اليهود في فلسطين مستعمرون
سوسن البرغوتي
بداية من يخاطب بعض المثقفين العرب لتذكيرهم بجوهر الصراع العربي- "الإسرائيلي" وأبعاده الثقافية والدينية والسياسية، يبدو وكأنه يحفر البحر بريشة، ويعيد تلقين أبجدية حق استرجاع كل أرض فلسطين العربية، كجزء لا يتجزأ من الوطن العربي. إلا أن الغلو في تجاهل أو شطب فلسطين المحتلة عام 1948 وشعبها، عن قصد أو استمراء حلول التسوية، لتصفية قضية شعب وأرض، يضع الجميع أمام مساءلة واقعية وموضوعية. لذلك فمن الضروري رصد وإعادة التذكير بنقاط هامة، تعيد الأمور إلى نصابها الصحيح:
أولاً- من الناحية التاريخية:
* فلسطين وُجدت منذ مئات آلاف السنين، والقبائل العربية المتدفقة من شبه الجزيرة العربية، سكنت بلاد الشام، وتُعتبر فلسطين جزءاً منها، وذلك قبل أن تُؤسس الدول وقبل نزول الشرائع السماوية الثلاث.
* بنو إسرائيل قبائل بادت، وليست منحدرة من القبائل الكنعانية، ولم تخص اليهود وحدهم. الأهم، أن مفهوم القبائلية لم يعد مطروحاً للسجال والنقاش، فالهوية ووحدة اللغة والجغرافية، العادات والتقاليد، التاريخ والمصير، تعني الانتماء لبقعة جغرافية محددة، كانت وما زالت وستبقى تُسمى الوطن العربي. وبعد ظهور الإسلام، تأسست أول دولة عربية وحدوية تحت راية الإسلام، فتلاشت تلك النزعات البدائية، وحلت الثقافة الإسلامية كموروث جامع لأبناء الوطن العربي.
* إن مقولة شعب يهودي (عرق، دم نقي، إثنية) غير صحيحة على الإطلاق. والأقلية من اليهود العرب، لا يستدعون تشكيل قومية خاصة بهم، ويهود الغرب الأشكناز من أصول خزرية بنسبة 90%، فلا وجود لقومية يهودية وإذا توفرت – كما يزعمون- فما هي.. القومية اليهودية؟. لا يوجد بالعالم قومية خاصة لأتباع أي دين، وبالتالي لا يحق لأي منهم، أن يؤسسوا دولة بناء على الديانة.
* الفلسطينيون ليسوا أحفاداً ولا منحدرين من أصل يهودي، وفلسطينيو اليوم هم أحفاد العرب القدماء.
* موسى عليه السلام وأتباعه لم يدخلوا أرض فلسطين البتة، وما يقال عن قبر النبي موسى في جبل نبو، خزعبلات توراتية، أو آخر في جنوب القدس، وغيره من القبور ليست إلا مقامات لمواسم، كمقام لقبر يوسف العبد الصالح، فنسبوها لهم، وكأن النبي يوسف كان يهودياً قبل اليهودية!، كذلك كل الأنبياء موحدون بالله، ولا فضل لقوم على غيرهم.
* الهيكل المزعوم، غطاء توراتي، والهياكل أو المعابد الوثنية، دُمرت أثناء الحروب عبر التاريخ.
* كل الإمبراطوريات استعمرت مناطق في المشرق العربي وفلسطين من بينها، ولم تكن القضية الفلسطينية آنذاك أساساً، حقبة انتهت بالتحرير تحت راية الإسلام.
* لا يوجد شعب سامي وآخر حامي، وهذه الصفة أُطلقت على عائلة اللغة العربية، ولكن لأنهم يريدون طمس كل ما يمت للعروبة بصلة، ظهرت هرطقات وأساطير توراتية، تشير إلى سام وحام، وإلصاق "العرق السامي" لليهود خاصة، علماً أنهم ليسوا شعباً ولا عرقاً أو ينتمون لقومية واحدة.
ثانياً- من الناحية السياسية:
* "إسرائيل" ليست دولة بالمفهوم المتعارف عليه، كحدود ودستور وأرض لمواطنين أصليين، والكيان تشكل بعد منح الاحتلال البريطاني عصابات يهود الغرب، فلسطين وطناً لهم، وبالحقيقة أعطاهم وطناً بديلاً عن أوطانهم التي أتوا منها، لهدف مشروع إحلالي إلغائي كقاعدة استعمارية لخدمة الأهداف الإمبريالية، قائم على آلة الدمار والقتل واستعباد الفلسطينيين، على أنهم (أقلية) في وطنهم، وهذا يعتبر انتهاكاً صارخاً لحياة البشر وحقهم في العيش بحرية واستقلال. فكل الوجود الصهيوني على أرض فلسطين، انتهاكات سافرة، ووحشية بائنة.
* الصهيونية ترعرعت في أحضان أساطير توراتية، والتي أسست كياناً عسكرياً، ما هو إلا تجمع يهودي، بهدف الانطلاق لمشروع استعماري كبير، يلغي وحدة وانتماء الشعب العربي، ويغتال هويته بغية استلاب إرادته وكي وعيه على جميع الأصعدة.
* الكيان الصهيوني يحتل كل الأرض الفلسطينية من البحر إلى النهر، وتحرير القطاع بفعل المقاومة لم يُكتمل بعد، ولذلك فإن وطأة الحصار تشتد للإذعان لما يُسمى القانون الدولي، لإحكام قبضتهم ويعاد تابعاً بالمطلق لـ"إسرائيل"، من خلال مكتب الارتباط والتنسيق الأمني والسياسي والاقتصادي بمحمية رام الله، عاصمة خنوع (الفلسطيني الجديد) والذل العربي، لأن من يقبل بهكذا وضع للمشهد الفلسطيني المشوه تاريخياً وجغرافياً، يقبله لكل بلد عربي، بلا استثناء.. فهل هناك من يطمر رأسه بالتراب، خوفاً من أن يرى الأمور على حقيقتها؟.
* فلسطين وحدة لا تجزأ، بقدس شرقية وأخرى غربية، ولا أرض تقبل القسمة وتبادل مناطق منها مع العدو، ومن يعمّد شرعنة الاحتلال في فلسطين الداخل، فقد أطلق رصاصة النكبة الكبرى.
لنكن واقعين وغير خارجين عن سنن الشعوب ومسيرتها في تحرير أراضيها وحق تقرير مصيرها، فهل هناك شعب ارتضى باقتسام أرضه مع الغزاة، تحت ذريعة تاريخ صنعه الاستعماريون لإقناع بلهاء، بأحقية اليهود من قرون خلت.
* تكرار مزاعم أن الفلسطينيين أحفاد اليهود، مدخل مشبوه وخبيث لـ" حل الدولة الواحدة"، وأنهم أحق بالتعايش مع أصولهم!، فالنزاع الأخير لمشروع "حل الدولتين"، يُمهد لدولة واحدة باعتراف عربي رسمي بـ"دولة الجوار".