الزيارة الرابعة والأربعين . . .
( بعد أن توفيت أمي الحبيبة يوم الجمعة 16 / 1 / 2015 ) ، نويت أن أزورها في القبر في كل أسبوع مرة ، وأن أصوغ لها رسالة ، وهذه هي الرسالة القادمة .
إلى أمي المرحومة نديدة السادات غفر الله لها :
اعتدت يا أمي أن أزورك كل أسبوع لأحدثك بما جرى بعد وفاتك . . . وكنت كعادتي في حياتك أسعى في مناكب غيري ، وأبتعد نسبياً عن الحديث عن نفسي ، وكذلك فعلت طوال الأسابيع الماضية ، لكنني لاحظت في الزيارة الأخيرة لهفتك على معرفة ما حصل معي أنا شخصياً ، ولم أشأ أن أجيبك فوراً ؛ فأرجأت الجواب إلى الزيارة القادمة ، وها أنا ذا قد أحضرت معي الجواب المختصر ، لكي لا أطيل عليك وأشغلك بنفسي . . .
أمي الحبيبة :
بعد وفاتك مباشرة لاحظت لهفة الناس علي وعلى أختي وعلى أبي ؛ فمن قائل لي : لا تحزن يا أنس إن عيوننا لك . . . ومن قائل : اطمئن يا أنس ، نحن لن نتركك يا أنس . . . إلخ .
فظننت من ذلك أن الناس ستتلهف على السؤال عنا والاطمئنان علينا ، لا سيما بعد معرفتهم أنني أنا شخصياً أحمل نفساً مرهفة وعاطفة جياشة ، وأنني متعلق بأمي تعلقاً شديداً ، وقد دفعني هذا التعلق عدة مرات إلى القيام بأمور كثيرة لا يقوم بها عادة الشخص المتوازن العادي . . .
ظننت أنهم لن يتخلوا عن هذا القلب المفجوع . . .
لكن الحقيقة يا أمي كانت غير ذلك . . .
الأمر اختلف ، اختلف كثيراً ؛ إذ لم أجد من يملأ حياتي بالحنان من بعدك ، بل على العكس لقد قلب أكثر الناس ظهر المجنّ ، وتنكروا لي لأنهم في الماضي لم يكونوا يعرفوا أحداً اسمه ( أنس تللو ) ، كانت معرفتهم بي على أنني ( ابن . . . نديدة ، أو ابن . . . نديدة ، أو ابن نديدة خانم ، أو ابن الحاجة نديدة أو ابن . . . ) .
يا أمي :
بعد موتك مات كل الناس من حولي . . . مات كل الناس ، وتبين لي بوضوح أن كل من كانت تربطه بي صلة عن طريقك قد أراد أن يقطع ما كان يصله بطريقة أو بأخرى .
الإنسان الوحيد الذي لم يتغير بعدك يا أمي هو أبي . . . أبي الغالي ( شاكر تللو ) الذي يغمرني بالحنان والعطف والشفقة . . . لقد غدا هو الأم والأب في آن معاً .
أطال الله عمرك يا أبي ، وقدَّرني على إرضائك ، إذ في إرضائك إرضاء لكما .
ولا غرابة في ذلك ، لا غرابة ، إن الله عز وجل يقول في الحديث النبوي الشريف :
يوم تموت الأم ينادي مناد من السماء : يا ابن أدم ماتت من كنا نكرمك من أجلها فاعمل عملا صالحا نكرمك من أجله .
رحمك الله يا أمي .
لقد كنت تملأين حياتي فرحاً ومسرة وبهجة ، واليوم أتلفَّت وأبحث أدور وأدور فلا أجد من ذلك شيئاً .
رحمك الله .
حقاً لقد من صدق قال : ليتني أخسر الدنيا كلها ويكون عندي أم .
والمثل يقول :
بعد الأم والأب ، كل الناس للكب .