برزتْ قناةُ ـ"ـــ "قبلَ أيام في ثيابِ الواعظين وسحـــّتْ دموعًا وقحة على حـَالِ العانسات اللائي تجاوزهن قطارُ الزواج وغادرتْ مرافئهن مراكبُ النكاح. فأوردتْ كلامًا منسوبًا لـصحفي مغمور أرغى فيه وأزبد، وأبرق وأرعد، ثم فكّـــّرَ وقدّر، فـقُـتلَ كيف قدّر، يؤكد فيه أنّ الحلَ الوحيدَ لـلعنوسة أن تقتحمَ الفتاةُ عالمَ الشبابِ عبر الجوال ووسائل التواصل الاجتماعي وأن تكتبَ اسمها الصريح وتنتقي زوجَ المستقبلِ بنفسها!
ثم استضافتْ القناةُ، جزاها اللهُ شرًا)، مستشارةً أسريةً (زعموا!) فعـَبـَستْ وبـَسَرتْ ثم طفقتْ تهرفُ بما لا تعرف وتهذي بما لا تدري، وقدّمتْ خطتها للإنقاذ (كما تدّعي!) ورؤيتها للعلاج (كما تزعم!) قائلةً: دعوا الشبابَ والفتيات يتعارفوا ويتخالطوا، ويجلس بعضُهم لبعض في المقاهي والأسواق حتى نستطيعَ أن نقضيَ على العنوسة ونُـشْرعَ الأبواب للزواج!
ما هذا التسطيحُ الغبي للمشكلة؟
تمخّضَ جبلُ رأيهم فولدَ فأرةً نجسة.
متى كانت الرذيلةُ سبيلًا للفضيلة!؟
ومتى أصبح العُـهـرُ مفتاحًا للطـُهر، ومتى غدا الإسفافُ جسرًا للعـَفاف؟!
إذًا لمَ لا يكونُ علاجُ مشكلة البطالة والفقر أيتها المستشارة الفذة أن نسمحَ للشبابِ بالسرقة والنهب؟!
إن الرذيلةَ لا تكونُ حلاً إلا عند من انتكستْ فطرتـُه.
والمـُجون ليس علاجًا إلا عند من ارتكستْ أخلاقُه.
والعُهر لا يصلحُ دواءً إلا عندَ من اهترأتْ عقيدتُه.
لكن: إذا كان الغرابُ دليلَ قومٍ *** يمرُّ بهم على جـِيفِ الكلابِ
لقد توعّد اللهُ أقواماً يحبون نشرَ الرذيلةِ في المجتمعِ المسلم بقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾. فإذا كان هذا الوعيدُ الشديد، والتهديدُ الأكيد لمن يحبُّ فقط فكيف بحال من يسعى؟
ولو تأمـّلنا حالَ أمريكا كعبةَ الليبراليين وقـِبلةَ العلمانيين ورمزَ حريتهم المزعومة التي يـُنادون لها والتي طبّقتْ هذا الحلَ الفريد لوجدنا لغةَ الأرقامِ تحدثنا عن:
- 883 ألف امرأة أمريكية تـُغتصب في العام الواحد
- 80% من النساء الأمريكيات تعرّضنَ للاغتصاب
- 48% من طالباتِ المرحلة الثانوية حملـْنَ سـِفاحًا
- 54% من حالاتِ الاغتصاب كان تتم بواسطة الأقارب (هل قال أحدٌ شيئاً عن زنا المحارم؟!)
- 350 ألف حالة حملٍ بدون زواجٍ كل سنة
- معدّل الشباب الذين مارسوا الزنا (دون سن 18) بلغت 55% أما النسبة بين طـُلابِ الجامعات فقد وصلتْ 90%
فهل هذا ما تـُريده ال ـــــ أن يكونَ عندنا؟
وهل هذا ما ترجـُوه مستشارتـُهم الأسرية أن ينتشرَ لدينا؟
دعونا من مواعظـِكُم الباردة عن قضايانا الاجتماعية وهمومنا الأسرية:
وغيرُ تقيٍّ يأمرُ الناسَ بـالتقى *** طبيبٌ يداوي الناسَ وهو عليلُ
لقدْ مسّنا وأهلنا الضرُّ من إعلامكم الذي لا يرفعُ بـالفضيلةِ رأساً ولا يقيمُ لـلطـُّهر وزنًا. لكم يدان طويلتانِ في الشرِّ، مجذوذتانِ في الخيرِ!
لقدْ أجلبتْ ال ــــــ بخَيلها ورَجـِلــِـها فألبستْ الحقَّ بالباطلِ، ومزجتْ صدقَ الرأي بالخاطلِ، وخلطتْ الجدَّ بالهازل لتبدلَ ديننا وتظهرَ في الأرضِ الفساد. وإذا كانتْ الملائكةُ لا تدخل بيتاً فيه كلبٌ ولا صورةٌ، فـالفضيلةُ لا تدخلُ بيتًا فيه ال ـــــ !
ختامًا: مخطئٌ من ظنّ يومًا *** أنّ لـلثعلبِ دينًا
عبدالله بن أحمد الحويل
25 شعبان 1435
"ـــ " قناة عربية.