خطبة الجمعة ..حصن البيت المسلم.. للإمام الشيخ : عبدالله المؤدب البدروشي .. الخطيب بالجامع الكبير .. شنني قابس
الحمد لله.. الذي أنار بيوت الطائعين بنور هدايته..و جعلها سكنا و سكينة بفضله وواسع رحمته.. أشهد أن لا إله إلا الله..وحده لا شريك له.. بيده الأمر و التدبير..و إليه المرجع و المصير..ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير.. وأشهد أن سيدنا وحبيب قلوبنا و إمامنا و قدوتنا محمدا عبده و رسوله.. أرسى دعائم بيوت المسلمين .. على شرائع هذا الدين..فأرشد أمته لما فيه الخير و العز و التمكين ..اللهم صل عليه في الأولين و الآخرين.. وارض اللهم على آله و أصحابه الأكرمين..واجعلنا اللهم من أتباع نهجه المبين..واحشرنا تحت لوائه المتين..واجعله شفيعنا و قائدنا إلى جوارك الأمين..
أما بعد... أيها الإخوة في العقيدة
الأسرة في الإسلام.. بناء متين الأساس.. مترابط الأركان..أصله ثابت و فرعه في السماء.. أسـّسه الخالق جل جلاله.. الذي أتقن كل شيء صنعا.. فهو الذي خلق الزوجين.. وهو الذي جعل بينهما المودة و الرحمة.. وهو الذي بث منهما البنين و الحفدة.. وجعل لهم بيوتا ..و جعلها سكنا.. فهو القائل جل جلاله.. وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا..لتطمئن فيها النفوس.. وتستريح فيها الأبدان..وتتربى فيها الأجيال..لتستمر الحياة على المنهج الذي أقامه الله..ثم أمر الأسرة المسلمة ..أن تدخل حصنه..أن تلوذ بحماه.. فقال جل وعلا.. يَا أَيُّهَا النَّاسُ..اتَّقُوا رَبَّكُمُ, الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ..وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا..وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ..وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ.. إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ..أقام لها حصن التقوى .. وأمرها أن تتزود به.. فقال عز وجل .. وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى.. وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ..هذا حصن الله.. من دخله كان آمنا.. مطمئنا في حياته ..ناجحا في معاملاته.. فما أحاطت التقوى ببيت إلا ملأته سعادة و رخاء.. فهي رحمة الله و نوره و غفرانه..قال تبارك و تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.. و لا يتقبل الله عملا إلا من أهلها.. قال جل جلاله..إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ..و لا نجاة و لا فوز لهم في الآخرة إلا بها.. قال عز وجل.. وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.. و لا مستقر في الجنة إلا لمن تحصن بها.. قال جل و علا..تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا.. فكيف نصنع التقوى.. التقوى في القلوب ..كما أشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى صدره وقال التَّقْوَى هَا هُنَا.. و زرعـُها في القلوب.. يكون بطاعة الله في كل أمر..أن لا يقوم المؤمن بعمل إلا إذا تجلت فيه طاعة الله..ألا يتحدث المؤمن بكلام..إلا إذا أحاطت به طاعة الله..فإذا تحصنت القلوب بالتقوى.. شعّـت بتقواها على الأسرة.. وتحصن البيت بحصن الله.. و لتستقر الأسرة بهذا الحصن ..و ليتدعم البيت بهذا الحصن.. جعل الله لعباده المؤمنين ركائز تثبـت اللائذين بحماه.. فأمرهم أن يجعلوه قبلة في كل وجهة.. حتى يكونوا مع الله..و في رحابه..فأنت أيها المؤمن.. مأمور من الله ..أن تتجه إليه في جميع أمورك ..و تقبل عليه في جميع شؤونك.. يقول تبارك و تعالى وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ.. فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى.. وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ..كن مع الله..ترى كل خير يسعى إليك.. وبذلك تحبط عمل الشيطان .. لأن من أولويات إبليس في هذه الدنيا.. أن يحطم قواعد البيت المسلم.. فيزيل المودة و الرحمة بين أفراد الأسرة.. و يبث بينهم العداوة و البغضاء.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ..و الحديث من صحيح الإمام مسلم.:إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ {أي جنوده و أعوانه من ذريته} فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً{ أقربهم إليه و أحبهم عنده} أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً{ أشدهم فتكا و تدميرا} يَجِىءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا {النار التي أشعلتها غير مدمرة..الفتنة التي أيقظتها ليست ماحقة.. قَالَ ثُمَّ يَجِىءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ- قَالَ- فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ.. نعم الشيطان أنت.. هذا الشيطان ..