الرجولة .. موقف
موقفان .. تعانقا،رغم بعد المسافة الزمنية .. لوحت فيهما الرجولة أو الإنسانية،بكلتا يديها ..
نبدأ من هناك،من عصر الإغريق .. كتب مانغويل :
(في مسرحية سوفوكليس آجاكس،بعد أن تخبر أثينا الجذلى أوديسيوس محميها،أن غريمه قد لُعن بمصيبة مؤبدة،ينطق أوديسيوس بضع كلمات توجع القلب تجعل البطل الإغريقي بغتة أنبل من (؟؟؟) الحكيمة الظمأى إلى الدم:"قد يكون هذا الرجل عاثر الحظ عدوي"،يقول ،"ولكني أشفق عليه عندما أراه ينوء بالمصيبة.حقا،إني أسوق أفكاري صوب نفسي أكثر من سَوقها صوبه،لأنني أرى بوضوح أننا جميعا،نحن الذين نعيش على هذه الأرض،لسنا إلا أشباحا أو ظلالا عديمة الوزن".إنه يتذكر نفسه على حقيقتها،ويضفي المهابة على مصير آجاكس ومصير أوديسيوس في آن معا.){ص 341 ( فن القراءة) / ألبرتو مانغويل ) / ترجمة : جولان حاجي / بيروت /دار الساقي / الطبعة الأولى 2016}.
من هناك،من زمن الإغريق،إلى هنا،إلى البلاغة العربية ... إلى بديع الزمان الهمداني .. تقول لنا "ورقة التقويم" .. (كان بين بديع الزمان وأبي بكر الخوارزمي مهاجاة ومهاترة ومنازعة ومنافرة فكتب إبراهيم بن أحمد بن حمزة لبديع الزمان الهمداني يهنئه بمرض أبي بكر الخوارزمي،فرد عليه :"كيف يشمت بالمحنة من لا يأمنها في نفسه،ولا يعدمها في جنسه. والشامت إن أفلت فليس يفوت،وإن لم يمت فسوف يموت. وما أقبح الشماتة بمن أمن الإماتة،فكيف بمن يتوقعها بعد كل لحظة،وعقب كل لفظة،والدهر غرثان طعمه الخيار،وظمآن شربه الأحرار. فهل يشمت المرء بأنياب آكله،أو يُسر العاقل بسلاح قاتله،وإن ظاهرنا بالعداوة قليلا،فقد باطناه ودا جميلا،والحر عند الحمية لا يصطاد،ولكنه عند الكرم ينقاد،وعند الشدائد تذهب الأحقاد).
قال مانغويل أن كلمات"أوديسيوس" .."توجع القلب" .. ولكنه كلمات "الهمداني" .. تشفيه .. حين يتعالى الإنسان على الشماتة بخصمه .. عند نزول البلاء.
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني