الصحفيون والمثقفون في قفص الاتهام
آليّات وأشكال كره الإسلام والمسلمين في فرنسا في كتاب لفانسان جيسير
هاشم صالح
هناك منظمة في فرنسا تدعى بحركة النضال ضد العنصرية والصداقة بين الشعوب (MRAP). وقد صرحت في آخر تقرير لها بما يلي: إن مواقع الانترنت هي المسؤولة عن تشجيع الاعتداء على المسلمين وبث الكراهية ضدهم في فرنسا. وهي مواقع تنتمي أساسا إلى تيارين: تيار اليمين المتطرف الفرنسي، وتيار اليمين الصهيوني الراديكالي. ولأول مرة يلتقي هذان التياران ببعضهما بعضا بعد أن كانا متعاديين تاريخيا بسبب كره الأول لليهود (كما يبدو من تصريحات زعماء اليمين المتطرف كجان ماري لوبن، وبرينو ميغري، الخ...). ويقول مؤلف هذا الكتاب بأنه أراد تعرية آليّات وأشكال كره الإسلام والمسلمين في فرنسا. وهو يرى أن الخوف من الإسلام قديم، ولكنه يتخذ الآن أشكالا جديدة بسبب التفجيرات الأخيرة. ولكن يبدو أن كره المسلمين والعرب جمع بينهما في الآونة الأخيرة. ولذلك فلم نعد نسمع اليمين اليهودي المتشدد يحارب لوبن مثلا على عكس ما حصل في السنوات السابقة.
في هذا الكتاب يشرح المؤلف سبب الخوف بل وحتى الذعر من الإسلام الذي أصبح يشكل الآن الدين الثاني في فرنسا بعد المسيحية بمذهبها الكاثوليكي. وقد ازداد هذا الكره للإسلام أو الخوف منه بعد ضربة 11 سبتمبر كما هو معروف. فهناك فكرة تشيع اكثر فاكثر في فرنسا تقول بان الاسلام دين خطر في أصله وجوهره وبالتالي فهو يشكل تهديدا لقيمها وحضارتها. وقد ازدادت هذه الفكرة أهمية بعد صدور كتاب صموئيل هانتنغتون عن صدام الحضارات. ثم ترسخت أكثر فأكثر بعد التفجيرات الارهابية وأعمال الكاميكاز. وأصبحت الجاليات العربية والإسلامية تدفع ثمن شيء لا علاقة لها به. وقد تفاقمت الظاهرة إلى حد أن المفوضية الأوروبية في بروكسيل نظمت طاولة مستديرة حول الموضوع.
وبالطبع، إن ظاهرة الخوف من الإسلام وكرهه ليست مقتصرة على فرنسا وإنما هي شائعة في شتى أنحاء أوروبا. ولكنها تتخذ في فرنسا نكهة خاصة بسبب أن فرنسا تضم أكبر جالية إسلامية في أوروبا (من 5 إلى 6 ملايين شخص بين متجنس وغير متجنس)، ثم بسبب العلاقات الصراعية التاريخية بين فرنسا وبلدان المغرب العربي، وبخاصة قصة الجزائر التي لا يزال اليمين المتطرف الفرنسي يحنّ إليها ويدعوها بالجزائر الفرنسية!
وقد حصلت عدة اعتداءات على مساجد المسلمين بعد 11 سبتمبر. ولكن لا أحد يتحدث عنها. الجميع مشغولون بالتحدث عن معاداة السامية وبعض الاعتداءات التي حصلت على هذا الكنيس اليهودي أو ذاك. أما عندما يتعلق الأمر بالاعتداء على المسلمين فلا أحد ينتبه للأمر. يقول الباحث فانسان جيسير: «بعد 11 سبتمبر تمّ فصل الكثير من المسلمين من وظائفهم بسبب الاشتباه بهم وبولائهم لفرنسا. ولأول مرة أصبح الانتماء الديني معيارا للتوظيف أو عدم التوظيف وبخاصة في كل ما يتعلق بالأمن والحراسة في المطارات، ومحطات القطار، وسوى ذلك».
فمعلوم أن فرنسا دولة علمانية، ولم تكن تحاسب الناس على أديانهم في السابق. أما الآن فقد أصبحت تنتبه إلى هذه النقطة خوفا من تعاطف المسلمين مع أولئك الذين فجروا مركز التجارة العالمي في نيويورك. ولذلك أصبح المسلمون الملتزمون بالشعائر والطقوس الدينية على لائحة الاتهام. فالذين يؤدون الصلوات الخمس يوميا أو يصومون رمضان بالكامل أصبحوا يخيفون الفرنسيين أكثر من ذي قبل.
ولذلك استبعد الموظفون المسلمون من مطار باريس، ووزارة التجهيزات والشركات الكائنة في برج «الديفنس» الراقي الواقع غرب باريس وغير البعيد عن منطقة الشانزيلزيه. أصبح الفرنسيون يقولون بينهم وبين أنفسهم: وماذا لو فعلوها عندنا مثلما فعلوها في مركز التجارة العالمي في نيويورك؟!
وهكذا ذهب الكثيرون ضحية الجرائم التي ارتكبها آخرون في بلاد أخرى. وراح البريء بجريرة المذنب. وأكبر دليل على ذلك ما حصل لعبد الرزاق الصغير الذي كان يشتغل في مطار رواسي ـ شارل ديغول في القسم المسؤول عن حقائب المسافرين.
فقد اتهموه بأنه ضالع في مؤامرة لتفجير المطار وسجنوه. وقالوا بأنه متديّن جدا ويمارس الطقوس والشعائر. ثم فتح تحقيق عن قصته بعدئذ فتبيّن العكس تماما. فالرجل لا يتردد على مساجد باريس ولا يمارس الطقوس الدينية على الإطلاق ولا يصلي الصلوات الخمس كما زعموا، بل انه كمعظم المسلمين في فرنسا يعيش حياته بكل حرية. وعندئذ أخرجوه من السجن واكتشفوا أن أحد الكارهين له لأسباب شخصية وعائلية هو الذي حاول الإيقاع به عن طريق الوشاية. ولحسن الحظ فإنه يوجد قضاء مستقل وحر في فرنسا ولولا ذلك لظل الرجل في عتمات السجن حتى الآن. ومن المؤسف له أن جريدة «لوباريزيان» أي الباريسي، الحاقدة على الإسلام والمسلمين لعبت دورا سيئا في التحريض على هذا المسكين البريء.
ثم جاءت قصة الحجاب وأقامتها فرنسا ولم تقعدها حتى الآن. نقول ذلك على الرغم من أن عدد الفتيات اللواتي يلبسن الحجاب في فرنسا لا يتجاوز الثلاثمائة في فرنسا كلها. ولكن وسائل الإعلام من إذاعة وتلفزيون وجرائد ركزت عليهن فقط ونسيت أن عدد الجالية الإسلامية يناهز الستة ملايين نسمة! فما معنى ثلاثمائة حالة بالقياس إلى ستة ملايين؟
ثم يردف الباحث قائلا: وفي معظم الحالات فإن الفتيات المسلمات يقبلن بالحوار مع مدير المدرسة أو مع الأساتذة ويفضلن نزع الحجاب في الصف على فقدان سنة تعليم واحدة. فقط يبقى بضع عشرات ممن أصررن على موقفهن... وبالتالي فالمسألة ليست ضخمة إلى هذا الحد ولا تستأهل كل هذه الضجة والتعبئة الإعلامية. نقول ذلك وبخاصة أن الحجاب ليس ممنوعا إلا داخل الصف، ولكنه مسموح في أي مكان خارجه. وبالتالي فالمسألة ليست مستعصية إلى الحد الذي صوروه لنا. نقول ذلك وبخاصة أن الأغلبية العظمى من الفتيات المسلمات في فرنسا لا يلبسن الحجاب أبدا. وهن حريصات على مواصلة الدراسة للوصول إلى أعلى المناصب والتوصل الى وظيفة محترمة والخروج من حالة التهميش والفقر التي تعيشها شرائح واسعة من الجالية هنا.
ويرى المؤلف أن الخصومة التاريخية بين فرنسا والإسلام تعود إلى مرحلة الحروب الصليبية والجهاد الإسلامي العثماني. ولكن نزعة كره الإسلام المنتشرة حاليا لا تعود إلى تلك الفترة التاريخية القديمة فقط، وإنما لها جذور حديثة العهد، بل وعلمانية.
