الأديب الحاج بونيف
الحاج بونيف من مواليد قرية الهامل من سنة 1951، ككل أطفال الجزائر آنذاك، نشأ في جو سياسي غير طبيعي، إذ لم تكن الجزائر حرة، وكانت تستعد لخوض حرب طويلة، وهذا الجو جعله كأغلبية البسطاء من الشعب يحيا حياة الفقر..
أدخله أبواه الكُــتاب، فقرأ القرآن الكريم، وحفظه ..وفي سنة 1958 دخل المدرسة الابتدائية في قريته فنال الشهادة الابتدائية.. وانتقل بعدها لإنهاء دراسته المتوسطة والثانوية بالمعهد الإسلامي القاسمي الذي كانت له شهرة وطنية وافريقية.. ومنه تحصل على شهادة الأهلية، واجتاز شهادة البكالوريا سنة 1969، ولم تسمح له ظروفه المادية بمواصلة مشواره الدراسي، فانخرط في سلك التعليم سنة 1970، فعلم في المدرسة الابتدائية لمدة أربع سنوات بمدينة بني سليمان ولاية المدية، ثم التحق بدار المعلمين ببوزريعة بالجزائر العاصمة ليتخرج منها بدرجة الأستاذية ، وعمل كأستاذ لمادة اللغة العربية وآدابهامن سنة 1974 إلى سنة 1982 بمدينة عين وسارة بولاية الجلفة، ثم انتدب للجامعة ، ومنها انتقل إلى المركز لوطني لإطارات التربية بابن عكنون بالجزائر العاصمة ليتخرج منه سنة 1984 كمفتش لمادة اللغة العربية وآدابها..
طوال هذا المسار شارك في عدة ملتقيات أدبية وفكرية وتربوية ، وله إسهامات فيها نشرت على صفحات الجرائد والمجلات المحلية والوطنية..
وتعود محاولاته الأدبية الأولى في كتابة القصة القصيرة إلى منتصف السبعينيات، حيث نشر على صفحات المنبر الأدبي لجريدة الشعب بعض محاولاته التي لقيت تشجيعا من القائمين على هذا الركن الأدبي ..
ومن القصص التي نشرها نذكر : المعلم الشهيد .. و مبني على الضم.. والرهان..
كما نشر في هذه الفترة المتقدمة من حياته بعض المقالات السياسية والاجتماعية والتربوية على صفحات بعض الجرائد والمجلات كالشعب والمجاهد ..
وبعد توقف عن النشر استطاع خلاله جمع الكثير من انتاجه القصصي، عاد لينشر من جديد ... فنشر أكثر من خمسين قصة قصيرة ، الأغلب منها نشر على صفحات جريدة صوت الأحرار في منبرها الأسبوعي أصوات أدبية التي تتمتع بسمعة طيبة وطنيا وعربيا..
الأديب الحاج بونيف في إحدى الأمسيات الأدبية صيف 2004 ..صالون عقيل الثقافي
يغلب على قصصه الطابع الاجتماعي والسياسي .. ففي الكثير منها رمزية تشد القاريء من دون أن تستهين بذكائه وعبقريته..
والكثير من هذه الأعمال منشورة أيضا على شبكة الإنترنت،وقد تناولها نقاد من مختلف الأقطار ، وأبدوا إعجابهم بالأسلوب والمحتوى والأفكار المطروحة .. ولم يبخلوا بذكر ملاحظاتهم وآرائهم التي رأوها.. وكانت لبعضهم اتصالات مباشرة مع القاص تناولت جوانب متعددة من إبداعاته .. كما كان لبعض إنتاجاته الأدبية وقفات من بعض النقاد على صفحات الجرائد الوطنية ..
لم يتسن له أن يطبع هذه الأعمال رغم كثرتها ، لأسباب منطقية في الكثير من الأحيان،
لكنه جمعها على شكل مجموعتين من الحجم المتوسط..نأملها أن تطبع قريبا بإذن الله.
ويقضي جل وقته بعد فراغه من عمله كمرشد تربوي، في مطالعاته ، وفي الكتابة التي تتنوع بين المقالات .. والقصص القصيرة ..
ليس راضيا عن الأوضاع في بلده لما تعانيه من سوء في التسييرعلى جميع الأصعدة، وأكثر ما يتألم له رؤيته للشباب المثقف من خريجي الجامعات يحالون على البطالة الدائمة من يوم تخرجهم، في حين تسند المسؤوليات والمناصب لأصحاب السلطان، واليد الطولى، من الذين امتدت أيديهم إلى الخزانة فنهبوها، وجوعوا البلد وأهله ..
يرثي لحال الثقافة والمثقفين في البلاد العربية، وبخاصة في الجزائر .. أين صار المثقف من أفقر خلق الله على البسيطة، في حين يرفل الأغنياء من الجهلة في الحرير والذهب..
