((شفطة شيشة و جرعة الضمير 1))
تــُرى ماذا كسبت من تخرجي في مجال الصيدلة سوى إسلام زوجتي القادمة من رومانيا فهي من القليلات اللاتي تحملن أعباء الغربة وفرقة الأهل و الوطن ..وانخرطت في مجتمع شرقي بعاداته و تناقضاته ..لن أتحدث عن خصال زوجتي يا عفيف تعال معي أسرد لك قصتي يا ظريف...
بدأت المشكلة بأعباء مادية ضخمة عندما أردت أن أفتح صيدلية في أطراف المدينة لكنني لم أحصّـل معشار معشار مبلغ المشروع فبدأت أبحث عن شريك ومرت أيام و أيام التقيت فيها بجاري القصاب "أبو العناتر" وحدثني و حدثته..وقال الحل عنده فابنه والرأسمال عليه والشهادة عليّ فعنتر ابنه قد تعلم أسس المهنة ...وأمام ضائقتي و مغرياته تنازلت عن مبادئي بعد مشاورات و مداولات موافقا ً على أجرة الشهادة بعشرة ٍوبضع آلاف الليرات...
و بدأت بعمل أخر في مجال غير الصيدلة ليزداد دخلي..المهم دارت الشهور وكنت ألتقي عنتر وسألته مرة كيف يغطي أجور الشهادة و المصاريف.. فأجابني بكل وضوح وصراحة ..أنه بارع بالحساب بهلوان في المحاسبة قال:
أن لديه 35مدمن بشكل يومي من مادة الديكستروبروبوكسفين تغطي أرباحها أجار الشهادة
أن لديه 10مدمنين بشكل يومي من مادة الديازيبام تغطي أرباحها مصاريف الضرائب
أن لديه 5 مدمنين بشكل يومي من مادة الكودائين تغطي أرباحها مصاريف الكهرباء..
أن لديه اثنان من المدمنين بشكل يومي من مادة البنزوهيكزول تغطي أرباحها مصاريف .............
قلت له كفــى ...وصلت المعلومة فشهادتي التي نلتها ببيع أثاث منزل والدي أصبحت لتاجر أفيون ...تاجرٌ بهلوان ملعون...قال الدنيا تحب الشطارة فمن منا يحب الخسارة...
وتمر الأيام وليال ومن جملتها ليلة العيد يهتف عنتر مستنجدا فالأمر خطير لجنة نقابية تفتش عن مخالفات صيدلانية و المفروض أن أكون على رأس عملي فلبيت النداء وكم فوجئت إلى أي مدى وصلت هذه المهنة المقدسة..فقد كان كما وصف لي عنتر ففي كل 5 او 10 دقائق يدخل مدمنا يأخذ تعينه اليومي وينصرف ومن جملة من دخل رجل في نهاية الثلاثينيات بنطاله متسخ و قميصه مضرج بالدماء فهو قصاب في مسلخ كان سكران يترنح و الشرر من عينيه يتطاير لا يدري ما يتكلم اقترب مني و بدأ بي يتمسح ثم قال بأنني من أولياء الله فتماسكت قبل أن أنفجر ضاحكا و بدأ يقرأ الفاتحة رافعا يديه ويتمتم بأدعية ...ثم أخرج رزمة نقود لو أخذتها كلها ما أدرك ومع الرزمة مكسرات من بندق ولوز ...وقداحة ومفاتيح وسألني عن مديته التي يذبح بها و قال أ هذه هي مشيراً إلى قداحته...سبحان الله الذي عافانا و جعل عقولنا زينة لنا ...المهم أعطى القصاب عنتر القصاب السكران تعينه من الديكستروبروبوكسفين وانصرف راضيا وهو يترنح ويغني ليلة العيد آه يا ليلة العيد
وفي اليوم التالي عيد مبارك و تكبيرات الله أكبر
معها نبأ وفاة المترنح وهو يتعاطى أكثر من ثمانين حبة حين ألقت القبض عليه شرطة المدينة... فرح أغلب الناس بموته فقد كان الشر بأصله ..
أما الحقيقة يا ظريف هل يجب علي أن أفرح أم أحزن ...فأنا و أمثالي نتعاطى أفيون الصمت
نحشش في زمن لا نريد أن نرى فيه أخطاءنا
لقد بعنا أنفسنا من أجل (القات) الاجتماعي
لنفترش حشيشة وندس في عقولنا الخاوية شفطة شيشة
وننام على وسادة خيانة الضمير
فكيف لنا صحوة من غفوة الكيف المادي وسط دخان يخنق فينا معنى الإنسان في أعماق أعماق أعماقنا...ودمتم ياظريف
بقلم فادي شعار
(( شفطة شيشة و جرعة الضمير..(2)..))