فالواقع أن الفيلسوف ارنست رنان Ernest RENAN هو الذي أسس احتقار الثقافة العربية الإسلامية في العصور الحديثة. وكان ذلك على أساس فلسفي ـ علماني، وليس على أساس ديني كما كان يحصل في العصور الوسطى (مسيحية ضد الإسلام). ومعلوم أنه ألقى محاضرة شهيرة بعنوان «الإسلام والعلم» في جامعة السوربون بتاريخ 29 مارس 1883. وقال فيها بما معناه: «كل شخص مطلع على شؤون عصرنا يلحظ بوضوح مدى تخلف البلدان الإسلامية، أو مدى انحطاط الدول المحكومة من قبل الإسلام، وكذلك مدى الانهيار الثقافي للأعراق البشرية التي تستمد ثقافتها وتربيتها من هذا الدين فقط».
هذا الحكم الجائر الذي أطلقه رنيان برر في ما بعد الحملات الاستعمارية على بلدان المغرب وسواها. وقال المستعمرون بأنهم جاءوا لتحضير الشعوب المتخلفة والهمجية. بل ووصل الأمر إلى حد القول بأن الشعوب السامية، ومن بينها العرب، لا تستطيع أن تستوعب العلم والفلسفة. ثم اعتبر مساهمة العرب في الفكر الفلسفي أثناء العصور السابقة بمثابة ترجمة فقط للفلسفة اليونانية ثم نقل لها إلى أوروبا.
وبالتالي فالعرب بحسب رأيه، لم يضيفوا أي شيء إلى فلسفة اليونان، وهم عاجزون أصلا عن أي إضافة لأن عرقهم متدن لا يمكن ان يبدع في الفلسفة ولا يرقى بالتالي إلى مستوى العرق الأوروبي الراقي المتحضر. وهذا التفسير العنصري للتفوق الحضاري الأوروبي ظل مسيطرا طيلة القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين. وبعدئذ جاء علم خصائص الشعوب «الانتربيولوجيا» (الإناسة) المعاصر لكي يدحضه ويفنّده فلا يوجد عرق بشري أفضل من عرق بشري آخر، وإنما هناك ظروف تاريخية تجعل هذا الشعب أرقى من ذاك.
يقسم المؤلف كتابه إلى أربعة فصول أساسية. الأول يتحدث عن دور وسائل الإعلام والصحفيين والمثقفين الفرنسيين في نشر الخوف من الإسلام وكرهه. وهنا يقيم صلة وصل بين كره الإسلام أثناء العصر الاستعماري، وبين الموضة الجديدة لكره الإسلام. فهناك نقاط تشابه ونقاط اختلاف.
وأما الثاني فيتحدث عن دور خبراء الأمن والاستراتيجية في تضخيم الخوف من الإسلام بعد 11 سبتمبر. وقد زادت أهمية هؤلاء الخبراء في شؤون الأمن والمخابرات في الآونة الأخيرة وأصبحوا يظهرون على شاشة التلفزيون أكثر فأكثر. ويتحدث الفصل الثالث من الكتاب عن موقف بعض قادة الطائفة اليهودية في فرنسا من الإسلام والمسلمين. وهو موقف سلبي جدا ولكنه لا ينطبق على جميع المثقفين اليهود. أما الفصل الرابع والأخير من الكتاب فمكرس للتحدث عن بعض الأوساط الإسلامية المدعوة «معتدلة». هذه هي الهيكلية العامة للكتاب، فلنحاول الآن أن ندخل في التفاصيل.
مسؤولية الإعلام الفرنسي
منذ البداية يطرح المؤلف هذا السؤال: ما هي مسؤولية وسائل الإعلام عن نشر الخوف من الإسلام في وسط المجتمع الفرنسي؟
وجوابه على النحو التالي: منذ المنعطف التاريخي للثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، ثم بالأخص منذ أول مشكلة للحجاب عام 1989، انتشرت الكليشيهات السلبية عن الإسلام والمسلمين بسرعة في جميع أوساط المجتمع. وراحت الجرائد والمجلات الكبرى تخصص عناوينها وغلافاتها لهذا الحدث. فمثلا المجلة الأسبوعية «لو فيغارو ماغازين» Le Figaro Magazine خصصت عددا بعنوان: فرنسا المحجّبة بتاريخ 26 أكتوبر 1985. وأما مجلة «النوفيل أوبسرفاتور» Nouvel Observateur فقد خصصت عددها الصادر بتاريخ 5 أكتوبر 1989 للعنوان التالي: الفتاة المحجبة بالتشادور (على الطريقة الإيرانية).
