"اللامبالاة" سلوك اجتماعي منفّر يعكس غياب أدنى معايير المسؤولية
تكتسب اللامبالاة من تراكم التجارب وفقدان الأمل والقدرة على العمل - (MCT)
منى أبوحمور
عمان- يعيش الثلاثيني أيهم، حالة من السلبية واللامبالاة اتجاه العديد من الأمور المتعلقة في حياته وفي حياة من يخصونه، الأمر الذي يجعل الكثيرين ممن هم حوله، يستنكرون موقفه ويلقون عليه باللوم والنقد اللذين لا ينقطعان.
ويعزو أيهم الذي ينتهج هذه السلوك منذ فترة ليست بقصيرة، إلى المشاعر التي تجيش في صدره وتضغط عليه في كافة مناحي الحياة، وبالتالي جرته إلى براثن عدم الاكتراث، مؤكدا أن هذا السلوك هو ردة فعل طبيعية ومتوقعة لكل ما مر به من مشاكل وضغوطات في حياته، حتى أصبح يتعاطى مع تلك المشاكل بسلبية وعدم اهتمام.
في حين يشكو العشريني خالد المنسي من وجود زميل يشاركه العمل، والذي يأخذ الأمور باستهتار مفرط وعدم اكتراث، وهذا السوك بات يتعبه ويبث شحناته السلبية في جو العمل.
ويؤكد المنسي أن تبرير زميله لعدم المبالاة شكل صدمة له، إذ يرى هذا الزميل "أن الصالح والطالح في العمل واحد وأنه لا شيء في الحياة يستحق أن نبذل اتجاهه جهدا كبيرا، لذا فعدم الاهتمام هو أفضل حل".
ويصف المنسي مدى معاناته في العمل مع أناس مثل هؤلاء، إذ يسوده جو من القلق والاضطراب، الأمر الذي يجعل البيئة بشكل عام غير صحية، مؤكدا أنه من الصعب التعامل مع مثل هذه الشخصية، وهذا سبب له العديد من المشاكل مع مسؤوليه في العمل.
في المقابل ترى الأربعينية ليلى المعاني أن اللامبالاة هو ما يعينها على ضغوط الحياة ومتاعبها، لاسيما انها متزوجة ولديها من الأبناء خمسة، الأمر الذي يضعها تحت ضغوط كبيرة باستمرار. وتنوه ليلى أنها وفي البداية كانت تركز كثيرا على العديد من الأمور التي تواجهها، ولكن عندما توصلت إلى أن لا جدوى من ذلك، اقتنعت بأن الإهمال وعدم الاكتراث هو الحل".
وتردف "أواجه العديد من المشاكل في البيت والعمل لاسيما مع وجود خمسة أطفال ووضع مادي تحت المتوسط، فالأمر سيان إن كنت مهتمة أم لا، وفي النهاية كله على صحتي وجسمي".
وتصف ليلى مدى انزعاج زوجها من سلوكها هذا، وبخاصة في القضايا الجوهرية التي تمس حياتهما، مبينة أنه أصبح يقوم ببعض المهام التي تخلت عن القيام بها، تحديدا تلك التي تتعلق بالأولاد.
وفي هذا الشأن يؤكد اختصاصي علم النفس الدكتور محمد الحباشنة أن هناك شخصيات تتصف بطبيعتها بـ"اللامبالاة وعدم الاكتراث والاعتمادية"، وهو أمر مرتبط بالتنشئة، إذ يتقمص الشخص هذه الصفة من قبل الأهل، خلال اعتياده باستمرار على الحصول على كل ما يريد من دون أن يضطر لتقديم شيء.
أما اللامبالاة التي يكتسبها الشخص في المراحل العمرية الأخرى، فيكون مردها فقدان القدرة على العمل والأمل في الحياة، فتتراكم التجارب عنده، مما يدفعه إلى هذا السلوك، الذي قد يتطور ليصل في بعض الأحيان إلى حالة مرضية، وفق الحباشنة.
ويعتبر الحباشنة أن الشخص اللامبالي يكون سببا في ايجاد مشكلة نفسية لدى الأشخاص المحيطين به، خصوصا إذا كانت من شخص مسؤول كالأب مثلا، منوها إلى أن الأب لديه مسؤوليات مطلقة أمام أسرته.
