمان، هو ملّاح وجغرافيّ برع في الفلك و الجغرافية، ارتبط اسمه بأشهر رحلة بحريّة وهي اكتشاف (رأس الرّجاء الصّالح)، وكان مساعده البحّار البرتغالي (فاسكو دي غاما) حين قيامه في اكتشاف الطريق الجديد الموصل إلى الهند.
ومنذ بدء الخليقة على هذا الكوكب ما زال الإنسان يقوم باكتشاف سُبُل الحياة الأفضل وتكييف حيانه وفق مقتضيات هذه الاكتشافات وهو يطوّعها في سبيل راحته والاستمتاع الأمثل للمتاح بين يديه، ولم يتوقّف البحث الدؤوب لحظة واحدة في ميادين الاكتشافات بجميع مجالاتها إلى هذه اللحظة.
ومن اكتشف شيئًا فهو من أظهر و أبان عن وجود شيء ما مخبّأ كمن (كشف ألغاما)، فيكون قد رفع عنه ما يُغطيه وبيّنه وعرّاه، فهو المكتشف للألغاز المستترة عن أنظار العامّة. فهو كاشفٌ، و المفعول به أو فيه هو المكشوف.
في صغري و بداية نشأتي كثيرًا ما كان يتردّد اسم أبو الكشّاف وأم الكشّاف و الطريق المارّ من أمام وجانب دار أبو الكشّاف، وأولاد و بنات أبو الكشّاف، ولم أتبيّن حقيقة الاسم (اللّقب) إلا حينما علمت أنه منسوب للشّاب المنخرط في الحركة الكشفيّة في بلده، المرتبطة مع تراتبات الحركة الكشغيّة العالمية، الكشافة هي حركة شبابية تربويّة تطوعيّة غير سياسيّة عالميّة، هدفها تنمية الشباب بدنيًا وثقافيًّا. أسّسها ووضع قواعدها اللورد (بادن باول عام 1907) أتت فكرة الكشافة لبادن باول أثناء حصار مافكنج عندما حاصرت عصابات البُوَيْر (مهاجرين من أصل هولندي) معسكر الإنجليز فاستعان بالشباب للقيام بالأعمال العسكريّة كالحراسة والطهي ونقل الرسائل، وتمكّن من فكّ الحصار بعد 7 شهور ثم قام بإنشاء فرق كشفيّة، وأقام مخيّمًا تجريبيًّا عام 1907 في إنجلترا خلال الأيام التسعة الأولى من شهر أغسطس في جزيرة (براونسي)، وشارك فيه 200 من الفتيان، وبعد نجاح الفكرة قام بتوسيع الفئة العمريّة فضمّ الأشبال. وكتب (بادن باول) مبادئ الكشَّافة وصارت قانونًا للكشّافة التي انتشرت على مستوى العالم.
و بالعودة لعائلة أبي الكشّاف، ولأن ابنهم البكر كان قد انتسب لحركة الكشّافة آنذاك في بصرى الشام، ذات النظام التهذيبي، الذي يراد به تكوين الشخصيّة المُشربة بروح التعاون و النجدة والاعتماد على النفس، ويعتمد على الرّحلات و الحياة في المعسكرات، وجرى اللقب لعائلة (عبدالحميد الحيفاوي) فصار كالدمغة لهم وحدهم دون مشاركة أحد لهم.
الطبيب الشرعي هو وحده المختصّ في الكشف على الأموات من البشر خاصة إذا كانت هناك شبهة جنائيّة، فيقوم بتشريح الجثّة لمعرفة ملابسات االجريمة، وسبب الموت وتحديد الساعة، وبعمله هذا يميط اللّثام عن الغموض الذي يلفّ الحادث، ويساعد أجهزة البحث الجنائية على التحقيق لكشف وقائع الجريمة وخفاياها الحقيقة، وكلّ طبيب يكشف على المرضى حسب تخصصه
كما أن كتاب (الكشاف) أو تفسير (الزمخشري)،و مُؤَلّفه الزَّمَخْشَرِيُّ هو كبير المعتزلة، واسمه جار الله أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد، الزمخشري الخوارزمي النحوي، ولقد نحى الزمخشري في تفسيره منحى الاعتزال، فشرحه في ظلّ الأصول الخمسة للمعتزلة (العدل - التوحيد - الوعد والوعيد - المنزلة بين منزلتين - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
أمّا مصطلح الكُشُوفات فصار يُستخدم على نطاق واسع في دوائر ووزارات الدول، فالكشوفات تلك البيانات التوضيحيّة المفصّلة للمصاريف والأسماء وتوصيف الحالة الرّاهنة للموظّفين، ولكشوفات المُسوحات الإجتماعيّة دور هام في إنجاز الخطط التنمويّة؛ للاستفادة من الطاقات المُتجدّدة ضمن فئات الشباب لإيصال المساعدات لمن يحتاجها، وكُشوفات العلامات في المدارس والمعاهد والجامعات لتوضيح المُعدّلات الدراسيّة للطلاب، وكُشوفات التنقّلات للموظّفين المدنيّين و العسكريّين إلى مواقعهم الجديدة التي من خلال يستطيعون تأدية خدماتهم للوطن و المواطن.