أما عن الأوضاع السياسية الكبرى في العالم.. فيرى أن مأساة الشعب الفلسطيني ومعاناتهم من الاستدمار الصهيوني الظالم ، سبب في جلب المهالك للشرق الأوسط بأكمله.. وما احتلال العراق إلا دليل صارخ على عنجهية هذا الاحتلال الذي يتدثر بثوب الحرية وحقوق الانسان ليحتل الانسان، ويقتله، ويهلك الحرث والنسل، ويأخذ خيرات البلد..
وعن الإرهاب .. يقول: .. إنه نابع من تسلط الأقوياء على رقاب الضعفاء، فمتى انزاح الظلم عادت الحياة تسير سيرها الطبيعي.. ولا يوجد إنسان خلقه الله ليكون إرهابيا.. بل يدفعه إلى هذا السلوك الانتقام من المتكبر الظالم الذي يعتد بقوته.. وقوته فقط..
والعولمة كذبة كبرى وفرية عظمى القصد منها الاستحواذ عن خيرات هذا العالم والهيمنة على الشعوب المستضعفة، وجعلها تسير مكرهة في الطابورمنقادة إلى المسلخة ..لسلخها عن قيمها ، ومبادئها، ودينها، والقضاء على ثوابتها..
فنسأل الله العفو والعافية..وعلى قدر أهل العزم ، تأتي العزائم..
الهامل .نت
26/08/2005
اللص
راقب هدوء الحي ، الناس في غدو و رواح ، الأبواب تغلق و تفتح ، الرجال و النساء و الأطفال يدخلون ويخرجون في كل الأوقات، الكل منشغلون بقضاء حوائجهم ، إلا هو .. ينتقل في الأزقة بحذر.. يركز على الحركات الدقيقة .. النوافذ تغلق و توصد.. بعضهن كن يطلن النظر في الشارع، و يحدقن في المارة، حتى إذا ما تعرضن لحركات، أو تلويحات بالإشارات، تظاهرن باللامبالاة، و رحن يطلقن ستائر النوافذ، أو تحويل النظر إلى الجهة الأخرى من الشارع .
في الليل كانت الحركة تخف في الحي، إلا من تجمعات بعض الشباب الذين كانوا يتلهون بلعب الدومينو أو الشطرنج تحت الإنارة العمومية في الشارع الطويل ، أو قد يلعبون كرة القدم، أويتلهون بأي شيء يصلح لتزجية الوقت.
الأنوار تنبعث من وراء الستائر الجميلة التي تغطي النوافذ ، ومن وراء الشبابيك .. تدل على أن أهل البيت موجودون .. الحيل التي يلجأ إليها من ينوون السفر، و يتركون مصابيح بيوتهم مضاءة، لم تعد تنطلي على المحترفين من أمثاله .
قادته تحرياته التي استغرقت يومين بليلتيهما أن بيتا في الطابق الأول من العمارة لم يدخل أو يخرج منه أحد ، و أن نوره يبقى مشتعلا طوال الليل و هذا ما يحفز على زيارته في أقرب وقت ممكن ..فمدة يومين كافية لاستجلاء أمر مدينة كبرى، فما بالك بحي هادئ ؟؟ .. العمل في هذا البيت بات لزاما ، ولا يستلزم أي تأخر، فمثل هذه الأمور تتطلب التعجيل .. العمل الناجح يتطلب العجلة والتخطيط المحكم، لا مجال فيه للارتجال.. اهتدى إلى أن موقع العملية ، وطبيعة المكان يناسبهما العمل الليلي، انتظر قدوم اللـيل، ودخول الناس إلى منازلهم، وخلود أكثرهم للنوم، بعض الأنوار بدأت تخمد، هدأت حركة السيارات، انتشرت بعض القطط والكلاب الضالة حول أكياس القمامات التي كانت ترمي من النوافذ .. هيأ لوازمه، و خرج متسترا في جنح الليل، متنقلا في الأماكن المظلمة .. خفيف الحركة كان، سريعا في مشيته، لا يكاد يرى ظله، لا يترك لك فرصة التأكد من ملامحه، أو لون عينيه أو شعره ..وصل إلى مسرح العملية، وضع رجله اليسرى في سياج نافذة الطابق الأول من العمارة ذات الخمسة طوابق، وتسلل كالريح.. ..إنه الآن أمام أول باب، أخرج حزمة المفاتيح التي يتأبطها، في لمح البصر فتح الباب المؤدي إلى المطبخ ، هو الآن في المطبخ، أرهف سمعه علّ أحدا موجودا فيفاجأ بما لم يكن في حسبانه ، احتاط لذلك .. رسم مسلكا لانسحابه.. الهدوء يخيم على المكان ، ألقى نظرة خاطفة في الصالون الذي كان أقرب نقطة إليه ، لم يركز على الأثاث الذي يملأ البيت، .. مرر إصبعه على المنضدة الكبيرة التي توسطت القاعة، رأى أن غبارا يعلوها، هي لم تمسح منذ مدة، و مع ذلك يجب الحذر، بكل حيطة تقدم للرواق المؤدي للغرفتين المتجاورتين كاتما أنفاسه، توقف برهة، هناك حركة في الغرفة الشمالية من الرواق، سعال متقطع، ثم ما يشبه الأنين ..دخل الغرفة اليمنى، إنها فارغة سوى من بعض الأثاث الذي بدا قليلا ..لم تبق سوى الغرفة الأخيرة .. جذب نفسا عميقا و أفرغه كأنما يستعد لوثبة عالية ، ثم اقتحم الغرفة فلم يجد بها سوى عجوز مسنة بدا هزالها الشديد، تعاني المرض و الجوع و الوحدة ، رأته فرحبت به ونادته: "عزوز" معتقدة عودة ابنها الغائب في شغله.. تفاجأ بذكرها اسمه، اقترب منها أكثر، فإذا عيناها غائرتان، وخصلات من شعرها الأشيب انسدلت على جبهتها التي كستها التجاعيد، و فم يابس مغلق، كانت تفتحه من حين لآخر كأنها تطلب الماء..رق قلبه ودمعت عيناه وانحنى يطبع قبلة على جبينها ، و يصفف بيده الشعرات المنتثرة حول عينيها ويناديها :
- أمي هل تشربين ؟
- نعم يا ولدي .