وبما أن المجلة الأخيرة تعبر عن تيار اليسار ذي النزعة الإنسانية فإن ذلك يعني أن هذا التيار انضم إلى تيار الفيغارو اليميني في الخوف أو التخويف من الإسلام. ولكن مجلة «لوبوان» Le Point الأسبوعية تجاوزت غيرها في التحذير من الإسلام بسبب انضمام رئيس تحريرها كلود أمبير إلى الجوقة المعادية. والواقع أن الأحداث تلاحقت وراء بعضها بعضا وجعلت من الإسلام موضوع الساعة. فبعد الصدمة الإيرانية المؤلمة، جاءت مجازر الأصولية الجزائرية المرعبة في التسعينات واغتيال المثقفين، ثم زادت الطين بلّة تفجيرات 11 سبتمبر. وهكذا اكتمل الكابوس، ولم يعد الصحفيون يرون في الإسلام إلا دين العنف والقتل والإرهاب.
ونسوا أنه دين كبير يغذي بالروحانيات والآمال والأخلاق الحميدة مليارا ونصف المليار من البشر. فالإسلام لا يمكن اختزاله إلى بن لادن ولا إلى آيات الله المحافظين ولا إلى الجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية، ولا إلى أي حزب سياسي آخر...
ولكن كارهي الإسلام قديما وحديثا انتهزوا الفرصة لتشويه صورة الإسلام والمسلمين أكثر فأكثر. وراحوا يعتبرون أن الإسلام يشكل خطرا محتملا على فرنسا، وهو خطر قد ينفجر في أي لحظة.
وقد عبّر عن ذلك كلود أمبير أكثر من مرّة في افتتاحياته الصحفية. يقول مثلا في افتتاحيته لعدد 27 سبتمبر 2002: «إن الأصولية هي مرض الإسلام ولا تزدهر إلا فيه. وبالتالي فلا يمكن الفصل بينهما. لا يمكن القول بأن الأصولية، أي التطرف والغلوّ في الدين شيء، والإسلام شيء آخر. هذا مستحيل. فالأصولية المتعصبة ليست إلا القانون القرآني الذي يدعو إلى الحرب والتعبئة ضد الآخرين. ويكفي أن نستمع إلى عبد الصمد الموسوي لكي ندرك كيف انتقل أخوه زكريا الموسوي الذي يحاكم الآن في أمريكا من الإسلام المعتدل إلى إسلام «القاعدة» الحربي المتطرف..» انتهى كلام كلود أمبير الذي يسيطر على إحدى أهم المجلات الأسبوعية الفرنسية بالإضافة إلى «الاكسبريس»، و«النوفيل أوبسرفاتور»، و«ماريان»، و«لوفيغارو ماغازين»، إلخ. ويعلق المؤلف فانسان جيسير على مثل هذا الكلام المضلل بقوله: هكذا نلاحظ الخلط المستمر لدى الصحفيين بين الإسلام المعتدل والمتسامح، وبين الحركات الأصولية المعاصرة التي انخرطت في خط التطرف والعنف. وارهاب المدنيين بشكل عشوائي وهمجي لا يمكن لأي قضية ان تبرره.
وبالتالي فلم تعد الصحافة تقوم بمهمتها على ما ينبغي: أي تعريف الجمهور الفرنسي بحقائق الإسلام. وإنما راحت تنشر صورة مشوهة عن الإسلام من خلال أعمال العنف التي تقوم بها إحدى جماعاته. وعلى هذا النحو حصل الربط الميكانيكي والمباشر بين الإسلام والإرهاب. ولم يعد الناس يستطيعون الفصل بينهما.
