كلنا نسمع بثانوية جودة الهاشمي، فمن هو جودة الهاشمي الذي سميت المدرسة على اسمه؟
هو أحمد الحسني الجزائري المعروف ب(جودة الهاشمي)، وينحدر من أبوين جزائريين نزحا خلال ثورة الجزائر في العام 1867، وفي دمشق رزقا عدداً من الأولاد بينهم أحمد الذي ولد في عام 1887.
التحق في سن مبكرة بكتّاب الشيخ سعيد الشريف الذي كان يعادل المدرسة الابتدائية، وظهر تفوقه لدى أستاذه الشيخ سعيد فنصح والده بإرساله إلى استانبول ليكمل دراسته، غير أن وضع والده المادي لم يكن يساعد على ذلك، فاصطحبه أستاذه مع عدد من الطلاب المتفوقين إلى استانبول وهناك خصص بمقعد داخلي في دار الشفقة عام 1899.
كان الهاشمي يومئذ في الثانية عشرة من العمر، حين لمس أساتذته تفوقه، فعدلوا اسمه وجعلوه (أحمد جودة) تعبيراً عن إعجابهم وقد عرف فيما بعد باسم جودة، كما هو مسجل في سجله المدني. ونظرا لتفوقه على جميع الطلاب الأتراك والغرباء الوافدين من كل أنحاء “الدولة العثمانية”، تم إيفاده إلى فرنسا ليكمل دراسته الجامعية في الرياضيات التي تحصل فيها على الليسانس عام 1913.
وعاد إلى استانبول فخيّرته الدولة بين العمل في تركيا مدرساً للرياضيات، أو في أحدى البلاد العربية، فطلب العودة إلى دمشق، وذلك رغم كل المغريات التي عرضت عليه لتدريس الرياضيات في إستانبول.
وتجاه إصراره على رفض البقاء في تركيا، رأت السلطة أن تعينه في غير دمشق، فعينته في بيروت في مدرسة المقاصد الخيرية ودرّس فيها سنة، ثم نقلته إلى القدس ليعمل في المدرسة الصلاحية.
بعد خروج العثمانيين من سوريا عام 1918، عاد إلى دمشق وعُيّن أستاذاً للعلوم الرياضية في مكتب عنبر الذي كان المكان الوحيد الذي يدرس التعليم الثانوي في دمشق. ثم عين مديراً لمكتب عنبر، إضافة إلى تدريسه الرياضيات. وخلالها سعى لدى الدولة السورية لإنشاء مدرسة نموذجية ثانوية.
خلال الثورة السورية في العام 1925 لجأ عدد من الثوار إلى مدرسة التجهيز، فاستضافهم وكرس وقته لرعايتهم وتقديم الحماية لهم، كما كان خلال دراسته في فرنسا وقبلها في استانبول، على تواصل مع دعاة القضية العربية، وأسهم معهم في وضع اللبنة الأولى للقومية العربية.
ولم ينس الهاشمي، وهو في دمشق، واجبه نحو دول شمال إفريقيا، فعمل جاهدا من أجل حريتها، وشارك مع إخوانه المهجّرين في تأسيس “جمعية الدفاع عن المغرب العربي”، كما أسس جمعية لمساعدة النازحين من الأقطار العربية، أطلق عليها اسم “جمعية المقاصد الخيرية المغربية” في العام 1928.
تم إنشاء مدرسة التجهيز الأولى، وبدأت أعمال البناء في 28 كانون الثاني 1929 وانتهت في شهر تشرين الثاني 1933، وأشرف على بنائها المهندس "سليمان أبو شعر".
وفي عام 1933 بدأت التحضيرات لصناعة لوازم هذه المدرسة، واستمر العمل نحو ثلاث سنوات ليتم افتتاحها رسميا في شباط عام 1936، وقد أسندت إلى الهاشمي إدارتها، إضافة إلى تدريسه الرياضيات فيها.
وتناوب جودة الهاشمي بعد ذلك في مناصب عدة، منها مدير التعليم الابتدائي، ثم عين مديراً للتعليم الثانوي، ثم أميناً عاماً لوزارة المعارف، وأحيل بعد ذلك إلى التقاعد، بعد أن بلغ السن القانونية.
وتكريما لعطاءاته منح وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى في العام 1949.
وقام الهاشمي بتأليف عدد من الكتب في الرياضيات بكل فروعها، وكان دافعه إلى ذلك أن المستشار الفرنسي في أيام الانتداب، كان يحاول فرض تدريس الرياضيات باللغة الفرنسية بزعم أنه لا توجد في العربية اصطلاحات كافية، تمهيدا لفرض تدريس جميع مواد التعليم باللغة الفرنسية، وتعاون الأستاذ الهاشمي مع عدد من الأساتذة، للوقوف في وجه هذا التيار المدمر، وأخذ على عاتقه ما يتعلق بالرياضيات.
واانصرف الهاشمي إلى دراسة الاصطلاحات التي استعملها العرب في العصور القديمة، فاستقى منها ما استطاع، وعرّب ما استحدث فيما بعد من تعابير. وأصدر سلسلة من كتب الرياضيات لكل الصفوف الثانوية، فكانت كتبه نواة لكتب الرياضيات التي صدرت فيما بعد.
وافته المنية في العام 1955 في منزله بمنطقة الجسر الابيض، تاركاً ارثاً ثقافياً وانسانياً رائعاً وكان قدوة لكل من يتخذ مهنة التدريس والعمل التربوي صناعة له، وقد أطلق على المدرسة اسمه تكريماً له بعد رحيله بعام