الفحش في الأدب
في الكثير من كتب التراث وردت قصص وأشعار يستحي الواحد منا من إيرادها على فكره ، فكيف طوّعت لبعض القدماء نفوسهم التأليف فيه ولم يجدوا في ذلك حرجا ؟!!.، هذا إذا صحت نسبتها إلى بعضهم .
إن الذي دفعني إلى كتابة هذه المقالة ما أورده السيد بدر بن علي المقبل ، مشكورا ، في موضوع له بعنوان : " هل يصح الاستشهاد بنونية ابن القيم لإباحة شعر الغزل الفاحش؟"، في منتدى "آفاق أدبية" من شبكة رواء المحترمة ، وسوف أعمد لإيجاز ما أنوي قوله ، لأن قصدي من وراء ذلك تبيان رأيي في أمر معروف لمعظم الناس ، والبسط فيه ربما يضطرني إلى ذكر بعض الأمثلة التى لن أذكرها لأنها ليس مما يندى لها الجبين فحسب ، بل يتفصد عرقا من الخجل والخزي ، هذا غير أن هذا المتندى المحترم يزوره أو يشارك فيه الكثير من أخواتنا الفضليات اللواتي نربأ بانفسنا من ان نكتب ما يضايقهن ولوقيد شعرة .
إن لنا في كتاب الله الكريم أعظم أسوة ، وفيما صح من سنة رسوله الكريم موعظة بالغة في اجتناب ما فحش من القول ، كائنا من كان قائله ، دون الحاجة إلى تأويل ، أو التعذر ببعض المعاذير ، أو القياس على ظروف وأوضاع اجتماعية سبقت ، أو نعيشها الآن ، ويكفينا ما جاء في كتاب الله ، جل وعلا ، من كنايات عما يستقبح ذكره ، وأن نستعيض عنه بما علمنا ربنا ما حَسُن لفظه وبَعُد كل البعد عن الابتذال ، والأمثلة على ذلك كثيرة ، منها :
قول الله تعالى : " وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض ..."، كناية عما يقع بين الرجل وامرأته .
وقوله تعالى : " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " كناية عما يقع بين الرجل وامرأته أيضا .
وقوله : " قال هي راودتني عن نفسي " ، كناية عن الرغبة المحرّمة .
وقوله : " فلما تغشاها حملت حملا خفيفا ... " كناية عن الجماع .
وقوله : " أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء ..." كناية عن الحدث الأصغر والأكبر( عند البعض) . هذا غيض من فيض من الآيات الكريمة .
ومن حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نورد ما يلي :
" رفقا بالقوارير " ، كناية عن الحُرَم
" اتقوا الملاعن " ، كناية عن النهي من الحدث في الشوارع .
" من اكل لحم جزور فليتوضأ " لئلا يعرَض بمن أحدث في المسجد وخجل ، طبعا ، ان يُعرف من هو .
ومن كنايات البلغاء والعقلاء :
"به حاجة لا يقضيها غيره" ، كناية عن الحدث .
"هو من قراء سورة يوسف " ، كناية عمن يسأل الناس في الأسواق والجوامع ، وقد اعتاد اؤلئك في زمن ما قراءة هذه السورة .
هذه أمثلة توضح الأمر بالبعد عن الوصف غير اللائق للأمور ، وهي كنايات جاءت ، في معظمها ، بوصف الحلال فكيف بمن يصف عملا فاحشا اقترفه ويتعلل بما ورد في التراث من أقوال حقّ على بعضها التحريم ، وبعضها اقل ما يوصف به انه مخجل ، ويتنافى مع ما يستسيغه أصحاب المروءة والأخلاق الفاضلة؟َ!، ولقد نهى الله ،عز وجل ، عن التنابز بالألقاب ، فكيف بألفاظ الخنا والدعارة ؟ . ثم كيف تطيب نفوسنا ، وتستقر أحوالنا في بيوتاتنا ومجتمعاتنا إذا راينا في الأدب الفاحش أدبا مستساغا ، هذا إن جازت لنا تسميته بالأدب ، شعرا كان او نثرا أو قصصا تمثل وتعرض في التلفاز، او غير ذلك من الوسائل؟. قيل : إن من النقاد من ينظر للأدب عند نقده لنصوصه نظرة تخلو من الانحياز إلى الأخلاق ، وأن المعيار عندهم هو قدرة الأديب على إيصال المعنى المراد بشكل معبر عما في نفسه ، وبصور جمالية يتفاعل معها القارىء ، وأقول لهؤلاء : ربما يمكنكم إيجاد سوق لما تسمونه أدبا ، عند قوم يمارون فيما حرم الله ، ويستعذبون ارتكاب الأمور الدنيئة ، أما عند من أخلاقهم القرءان الكريم ، وهو خلق الرسول الكريم ، فلا وألف ألف لا ، إلا إذا هدفتم إلى معرفة العواطف النبيلة كم هي تنفر من القبيح وتستقذره فأنتم ، ساعتها ، على حق .
وقد يسأل سائل عن المعيار الذي نرجع إليه في الحكم على النصوص الأدبية المختلفة ، وما هو الحد الذي عنده نقف ونقول هذا فحش ، أو ذلك مقبول أو مستساغ ؟ ، وهنا يمكن القول أن ماحرم بالنصوص القطعية الثابتة فلا مراء فيه ، ويبقى غيره عرضة للأخذ والرد ، والجدال بالتي هي أحسن ، وإلى تفاوت بين الناس في رفضه أو قبوله ، حسب ما أوتي كل منهم من حكمة تعينه على فهم هذا الأمر .
إن الله ، تعالى ، لما أخذ أقواما في الدنيا قبل الآخرة ، إنما أخذهم بذنوب اقترفوها ، منها استباحة الفحش والانغماس فيه ، والذي يستهين بالقول الفاحش ولا يستقذره ربما يؤدي به ذلك إلى ارتكابه . نعوذ بك يا ربنا ، مما يضلنا ، ونسالك الغفران مما لممنا .
منقول للاهميه