ونسي هؤلاء أن الإسلام دين كبير، ذو تاريخ طويل عريض، وتراث روحاني وفلسفي وإنساني عظيم... كل هذا نسوه ولم يعودوا يركزون إلا على الصورة المرعبة لبعض الحركات المنحرفة عن أغلبية المسلمين والخط الوسطي المتسامح. فهل حقا أن كل المسلمين من أتباع الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر؟ وهل حقا أنهم يؤيدون الاغتيالات والتفجيرات التي تحصل في الأماكن العامة، والحافلات، والمخازن وتصيب الناس الأبرياء؟ وهل حقا انهم كلهم يمشون صفا واحدا وراء بن لادن والظواهري والزرقاوي؟
ثم يتوقف الباحث بعدئذ عند قضيتين أساسيتين: الأولى تخص تصريحات الروائي ميشيل ديلبيك، والثانية تتعلق بصدور كتاب شديد العداء للإسلام والعرب والمسلمين للصحفية الإيطالية أوريانا فالاشي. فالكاتب يواصل حملته المسعورة ضد الإسلام في مقابلة أدلى بها لجريدة محلية ولم ينتبه إليها أحد. يقول فيها: إنه لشيء مرعب. لقد ابتدؤوا يقولون في بعض الصحف ما كنت أكرره منذ زمن طويل وهو: أنه لا فرق بين الأصولية المتعصبة والإسلام. فالأصولية المتزمتة ليست انحرافا عن إسلام القرآن، وإنما هي تفسير مشروع له.والشيء العجيب الغريب هو أن أغلبية الكتاب في الصحافة الفرنسية يستمرون في القول بأن رسالة الإسلام في العمق هي رسالة تسامح ومحبة، وإنها تمنع القتل والاغتيالات والتفجيرات، وإنها تحترم المؤمنين بالأديان الأخرى غير الإسلام.
كل هذا كذب وإشاعات ليس لها أساس من الصحة.
أما الصحفية الإيطالية أوريانا فالاشي فقد أصدرت كتابها «الغضب الساطع والزهوّ» غداة أحداث 11 سبتمبر، وصفّت حساباتها مع العرب والمسلمين والعالم الثالث دفعة واحدة. وقد لقي الكتاب رواجا هائلا في المكتبات وبيع بملايين النسخ! فتخيلوا مدى الضرر الناتج عنه! وهل يمكن أن يقدم للجمهور الإيطالي والفرنسي والأوروبي إلا صورة مشوّهة عن الإسلام!
تقول هذه الصحفية الإيطالية ما يلي:
المشكلة العظمى هي أن المشكلة لن تنحلّ بموت أسامة بن لادن. وذلك لأنه يوجد ملايين من أسامة بن لادن ليس فقط في العالم العربي أو الإسلامي، وإنما عندنا أيضا، هنا في الجاليات الإسلامية التي تعيش بين ظهرانينا في أوروبا. بل ان الأكثر عنفا وتجربة وحنكة ومعرفة ببلداننا وأحوالنا هم أولئك الذين يعيشون عندنا وعلى أرضنا.
فالحملة الصليبية المعكوسة على أوروبا لا تزال مستمرة منذ زمن طويل. ويغذيها ويزيد من خطرها ضعف الغرب، وخجل الغرب، وعمى الغرب الذي لا يريد ان يرى الخطر الماحق الذي يتربص به.
فجنود الإسلام وصليبيّوه أصبحوا يمتلكون المواقع الراسخة والوظائف الحساسة داخل بلدان أوروبا. إنهم يشبهون أسلافهم القدامى الذين سيطروا على إسبانيا والبرتغال بين القرنين الحادي عشر والخامس عشر.
وهم يتكاثرون أكثر فأكثر على أرضنا. وبالتالي فالحوار معهم مستحيل ومعاملتهم بالتسامح أو التساهل أو الأمل هي عبارة عن انتحار لا أكثر ولا أقل. ومن يعتقد ذلك فهو حمار!.
ثم تقول هذه الصحفية الهائجة بأن جوهر الإسلام أو لباب رسالته هو الإرهاب والقتل.
