أخي الكريم يسري :
هناك مآخذ يأخذها البعض على صلاح الدين فدعني أسرد إليك بعضها والرد على كل واحدة منها كما وردت في أحد النصوص التي قرأتها :
وصل صلاح الدين إلى مشارف القدس التي كان فيها عدد كبير من الأسرى المسلمين وفتحها عام 1187 في 2 أكتوبر الموافق 27 رجب بعد استيلاء الصليبين عليها لمدة 88 سنة.ورفع أعلامه فوق أسوارها وسمح للمسيحيين الأرثوذكس الشرقيين بالبقاء فيها كما سمح لليهود 1190م بالحج شريطة ألا يغادروا أماكن العبادة وكان الصليبيون قد حرموا على اليهود دخول المدينة .ويطعن بعض المتقدمين (اليوم) في هذا الإجراء من جانب صلاح الدين ويعتبرونه (تنازلا) منه لليهود وأنه كان بداية للاستيطان اليهودي فيما بعد . لكن هؤلاء لم يقرأوا التاريخ جيدا,ففي سنوات متأخرة من القرن الثامن عشر كتب بعض الرحالة والمؤرخين أنه لم يكن في القدس من اليهود في ذلك الوقت إلا بضع أفراد معروفين بالاسم !,لم يكن بالسهل الاحتفاظ بمدينة عكا ,فاضطر صلاح الدين إلى عقد صلح مع ملك انكلترا ريتشارد قلب الأسد الذي جاء مع حملة صليبية جديدة وكان محاربا قويا ونص الصلح على احتفاظ الصليبين بالساحل من عكا إلى يافا على أن يكون الجنوب حتى غزة لصلاح الدين الذي سمح بالحج إلى بيت المقدس (القدس) الذي يسيطرعليه بنى في القدس مدارس ومستشفيات وانتقل بعدها عائداً إلى دمشق التي كان يحبها ومات ودفن فيها .وحين أتى الجنرال الفرنسي (غورو)أيام الانتداب الفرنسي على سورية بعد الحرب العالمية الأولى توجه فورا إلى ضريح صلاح الدين وقال هناك مقولته الشهيرة: (ها قد عدنا يا صلاح الدين)وقيل أن الجنرال البريطاني (اللنبي)الذي دخل القدس محتلاً فيعام 1918 كان هو صاحب هذه المقولة! ( حقيقة هو قال بالضبط : الآن انتهت الحروب الصليبية ) .
توفي صلاح الدين الأيوبي عن 57 عاما فقط! وارتفع صوت البكاء الناس وعويلهم وهم يبايعون ابنه الأفضل نور الدين الذي كان نائبه على دمشق . حكم صلاح الدين مصر 24 سنة والشام 19 سنة وترك من الأولاد 17 ولداً وبنتاً واحدة وكل ما ترك من الثروة 47 درهم فضة وجرام واحد من الذهب ولم يترك مالاً ولا عقاراً ولا داراً ...ويطعن منتقدوه اليوم بأنه وزع مملكته بين أبنائه , لكن هذا كان العرف السائد في القرون الوسطى حيث كان السلاطين والملوك سواء في الشرق أو في الغرب هم الذين يحكمون وتوزع المملكة عادة بين الأبناء أو الأخوة وقد استمر هذا العرف سائدا حتى قيام الجمهوريات الحديثة ولا يمكن إسقاط مفهوم اليوم على حقبة تعود إلى حوالي ألف عام مضت !
لكن صلاح الدين أنصفه أعداؤه قبل أهله .ويذكر المؤرخ الإنكليزي (كاميرون) أن(صلاح الدين عند العرب هو كنابليون عند الغرب وكان قائداً لا يقل عنه جدارة وطموحاً)...كما ظهرت مئات الكتب الأجنبية التي تشيد به كقائد عادل ورجل سياسة وحرب يعرف استخدام الأرض تحته ورجل دولة .فقد وحد أراضي المسلمين في مملكة واحدة امتدت من آسيا الوسطى وحتى النوبة وكان يعرف متى يحارب ومتى يعقد الصلح أو الهدنة ومتى يهاجم ومتى يتراجع ومتى يثار ومتى يتسامح وكان هذا سر عبقريته...كان صلاح الدين منسجماً مع عصره تماما وهو ما يرد على انتقاد المحدثين له .
وربما كان للشيعة بعض العذر في الهجوم عليه بسبب القضاء على الدولة الفاطمية الشيعية في مصر لكن الدولة الصفوية في إيران قضت أيضا على المذهب السني هناك واعتمدت المذهب الشيعي ...وتبرز اليوم أيضا فكرة كونه (كرديا)وليس عربيا ويشكو الأكراد أنه لم يقم لهم دولة باسمهم لكن صلاح الدين كان فوق القوميات في زمن كانت الأمة الإسلامية كلها كردًا وعرباً وفرساً وأتراكاً حتى المسيحيين فيها . مهددة بالخطر الصليبي المحتل للأرض والمقدسات احتلالاً كاملاً بينما المسلمون يساقون أسرى داخل القدس والمدن العربية لأكثر من مئتى عام..
- أعتقد أن في محتوى هذا النص ردود شافية على ما اتهم به صلاح الدين وإنصاف واضح له بكونه قائداً عادلاً مترفعاً عن كل الصغائر والأنانيات -
دمت بخير