تناول الكوب الذي على الطاولة، و أسرع فملأه .. سقاها بعد أن أسندها بذراعه حتى اعتدلت لتتمكن من الشرب.. ثم طلبت منه دواءها الذي في الثلاجة، و لم تستطع الوصول إليه، سارع إلى إحضاره، سألها عن الأكل فقالت: إنها لم تأكل منذ يومين ..بحث في الثلاجة فلم يجد شيئا ، قال لها:
ـ سأخرج لجلب بعض الأكل لك يا أمي ..
ومن أقرب المحلات اشترى بعض اللوازم الغذائية.. أطعمها بيديه، سقاها ماء وحليبا..
من حين إلى حين تتفرس في وجهه.. تقترب حتى تكاد عيناها تلتصقان بوجهه..
تسأله عن ابنتها المسافرة.. يجيبها : هي بخير
حنين يسري في عروقه، شئ ما يختلج في صدره، تنسكب دمعتان على خده.. قشعريرة تهز كيانه، يتذكر أمه التي غادرت ذات شتاء بارد وتركته من دون حاضنة.. يمسح على يدها الحانية التي امتدت إليه ويقبلها، يبكي بكاء مرا، تسّـاقط دموعه بغـزارة..
ـ عزوز أنا لم أصل منذ مدة
ـ قومي لصلاتك يا أمـي.. دعواتك لي يا أمي.. لا تحرميني من دعائك يا أمي..
راقبها وهي تتحرك ببـطء في صلاتها .. صلت جالسة وتضرعت إلى الله.. أخرجت سبحـتها وعادت إلى سريرها.. داعبته سنة فاستسلم لإغفاءة في الصالون.. أفاق على حديث العجوز مع ابنها، وسمعها تقول: عزوز نائم لقد عاد متعبا من شغله، فمن أنت؟؟
اللغه
قصه تحمل لغة موفقه رغم بعض الهنات مثل ( الكل) وهي مطب يقع فيه معظم الكتاب استطاع الكاتب ان يدخلنا الى عالم القصه بجدارة حيث انها بنت بيئتها وملاصقه لواقع مؤلم,
يشكو جوعا نقصا حرمانا تجلى بشباب الحي الباحثين عن اللهو
العنوان
ربما جاء العنوان موظفا ليحملنا لمفاجآت استطاع الكاتب احسان قفلها ورغم ان العنوان فشى بالمضمون الا انه لم يضر بالقصه
فكرة القصه:كانت مألوفه لكنها لم تحرمنا من عنصر التشويق والعاطفه الرقيقه فيها والتي توقظ امورا ربما لم تكن غائبه عنا بقدر مانحن مقصرون عبر تلك الناحيه بالذات.
ترابط القصه
اتت مترابطه وبنت بيئتها استطاعت ان تعكسها بصدق عبر عبارات عدة مثل:
أهل البيت موجودون .. الحيل التي يلجأ إليها من ينوون السفر، و يتركون مصابيح بيوتهم مضاءة، لم تعد تنطلي على المحترفين من أمثاله .
الحبكه:ربما كانت حبكه معقوله تفتقد للمعه والبريق الذي نبحث عنه من عبارات وصور قويه تجذب القارئ وتجعله يترقب امرا ما جديدا..لم تطرح القصه غير خط زمني واحد ومسار واحد لاتداخل فيه ولا تعقيد رغم ان التشابك عبر عدة احداث ربما تترك عنصر ابهار للقارئ
مثلا لو انه اوقع انية او ترك اثرا يلفت الانظار او حدثا اخر دخل لكي يترك تعقيدا محببا يحرك القارئ عند القراءة.
القفله
اتت خاطفه كما نمط القصه الحديثه والتي نبحث عنها لتطرح تساؤلا كبيرا هنا وبعد اكتشاف العجوز ان اللص ليس ابنها تركت النهايه مفتوحه تماما لمخيله وتوقع القارئ.
وفي النهايه نرجو ان نكون قد وفقنا في النظرة النقديه وندعو له بمزيد من التوفيق( ونتمنى ان تقدم دراسه لقصصه عامة عند صدور اول مجموعه له)