مع تقدّم وسائل الاتصالات بشكل متسارع، وتعدد مصادر المعلومات سواء من خلال القنوات الفضائية أو من الإعلام المرئي أو المسموع أو المقروء، أو من محركات البحث على الشبكة العنكبوتية، أصبح العالم كلّه يشبه قرية صغيرة، لا تغيب عنه معلومة، ولايتأخر وصولها وتعميمها بشكل واسع ومنقطع النظير على العالم كله.
ومن الطبيعي أن يكون لهذا الإعلام ضوابط، أهمها الضابط الأخلاقي والصدقيّة في نقل الخبر، والحيادية.. ولكن، هل تحققت هذه المعايير في الحملة «أو بالأصح» الحرب الإعلامية منقطعة النظير بإعلانها السافر على سورية، كما تتعرّض له سورية الآن.؟
لقد كان الإعلام، ومنذ وقت سابق لافتعال الأزمة في سورية يؤسس لتحقيق مصداقية مخادعة كي يستقطب الناس المتطلّعين بأكثريتهم للحرية والتحرر من الاحتلال والهيمنة، الذين آمنوا بأن الطريق إلى ذلك يأتي من خلال المقاومة التي حققت الانتصارات الأهم في تاريخنا الحديث، ثم أصبح يشتغل على التحريض والكذب والفبركة والتهويل والتزييف الواضح للجميع، وبدعم مشبوه من قوى الشر في العالم، وتطويع عملاء وخونة على كل المستويات، تارة بالمال، وتارة بالمنصب، وبكثير من وسائل الإغراء التي تستلهم عقول الجهلة والأنانيين المهيئين للعبث بقدر الأمّة، من الداخل ومن الخارج السوري، وأعلنت حرباً شعواء ضروساً على سورية الدولة والأرض والبشر، وأركّز على أن المستهدف هو سورية، وما شعارات الإصلاحات والحريّة وما إلى ذلك إلا يافطات وهمية تدفع للغاية الخبيثة الأساس لتفتيت وتدمير سورية لموقعها المتميّز جغرافياً، ولتمسّكها بخيار المقاومة، وتحالفها مع المقاومة في كل مكان، والتصميم على السيادة الوطنية مهما كان الثمن غالياً.
لقد أصبح خطر الإعلام أشد وطأة من خطر الحرب ذاتها، وأشد خطراً على عقول المتابعين بعد أن سخّر في طرائق توصيله للمعلومة كل وسائل الكذب والتزييف، مدعومة لوجستياً، ومن ماكنة مالية هائلة، ومن قوى أجنبية استعمارية عسكرية لها أكبر المطامع في المنطقة، وكل هذا الحراك غير المعقول، يصبّ أولاً وأخيراً في مصلحة الكيان الصهيوني الغاصب والمحتل والطامع بمزيد من الهيمنة والاحتلال والسطوة السياسية والاقتصادية.
المهم في الأمر أن تواصل تصدينا للإعلام المضاد بقدراتنا الذاتية- كما نرى فيما فعله الإعلام الوطني-، وبالاعتماد على النخبة من الإعلاميين، ومن المثقفين الطليعيين القادرين على الوصول إلى الناس، ومن خلال إيقاظ الوعي الوطني والقومي، وشرح وتشريح خيوط المؤامرة، وتداعياتها، وبكل الوسائل المتاحة، المرئية والمسموعة والمقروءة والمحاضرات والندوات، ومن خلال الاتصال المباشر مع الناس في كل مكان، ومن خلال كل نتاجاتنا الأدبية والفنيّة أيضاً.
الأمر ليس سهلاً يمكن القفز عنه ببساطة، بل هو صعب، وصعب جداً في ظلّ ما يجري، لكن ليس أمامنا غير الصمود والتصدي بما نملك من وسائل، ومعنا الأصدقاء الشرفاء في العالم.
اليقين الأهم الذي لا يفارق إيماني، هو أن كل ما يبدو على المشهد من هيمنة إعلام مضاد وكاذب ومزيّف، هو مشهد آني ومؤقت ومعيب وزائل لا محالة، ولن يجني أحد منهم غير الخسران المبين، ونحن الباقون لأننا أصحاب الحق والمصداقية والحضور