ويردف "إذا طبع على الأب سلوك اللامبالاة، فإن ذلك يزيل صفة الوالدية عنه، الأمر الذي يؤدي إلى تعب نفسي للزوجة، ويربي في نفس الأولاد نوعا من عدم الاكتراث اتجاه مسؤولياتهم الحياتية".
إلى ذلك يرى اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي أن "اللامبالاة سلوك اجتماعي منفر من قبل الافراد"، منوها إلى أنه يحمل العديد من الصور كعدم المشاركة في المناسبات الاجتماعية والمبادرة في العلاقات، وهي سلوكات سلبية.
ويعزو الخزاعي وصول الإنسان إلى مرحلة اللامبالاة إلى عدم القناعة من جدوى القيام ببعض الأعمال، التي قد توكل إليه، نظرا لكثرة المشكلات الاجتماعية والضغوطات الاقتصادية التي يتعرض له.
ويطالب الخزاعي بضرورة تشجيع الأبناء على تحمل المسؤولية منذ الصغر، كونهم مشاركين فعالين، إلى جانب تعزيز قيم المسؤولية لديهم وتحفيزهم للتعامل معها، مشيرا إلى أهمية دور الأسرة على هذا الصعيد، إذ تلعب دورا مهما في غرس القيم الايجابية في الأبناء.
وبدوره يجد الاستشاري الأسري أحمد عبدالله "أن وجود شخص لامبال في الأسرة يستنزف طاقة كبيرة من كلا الزوجين "على اعتبار أن ما يهمله أي منهما ولا يكترث به، يلقى على عاتق الآخر ويزيد من مسؤولياته".
ويذهب عبدالله إلى أن اللامبالاة مصدر لتراكم الكثير من المشكلات والأزمات النفسية لدى الشخص اللامبالي ومن يقابله، منوها إلى أن عدم ايجاد الحل الحقيقي للمشكلة، يؤثر بشكل كبير على العلاقة الأسرية السليمة.
ولا يخفي عبدالله الجانب السلبي لوجود شخص لامبالي في الأسرة على الأبناء وتربيتهم، وذلك لأنهم بحاجة دائمة إلى من يهتمون بهم، وعلى مدار الساعة، مضيفا أن يمكن محاربة هذا السلوك من خلال وضع من يمارس هذا السلوك بأزمة حقيقية تمسه بشكل شخصي.
تعليق على خبر: "اللامبالاة" سلوك اجتماعي منفر
أحمد قاسم: تكرّس ثقافة اللامبالاة في بلدنا
أظن أن هناك أمور مرتبطة بالثقافة تدفع الشخص إلى اللامبالاة، مثلاً عدم مبالاة النساء في بلدنا بصحة ورشاقة أجسامهن بسبب ثقافة الحجاب المبالغ بها، كما أن بعض المسؤولين لا يبالون باحتياجات ومشاعر الآخرين بسبب المبالغة في سلطتهم وعدم محاسبتهم.
كما أن الظروف الاقتصادية السيئة تعمق اللامبالاة مثل البطالة وتدني الأجور وعدم قدرة الأفراد على الزواج والواسطة التي تعطي منحة تعليمية لخريج ثانوية بمعدل منخفض وتستبعد صاحب المعدل المرتفع.
الأهم عندما يجد الإنسان نفسه لا قرار له في رسم مسار حياته بسبب غياب الديمقراطية فإنه أيضاً يصبح غير مبالي. الأخطر عندما يصبح غير مبالي ولديه رغبة بالانتقام ويدير حياته بالتحايل والفهلوة. الغرب تطور لأنه تعمق في ثقافته الأخلاقية المهنية وهذا ناتج عن الديمقراطية والطبقة الوسطى وتطور التعليم وترسخ مفهوم الدولة.
تخيلي مثلاُ في بلدنا كم واحد يلتزم بالمواعيد؟ دائماً أقول أن عدم الالتزام بالمواعيد والطريقة التي يسوق بها الناس في الشارع وإدارة المسؤولين لشؤون البلاد والعباد هي أمثلة واضحة على تكرس ثقافة اللامبالاة في بلدنا.