مقال خطه قلم الشيخ علي الطنطاوي (المتوفى سنة 1420هـ-1999 م) رحمه الله. وقد نشره سنة 1931م، أي في زمن انتفاضة سوريا ضد المستعمر الفرنسي، فما أشبه الليلة بالبارحة! يقول الشيخ:
لقد اتضح الأمر وظهر الخبيء، وعلمنا أن الحارس لص والحامي غاصب، ولكن دمشق لم تمت كلا، بل هي حية تدافع عن حقها، وتبذل مهجتها في سبيل حريتها. ولقد كاد ينفجر البركان، وإذا هو انفجر فسيحرق أعداء الحق فيبيدهم فلا يُبقي لهم أثرًا.
لقد رأينا من هؤلاء الطلاب، الذين نخشى عليهم النسيم أن يؤذيهم، أسودًا يفتحون صدورهم للرصاص، ويصيحون بخصومهم: اقتلونا، فعلى أجسادنا سيبنى استقلال سوريا!
أما بعد، فهذا يوم العمل. هذا يوم يقف فيه الشعبُ بحقه، وخصمه بباطله ليتنازعا، وقد تنازعا، ولكن عون الحق هو الله، والله أكبر.
وإذا أتَونا بالصفوف كثيرةً * جئنا بِصفٍّ واحدٍ لن يُكسرا ذلك هو صف أبناء الوطن، صف يدعمه الحق، صف يؤيده الإخلاص، صف لا يهاب الموت في سبيل الله والوطن!.
ألا أعدُّوا ما شئتم من قوة، من رصاص ومدافع، من رشاشات ودبابات، فسنُعِدُّ صدوراً تخفق فيها قلوب تفيض بالإيمان، وتتفجر بالوطنية، وترغب في التضحية. وسنفتحها لكم.
لا قوة إلا قوة الحق، ولا مجد إلا مجد التضحية، وسيأتي يوم تزول فيه القوة وتدول فيه الدولة الظالمة، ولا يتبقى إلا الحق.
فجاهدي يا دمشق، وهاهم رجالك يجاهدون معك، ويعرِّضون أنفسهم للموت دونك، وهاهم أبناؤك الطلاب يحمونك بأرواحهم، وها هي تلك الأرواح الطاهرة، أرواح الشهداء، تخطب من السماء خطبة الوطنية والإخلاص. إن هذه الدماء دفعة جديدة من ثمن الاستقلال، إنها أريقت لغسل صفحة الذل التي خطها عليها الأقوياء! والله معك، والله أكبر.
أيها الشهداء، هذه الجنة قد أعدت لكم فادخلوها آمنين. إننا لن ننساكم أبداً. إنكم خالدون لم تموتوا، ويا ليتني كنت معكم فأفوز فوزاً عظيماً. ويا إخوان الشهداء وأهليهم، إنكم إن خسرتم إخوانكم وذويكم، فقد ربحتم شرف التضحية، قد كسبتم حمد التاريخ، قد بؤتم بثواب الله... وكلنا إخوانكم وذووكم. إننا تجمعنا الآلام، وتوحِّد بيننا الضحايا.
ألا فلنهتف جميعاً: لا قوة إلا قوة الحق، ولا مجد إلا مجد التضحية، وعلى الشهداء السلام.