كيف استقبل مثقفو فرنسا وصحفيوها كتاب أوريانا فالاشي هذا؟
باستثناء الفيلسوف المتعصب والمتصهين «ألان فنكيلكورت» فإن معظمهم أدانه ورفضه واعتبره سوقيا ومتحاملا. فمثلا هاجمه الفيلسوف اليهودي المستنير برنار هنري ليفي وقال بأنه مضاد للعرب بشكل غير مقبول على الإطلاق. بل وشبّه معاداته العنصرية للعرب، بمعاداة اليمين الفاشي لليهود أو للسامية في أوروبا سواء بسواء.
وهاجم المفكر اليهودي المستنير أيضا جان دانييل الكتاب في افتتاحياته الصحفية الشهيرة في مجلة النوفيل أوبسرفاتور التي يترأسها. وكذلك فعل العديد من الكتاب والصحفيين المسؤولين في فرنسا.
وهاجمت الكتاب الصحفية المشهورة والوزيرة اليهودية الراحلة، فرانسواز جيرو وقالت بما معناه: إن كتاب فالاشي مليء بالحقد والاحتقار للآخرين».
ونلاحظ أن المؤلف فانسان جيسير يفرق بين العلماء والباحثين المختصين بالدراسات العربية والإسلامية من جهة، وبين جمهرة الصحفيين والكتاب الفرنسيين الذين لا يعرفون الإسلام معرفة معمقة من جهة أخرى. في الخانة الأولى يضع: برينو إيتيان، كلود روا، جيل كيبيل، محمد أركون، مكسيم رودنسون، برنارد لويس، جوسلين سيزاري، إلخ.
وفي الخانة الثانية يضع معظم الصحفيين والكتاب الآخرين الذين تخصصوا في الكتابة عن الاسلام بعد 11 سبتمبر من دون ان يعرفوا عنه شيئا يذكر.. وهو يعيب على الثانين عدم اهتمامهم بالبحوث الجادة التي يكتبها العلماء المختصون الذين يعرفون عما يتحدثون عندما يتكلمون عن الإسلام وتراثه.
ثم هناك فئة ثالثة تخص هؤلاء الخبراء بالشؤون الأمنية والاستراتيجية والذين يظهرون كثيرا على شاشات التلفزيون الفرنسي. ويذكر في طليعتهم: أنطوان صفير رئيس تحرير مجلة بعنوان: «دفاتر المشرق»، ثم أنطوان بصبوص مدير مرصد البلدان العربية في باريس، ثم فريديريك انسيل المختص بالشؤون الجيو ـ سياسية والأستاذ في إحدى الجامعات الفرنسية. وهؤلاء لا يعادون الإسلام بطريقة مبتذلة وفجة كما رأينا سابقا. بل إن تحليلاتهم تبدو موضوعية ومتوازنة وبعيدة عن التعصب الأعمى ضد كل ما هو إسلام أو مسلم. ولكنهم يخلطون أحيانا بين البحث العلمي وتقارير أجهزة المخابرات! أو يذكروننا بما قاله ادوارد سعيد عن المستشرق الكلاسيكي في القرن التاسع عشر. فقد كان المستشرق هو «عين» الحاكم الاستعماري وهو الذي يقدم له التقارير العلمية عن المناطق المفتوحة لكي يعرف كيف يتعامل مع سكانها. وهؤلاء يفعلون شيئا مشابها حاليا.
ثم يتوقف الباحث عند اليمين اليهودي المؤيد بشكل مطلق لإسرائيل مفرقا بذلك بين نوعين من المثقفين اليهود: نوع نقدي تجاه حكومة إسرائيل كجان دانييل مثلا، ونوع متعصب لها كآلان فنكيلكورت، وبيير أندريه تاغيين، وصموئيل تريفانو، وأليكسندر آدلير، وآخرين. وهؤلاء عرفوا كيف يستغلون 11 سبتمبر للتشنيع بالعرب والإسلام وللدفاع عن إسرائيل. فتفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك كان أكبر هدية يمكن أن تقدم لهم وللجنرال شارون شخصيا. وبالتالي فالحليف الموضوعي الأول لشارون وليبرمان وعتاة اليمين المتطرف الصهيوني هو بن لادن وأشكاله. وما كان هؤلاء يحلمون بهدية تقدم لهم على طبق من ذهب أفضل من وجود بن لادن والقاعدة. لقد حققت لهم كل أمانيهم من دون ان يكلفوا نفسهم أي جهد او عمل..