أمر الله أن نعاديه..فقال عز و جل.. إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا..هذا الشيطان .. الذي تعهد أمام الله..أن يبعدنا عن خالقنا ..و أن يضلنا عن سبيله قاَلَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ .. ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ.. هذا الشيطان لا بد لنا من حماية.. تحمينا وتحمي أسرنا و بيوتنا من شره.. فكيف نحبط عمله ؟.. وكيف نخيب أمله؟.. تعالوا معي إلى الحبيب.. صلى الله عليه وسلم.. تعالوا إلى الناصح الأمين.. فإذا أردت أيها المؤمن أن تحصن نفسك وأهلك و بيتك فتنفل في البيت.. صل النافلة في البيت..جاء في صحيح الإمام البخاري قول حبيبنا صلى الله عليه وسلم .. صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ.. و في صحيح الإمام مسلم.. قوله صلى الله عليه وسلم.. اجْعَلُوا مِنْ صَلاَتِكُمْ فِى بُيُوتِكُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا..فالصلاة في البيت نور..و النور من الله.. و لا يقرب الشيطان نورا.. وإذا أردت أيها المؤمن أن تحصن نفسك وأهلك و بيتك..فاسمع إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم..و الحديث من صحيح مسلم إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ لاَ مَبِيتَ لَكُمْ وَلاَ عَشَاءَ. وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ. وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ.. واسمع أيها المؤمن إلى حبيبك وهو يوصي خادمه أنس و يوصيك من بعده ..يقول يا بني، إذا دخلت على أهلك فسلم.. يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك ..الحديث من صحيح الترغيب ..نعم أيها المؤمن.. تكون الزوجة غاضبة.. فإذا سمعت منك السلام..ذهب غضبها.. نعم أيتها المؤمنة ..يكون الزوج غاضبا..فإذا دخلت عليه الحجرة.. سمع منك السلام.. زال غضبه.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم..والحديث من صحيح مسلم.. أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَىْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ.. فما السر في هذا السلام..؟ السر في السلام.. أنّ السلام من الله .. ولأن السلام هو الله.. فهو السلام..و منه السلام..وإليه يعود السلام..فاجعلوه راية في البيوت.. تنعم البيوت بالسلام.. ثم ماذا ..ثم تحصن أيها المؤمن بالقرآن ..فإن الشيطان لا يقرب بيتا يتلى فيه كلام الله.. ففي صحيح الإمام مسلم .. قول حبيبنا صلى الله عليه وسلم إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة.. و احذر أيها المؤمن..احذر من أمور..تنفر عنك و عن بيتك ملائكة الرحمان .. ففي غيابها حضور للشياطين.. اجعل بيتك بيت إسلام.. بيت خير و وفاق.. بيت ملائكة .. إحذر من الأغاني داخل البيت..فهي مزامير الشياطين..قال صلى الله عليه وسلم..وحديثه عند الإمام البخاري
..لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ {والحر هي الفواحش} وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ ..فاحذر من المعازف في بيتك.. واحذر من وجود الكلاب داخل بيتك..قال صلى الله عليه وسلم و الحديث في الصحيحين.. لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا تَصَاوِيرُ.. نعم أيها المؤمنون كلب الحراسة خارج البيت..و لا تقل إنما التصاوير للذكرى.. فإذا أردت أن تتذكر الوالدين.. فالذكرى بالترحم و الاستغفار..الذكرى بالزيارة و تلاوة القرآن.. الذكرى بالتصدق و فعل الخير.. ومن الناس من ينصب تمثالا في بيته.. صنما..وإذا سألته قال لك هو تحفة.. هو للتجميل.. جمل بيتك بتلاوة كتاب الله..جمل بيتك بالذكر.. بالتسبيح.. فربك الذي خلقك..هو الذي أمرك بأمره.. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا .. وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا..واحذر أيها المؤمن من عدة أمور..فإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه عاق لوالديه ..و لا بيتا فيه قاطع رحم.. ولا بيتا فيه آكل مال اليتيم وآكل أموال الناس بالباطل.. و لا بيتا فيه روائح كريهة..عطر أجواء بيتك بالروائح الطيبة..و عطر أرجاءه بطاعتك و طاعة أهلك لله و رسوله.. و عليك بتقوى الله. فتقوى الله حصنك في الدنيا..و زادك في عودتك إلى الله ..
اللهم اجعل تقواك زادنا.. و الثقة بك ذخرنا و اعتقادنا.. واجْعَلْ اللهم بيوتنافِي طَاعَتِكْ ، وَ نَشَاطنا فِيها لحسن عِبَادَتِكْ ، وَ اكتبنا من عبادك الصالحين..
أقول قولي هذا و أستغفر الله العظيم الكريم لي و لكم \