تجرعتُ كبسولةَ الضمير و حقنتُ حقنةً وريدية لتخفيف معاناتي من غيبوبة تعاطي أفيون الصمت فارتجفت رجفة الصحوة وذلك عند عنتر مستأجر شهادتي و صاحب رأسمال الصيدلية و مديرها الفني ....
و مع الرجفة نطقت الــ (لا) في وجهه كان ذلك يا ظريف بعد استنجاده بي للمرة الثانية , و كعادتي كانت تلبيتي للنداء سريعة للتمويه على اللجنة النقابية التفتيشية على المخالفات الصيدلانية , وكانت فرصة لي لمراقبة بيع عنتر , و طرق إقناعه العجيبة فمثلاً:
الممسكة أمعاؤه يقنعه بحقنة شرجية بدلا من التحاميل أو النقط الفموية...
أما مصابنا بفقر الدم فيصف له مع المضغوطات الحديدية مجموعة لا معنى لها من الفيتامينات القوية...
أما طفلنا المسكين يصيح من الذعر و الهلع بعد أن أدرك أن عمه عنتر قد و صف له سبع فلاكونات وريدية...
كل ما سبق لا يهم فعنتر صاحب التزامات مادية و مصاريف نثرية و أجار شهادتي الصيدلانية وليتها لم تكن و لكننا تورطنا...
ولكن الذي جعلني أنطق الـ ( لا) لما لمستُ من صاحبي من عظيم خطاءين في أقل من ساعتين ::
الخطأ الأول : وصفة من طبيب جلدي و من جملة الأدوية المكتوبة الدواء دلاسين Dalacin وهو كبسول للالتهابات ليقوم السيد عنتر بتبديله خطأ بـــ ديلاناسين Dilanacin من مركبات الديجوكسين المقوية للعضلة القلبية ذات التأثير السمي في الجرعات العالية....فصحت (لا) بشكل عفوي فأدرك عنتر الكارثة و أخذ يبرر أن ما أعطاه إياه مقوٍ للقلب يزيد تدفق الدم في الشعيرات الدموية للقضاء على الانتانات الجلدية فهمست في أذنه (لا ..بل للقضاء على نفس بشرية ..)
أما الخطأ الثاني : فكان مع دخول رجل في حالة هستيرية و لكن حكمة عنتر تمتص غضبه بعد أن أدرك عنتر أنه أعطاه خطأ ً الدواء بروفازي Profasi للخصية المهاجرة....
بدلا من بروفينيد Profenid لآلام ظهره الظاهرة....
و لكن الغريب كيف كان يبرر و يبربر ببرودة أعصاب و دون أي اعتذار بل و عاتبه لأن خطأه يستوجب الشكر لا الغضب و الجنون فقد قام بتقويته هرمونياً و حســـَّنه جنسياً !!...
خلال تلك الساعتين أدركت أن خلل ما موجود في قراءة عنتر للوصفات الطبية رغم براعة بيعه و فنه في إقناع المريض بأصناف معينة من الدواء و كأن الأدوية مجموعة من الثياب أو الإكسسوارات ...
فقررت باختباره بعد عدة أيام بإرسال صديقي و معه وصفة طبية كتب عليها أحرف شبه لاتينية غير مفهومة قريبة من الشخبطة الطبية و لكنها شخبطة حقيقية لأرى ردة فعل عنتر التجارية فما كان جوابه أمام هذا الامتحان إلا أن قال لصديقي : الدواء غير متوفر حالياً لكن لن تخرج من عندي إلا بدواء مثيله و أفضل منه ..و لكن خبرني بالأعراض التي تشتكي منها..
فأجابه صديقي على لسان حالي:
...أشتكي من خلل موازين الزمان , و ضياع الأمانة , و أن الــ (لا) ليست بعد قوية لتنتش بذور صحوة الضمير تراها بذور ماتت , و دست في التراب , أم مازالت تنتظر غيث مغيثاً لتورق من جديد....؟!
فيجيب عنتر: مممممم...مممممم .مرضك نفساني بحاجة إلى بالتان (البنزوهيكزول) فيه شفاء أكيد من هلوسة تعابيرك أيها المريض!!!
خذ هذا الدواء و على الله الشفاء!
ودمتم سالمين
بقلم فادي شعار