سياسياً، ليأخذ كل ذي حقٍ حقه
في الشركات المساهمة، يستطيع المساهم (الفرد) أو الفئة (بنك، دولة، شركة أخرى) أن يزيد حصصه بالشراء، أو أن يقلص حجم مساهماته ببيع أسهمه أو بعضها.
وفي مسائل الإرث، تنظم قواعد شرعية وقانونية حصص الورثة، وتترك المجال لكل وريث حرية الانفصال بتركته أو البقاء متحداً مع الآخرين.
في الحالتين الأولى والثانية تكون الكلمة العليا لأصحاب الأسهم الأكثر عدداً، وبالقدر الذي يكون رضا المساهمين الصغار عن عدل تقسيم الأرباح واحترام قرار المساهم الصغير من قبل المساهمين الكبار بالقدر الذي يميل المساهم الصغير لاختياره البقاء في حالة التوحد في الموروث مساحة أو ثروات. وإن تم حرمان صاحب الأسهم الأقل من حرية التصرف حتى حق الانسحاب من تلك الشراكة، فإن الاحتقانات ستنمو شيئاً فشيئاً لتتحول الى حالة من عدم الانسجام والشعور بالقهر وتنتهي بعداءات تخلف عداءات.
لا تشذ القضايا السياسية المتعلقة بمثل تلك الشراكات والتي تنتشر في منطقتنا العربية عن ذلك، فالمساهم قد يكون أخاً في الدين والعرق، ولكنه يُشغل مساحة يحس ساكنوها بحيف ونقص من الاستفادة من ثروات البلاد أو إشغال المراكز التي تدير البلاد، كما في حالة اليمن والسودان (دارفور تحديداً) لحدٍ ما.
وقد يكون الاختلاف في العرق ولا يُشغل الجانب الديني أثراً في طبائع القضايا، كما يحدث عند الأكراد والأمازيغ وجنوب السودان، وهنا يكون المجال مفتوحاً لدس أنوف من في خارج البلاد في هذا النوع من القضايا.
وفي حالات مستحدثة، ظهر الخلاف على هامش العقيدة الدينية أو السياسية، كما في محاولات تصنيف قضايا الشيعة والسنة في أكثر من قطر عربي (والتي ظهرت منذ حوالي عقدٍ من الزمن). أو الاختلاف العقائدي السياسي كما يحدث في فلسطين واليمن.
وتشكل حالة لبنان، مزيجا معقداً من الحالات السابقة، قد نشير إليه أثناء الحديث تحت العناوين الفرعية.
ممن يُطْلب الحق؟
تكاد النماذج العربية، كلها، أن تعيش في حالة ما يُسمى ب (إشكالية الشرعية) فيها، فليس هُنَاك حُكم واحد يقر الجميع بشرعيته المطلقة. وهنا تكمن أس المشاكل الفرعية المنطلقة من تلك المشكلة الأم. وعليه فإن المطالبين بحقوقهم يستنكفون عن مخاطبة السلطات القائمة بأخذ حقوقهم منها، كونها مغتصبة لحق كانوا هم أولى به، وهذا ما يجعل حالة العداء كخط بداية يستنهض ما يقابله من العداء من قِبل القائمين على الحكم.
سيرافق خطاب المطالبة بالحقوق الذي لا يُقدم مباشرة للحكومات القائمة، بل يُضخ في الفضاء الذهني والإعلامي من خلال وسائل الإعلام وخلال البيانات والمقابلات والتصريحات التي يُدلي بها رموز المطالبين بحقوقهم، سيرافقه إنكارٌ لأحقية الحكومات بكونها مؤهلة للمطالبة بحقوق هؤلاء.
وسيقابل ذلك خطابٌ توجهه أجهزة الإعلام الحكومية، تسخر من تلك الفئات وتصورهم على أنهم شراذم ضعاف يتعاونون مع أعداءٍ خطرين. وبذلك تتصلب قاعدة تأسيس العداء بين الطرفين.
تفشي حالة العداء عمودياً
قد لا تقرُ شرائح واسعة من الشعب (أي شعب) نهج حكومتها في كثير من المسائل، ولكنها تتفق مع تلك الحكومة عندما يتعرض الوصف العام ليطال كل فئات الشعب، فمثلا، لم يكن هناك عداء تاريخي بين العرب والأكراد، ولم يكن هناك عداء بين المسيحيين والمسلمين أو الشيعة والسنة أو الأمازيغ والعرب، ولكن هذا يمكن أن يتكون من خلال تلاقي أصداء الخطابات المطروحة في الفضاء الذهني.
فيصبح الأكراد في العراق فجأةً وكأنهم بؤرة لجلب النحس والتعاون مع الأجنبي، إسقاطا لحالة من يطفو على السطح من قيادتهم. وكذلك يُقال عن الأقباط في مصر، أو الحوثيين في اليمن.
وينجر الكثير من المثقفين والكتاب، وحتى السياسيين في صنفيهم (المعارض والموالي) الى تصنيف تلك الحالة السياسية، استناداً الى التعميم غير المنصف في غالب الأحيان.
حقوق الأقليات مكسب يطال الجميع
تُختزَن مكونات الحضارة الإنسانية في ذاكرة أو (ذاكرات) المكونات التفصيلية لكل أجناس البشر، ومنها ما ينتقل بالمشافهة ومنها ما يتم تدوينه في بطون الكتب، والمدون في الكتب أكثر ديمومة وأكثر نفعا للاستناد عليه في الدراسات وفي بناء الخطط المستقبلية. وإن لم يتم ترويض لغة كل من مكونات أي أمة وأي بلد، فإن مخزونها المعرفي والحضاري سيكون مهدداً بالزوال، وبالتالي فإن خسارته لا تتوقف على ذلك المكون فحسب، بل سينتقل أذاها ليطال الدولة التي ينتمي إليها ويطال التاريخ الحضاري الإنساني كله.
وحتى يتم تنشيط ذلك، لا بد من إفساح المجال لتفجير الطاقات الإبداعية لكل مكون من مكونات الأمة، ومن يتجول في أنحاء المغرب من (وجدة) الى (أغادير) أو يتجول في أنحاء العراق من (الفاو) الى (زاخو) سيجد ذلك التنوع الغني الزاخر بتفاصيله التي تصب في تشكيل لوحة إبداعية جميلة. وهذا ينسحب على بقية الأقطار العربية.
ما السبيل الى مناقشة تلك الأمور؟
تقع على المثقفين مسئولية تاريخية في المساعدة على تلمس معالم الطريق لتحويل هذه الاحتقانات الى إجراءات تنهض بشعوب تلك المنطقة لأداء دورها الإنساني العالمي بكفاءة تتلاءم مع تاريخها المجيد.
فمشاكل كل مكونات الأمة متشابهة، تتعلق بالتحرر ومن ثم الحرية ومن ثم تناقل السلطة فيما بين أبناء تلك المكونات بعدل واحترام ووعي.
وعليه، فإن التوحد بين أبناء الأمة لاستكمال تحررها من دس الأجانب أنوفهم في قضاياها يأخذ معطىً أولياً، دون الابتعاد عن بحثهم المستمر في إيجاد سبيل لتناقل السلطة بطريقة عادلة لتأمين حرية مواطنيهم ومساواتهم مع بعض، ولكن لا حرية بلا تحرر.