مصر
قصيدة في دمي
شعر : د. جمال مرسي
أَرسَلْتُ رُوحِي بِمَا يَجرِي بِهِ قَلَمِي=تَحُومُ يا مِصرُ فَوْقَ النِّيلِ و الهَرَمِ
تُعانِقُ الرَّملَ في "سَيْناءَ" ، تَلثُمُهُ=و تَحضِنُ النَّخلَ رمزَ الطُّهرِ و الشَّمَمِ
و تَعزِفُ اللَّحنَ في "بلطيمَ"،تَسمَعُهُ="طابا" ،فَتَغرَقُ "شَرمُ الشَّيْخِ" في النَّغَمِ
لَمَّا تَرَكتُ رُبوعَ الأهلِ في وَطَنِي=تَخَاصَمَ الجَفنُ و الرُّؤيا ، فَلَم يَنَمِ
كَأَنَّما في نُجُومِ اللَّيلِ قَد رُبِطَتْ=أهدَابُهُ بِحِبالِ الشَّوْقِ و الأَلَمِ
مِصرُ التي سَكَنَتْ فِي خَافِقِي أَبَداً=مهما تَغَرَّبَ جِسمِي أَو نَأَت قَدَمِي
أعودُ للأمسِ في أفياءِ جَنَّتِها=فأنهَلُ الحُبَّ مِن سَلسالِها الشَّبِمِ
و أَسمَعُ الهَمسَ ، هَمسَ النِّيلِ مُنتَشِياً=بَينَ الخُزامَى مَعَ الإِصبَاحِ و الغَسَمِ
و النخلُ يرقصُ في زهوٍ و في طَرَبٍ=رَقصَ الخُيولِ على ترنيمَةِ النَّغَمِ
و التُّوتُ يَحكِي إِلَى الجُمَّيْزِ قِصَّتَهُ=إن باتَ يَشكُو مِنَ الأحزانِ و السَّقَمِ
و البحرُ صافٍ و قاعُ البَحرِ في أَلَقٍ=و الفُلكُ تَجرِي بِأَشواقٍ على نَهَمِ
يا أيُّها البحرُ هل أبصَرتَ قريَتَنا=في بَرِّ مِصرَ و قَد حَيَّتْكَ بالعَلَمِ
كم سَافَرَت عبرَ عَيْنَيْكَ الجُمُوعُ ، فَلَم =تَحفَل بِمَاخِرَةٍ تَكتَظُّ بالنَّسَمِ
كم كُنتَ هَادِئَ طََبعٍ كانَ مُكتَسَباً= من أُمَّةٍ دينُها في شَاهِقِ القِمَمِ
دينٌ على العدلِ قد قامت دعائمهُ=لولا رجالٌ على الإخلاصِ لم يقُمِ
و أَشرَقَت شَمسُ إِيمانٍ و مَعرِفةٍ=بالرِّفقِ و الحَزمِ و القِرطاسِ و القَلَمِ
يا أيُّها الشِّعرُ لا تَهجُرْ مخيَّلتي=قم فاسقني جَوْهَراً مِن صَادقِ الكلِمِ
كي ما أدافعُ بالأشعارِ عَن وَطَنٍ=طَالَت ثَرَاهُ يدُ الأحقادِ و النِّقَمِ
أَرضَ الكِنَانِةِ يا فِردَوْسَ خالقنا=عَينِي تَتُوقُ إلى اللُّقيا ، فَلَم تَنَمِ
لا زِلتِ كالبَدرِ إِشراقاً بِذاكِرَتِي=كَالدُّرِّ فِي عُنُقِ الأَيَّامِ مُنتَظِمِ
تَصبُو إِليكِ قُلوبُ المُغرَمينَ ، كما= تَصبُو إلى الجَنَّةِ العذراءِ في الحُلُمِ
أنتِ العَرُوسُ و قَدْ زَفَّتكِ أَفئِدَةٌ=للنيلِ يا مُهجَتِي فِي ثَوبِ محتشِمِ
أنتِ العروسُ ، لكِ الأرواح نُمهِرُها=كي ما ننالُ الرِّضا يا مَنبعَ الكَرَمِ
حَزَّمتُ أَمتِعَتِي حتّى أَعُودَ إلى =عَينَيكِ أَفدِيِهِمَا يا أُمَّنا بِدَمِي
هل تقبلينَ فتىً قد عَقَّ والدةً=فَجَاءَ يَسكُبُ دَمعَ الحُزنِ و النَّدَمِ ؟