وتأتي فلسفة الكشف والمُكاشفة عند الفِرَق الصوفيّة على مختلف انتماءاتها و توجهاتها، ليكون القصد منها هو الاطّلاع على ما وراء الحجاب من المعارف و الأمور الخفيّة وجودًا و شهودًا، ومن يطلق عليهم آهل الكشف من توصّل الصوفيّين إلى مشاهدة حقيقيّة العالَم الرّوحانيّ من غير نظر عقلي، بل بنور يقذفه الله في قلوبهم.
كما أنّ (محمد حسين آل كاشف الغطاء) هو عالِم شيعي وُلد في مدينة النّجف الأشرف سنة 1294 هـ / 1876م. وهو من عائلة علميّة عريقة شاركت مُشاركة فعالة في صنع تاريخ النّجف العلميّ، حيث تزّعمت الحركة الدينيّة فيها نحو مائة وثمانين سنة منذ هجرة جدّها الأعلى الشيخ خضر بن يحيى المالكي إلى النجف.
ومن كشّف صفحات أيّ كتاب هو من مثّل نتائج تحليل معلومات وعناوين الكِتاب وطبيعتها لتسهيل الاسترجاع.
ومن كشف الله همّه يكون قد أزاله، ودلالة الآية الكريمة توضٍح هذا المنحى: (ربّنا اكشف عنّا العذاب).
وحَيُّ الكاشف في مدينة درعا جنوب سوريّة، يبتدئ من شماليّ دوّار الحَمامة في مدخل درعا الشرقيّ، يمتدّ الحيّ في الجهة الشمالية لهذا الدوّار على طريق (خربة غزالة)، وهو من الأحياء الحديثة في المدينة بمبانيه الجميلة الشّامخة.
وكتابُ (كشف الظّنون عن أسامي الكُتُب والفُنون) مسرد ضخم للكتب العربيّة والفارسيّة والتركيّة، وضعه (الحاجي خليفة) من علماء القرن الحادي عشر الهجريّ (السابع عشر الميلاديّ)، صنّف فيه أسماء آلاف الكتب إضافة الى أسماء مُصنّفيها، وتعتبر من المراجع الرئيسيّة للباحثين عن آثار المؤلّفين في التراث الإسلاميّ، آمّا كتاب (كشف الشّبهات) للشيخ محمد بن عبد الوهاب، هو مختصر في بيان أصول الدّين وعقائد الموحدّين ودحض شبهات المشركين، أبان فيه حقيقة التوحيد الذي هو إفراد الله بالعبادة وأن من صرف شيئاً منها لغير الله فهو مشرك كافر.
وفي مجال الحديث النبوي الشريف جاء كتاب (كشف الخفاء ومزيل الإلباس عمّا اشتهر من الأحاديث على ألسنة النّاس) جمع فيه مُصنّفَه زهاء ثلاثة آلاف ومائتي حديث مما اشتهر على ألسنة الناس، فأوضح طيّبها وخبيثها بعرضها على ميزان الجَرْح والتعديل، وصوّب ما لحقها من تحريف وزيادة أو نقصان.
ولعلّه ليس من المملّ الإطالة في الجانب المعرفيّ للقرّاء ومُحبّي التعمّق من التعرّف إلى كتاب (كشفُ السرّ) للمفكر المصري (حسن سعد)، حينما جاء بمفاهيم جديدة غير مسبوقة؛ غيّرت نظرة الناس للعالم وللحياة بأكملها.
ولعلّني لا أخرج من مُكاشفاتي، وأنا أكاشفكم ما خفي عن ساحة الرؤية ومن باب الاستذكار التعرّفي، ومن أجمل ما حضرني قصّة السيّدة بلقيس حينما كشفت عن ساقيْها؛ لتجتاز مدخل قصرها الشّبيه وقد حسِبته لُجّة، عندما أمر سيدنا سليمان عليه السلام الجنّ بذلك.
عمّان - الأردن
5/ 7 / 2017