وفي الختام يقول المؤلف بأنه أراد تعرية آليّات وأشكال كره الإسلام والمسلمين في فرنسا. وهو يرى أن الخوف من الإسلام قديم، ولكنه يتخذ الآن أشكالا جديدة بسبب التفجيرات الأخيرة.
ثم يعيب على قادة الرأي العام من رؤساء تحرير، وفلاسفة، وكتاب، وصحفيين، وأكاديميين جامعيين عدم التفريق بين الإسلام المعاش (أي الحقيقي) والإسلام الخيالي الذي يتلخص في بعض الكليشيهات والأحكام المسبقة التي تعمّر رؤوس الغربيين عن دين محمد. ثم يقول بأن الإرهاب حقيقة واقعة، والتيار المتزمت أو المتطرف موجود في الإسلام كما هو موجود في غيره من الديانات. وبالتالي فلا بد من مواجهته. ولكن لا ينبغي بأي شكل الخلط بينه وبين تيار الأغلبية المسالم والمتعقل وإلا فإننا نلعب لعبة المتطرفين ونحقق لهم أهدافهم.
ويقول بأنهم سألوا محمد علي كلاي بطل المصارعة في أمريكا بعد 11 سبتمبر: كيف تشعر الآن وأنت تشارك الارهابيين الذين هاجمونا نفس العقيدة الدينية؟ هل أنت راض عن نفسك وإسلامك؟ فأجابهم: وأنتم كيف تشعرون وأنتم تشاركون هتلر نفس العقيدة والدين (أي المسيحية)؟ وهكذا ردّ عليهم بالصاع صاعين وأفحمهم وأفهمهم أنه لا ينبغي الخلط بين أقلية متعصبة وجاهلة، وأكثرية مؤمنة ومتسامحة. وهذه هي الكلمة الأخيرة من الكتاب.
سيرة ذاتية
> مؤلف هذا الكتاب هو الباحث الفرنسي فانسان جيسير، وهو عضو في مركز للبحوث يدعى: معهد البحوث والدراسات المتعلقة بالعالم العربي والإسلامي. كما أنه يدرس في معهد الدراسات السياسية الموجود في مدينة إيكس ـ آن ـ برونفينس بجنوب فرنسا (قرب مرسيليا).
وكان قد نشر سابقا عدة كتب عن موقف فرنسا من الجاليات المغاربية أو العربية والإسلامية المقيمة على أراضيها. نذكر من بينها: «العرقية الجمهورية» (1997)، «الخريجون المغاربة من هنا وهناك» (2000)، «أعراض المرض الديكتارتوي، السياسة في تونس من بورقيبة إلى بن علي» (2003). ولكن البعض يتهم المؤلف بالتواطؤ مع التيار المحافظ في العالم العربي لانه ينتقد بن علي ولايقول كلمة واحدة عن أعدائه الاصوليين الذين كادوا ان يدمروا تونس مثلما فعلوا بالجزائر والذي يعود الفضل لبن علي في انقاذها من براثنهم.. وبالتالي فالرجل يدافع اكثر من اللزوم عن التيار الاصولي بتركيزه على موضة الخوف منه. أو قل انه لا يأخذ بعين الاعتبار بما فيه الكفاية لذلك العدد الكبير من المسلمين الذين يتعاطفون مع تيار القاعدة وبن لادن. انه يحاول التخفيف من أهميتهم الى أقصى حد ممكن من اجل ان يستطيع مهاجمة أعدائهم في الساحة الفرنسية. فمن قال له بأنهم أقلية قليلة لا أهمية لها؟ ليذهب الى المنطقة وليستجوب الشارع العربي او الباكستاني او الإسلامي عموما ثم ليتحدث لنا بعدئذ عن عدم خطورة الأصولية والأصوليين.. لتوضيح كل هذه الاشكالية المركزية التي تشغل الرأي العام الفرنسي بل والغربي كله ينبغي ان نعطيه حق الكلام للدفاع عن وجهة نظره مثلما نعطيها للآخرين سواء بسواء. فعن طريق المناقشة الخلافية والديموقراطية الحرة تتو ضح الأشياء وليس عن طريق فرض رأي واحد بشكل مسبق.