خطبة الجمعة .. فضائل عرفة والعيد .. للإمام الشيخ : عبدالله المؤدب البدروشي .. الخطيب بالجامع الكبير .. شنني قابس
الحمد لله الذي شرع شرائع الإسلام ..وخص يوم عرفة بمزيد الإفضال والإنعام على سائر الأيام..أشهد أن لا إله إلا الله..وحده لا شريك له.. اختار من الزمان مواسم للخيرات..وحثنا فيها على مزيد العبادة و الطاعات ..
واشهد أن سيدنا و حبيب قلوبنا محمدا عبده و رسوله.. جاء بالبينات .. ودلنا على تعرض النفحات..اللهم صل عليه وعلى آله الأئمة الهداة..وعلى أصحابه الأجلة الأثبات.. وعلى التابعين و من تبعهم بالإحسان و فعل الخيرات ..
أما بعد ..... أخوة الإيمان و العقيدة
منذ أيام ..حلت بزماننا.. الأيام العشرة الأولى من شهر ذي الحجة..وهي الأيام العشرة المباركة..وهي أفضل أيام العام..أورد الإمام البخاري في صحيحه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم..ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل..من هذه الأيام..يعني أيام العشر.. قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله..؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله ..إلا رجل خرج بنفسه وماله و لم يرجع بشيء.. أيام مباركات.. شرفها الله و أعزها..ودل عليها أفضل خلقه من الأنبياء و الرسل..فعاشوا في رحابها..هداة مهتدين .. أتم فيها نبي الله إبراهيم عليه السلام..بناء الكعبة المشرفة..أول بيت وضع للناس.. إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ[آل عمران 96] ومنه أطلق إبراهيم عليه السلام ..بأمر من الله ..أول أذان بالحج..وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [الحج : 27] و أبلغ الله ذلك الآذان إلى جميع أنحاء الأرض.. وأسمعه لمن في الأصلاب و الأرحام.. فأجابه كل شيءٍ سمعه من حجر ومدر وشجر ، ومن كتب الله له الحج إلى يوم القيامة..
من هذه الأيام العشرة المباركة .. يوم عرفة .. يوم التاسع من ذي الحجة.. وهو يوم عظيم ..عظَّمه الله، ورفع قدره.. جمع الله فيه آدم بذريته.. من زمانه إلى يوم القيامة.. وأخذ منهم ميثاق الربوبية و التوحيد.. أورد الإمام أحمد بسند صحيح..أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- قَالَ .. أَخَذَ اللَّهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بِنَعْمَانَ - يَعْنِى عَرَفَةَ - فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا.. فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذرِّ ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قِبَلاً قَالَ [ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ.. قَالُوا بَلَى.. شَهِدْنَا.. أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ.. أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ.. أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ]..{ الأعراف 172 }..وقف آدم بعرفة.. و ضمت الأرجاء العطرة.. أنبياء الله من زمن إبراهيم عليه السلام .. إلى حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم..
يوم عرفة .. يوم أكمل الله فيه هذا الدين..وأتم نعمته على المؤمنين..ففي حجة الوداع..ورسول الله صلى الله عليه وسلم..وصحابته الأبرار على صعيد عرفة..و اليوم يوم جمعة ..نزل أمين وحي السماء جبريل عليه السلام بقول الله تبارك و تعالى .. الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة : 3]..فتشرفت أرجاء عرفة بالإعلان الرباني عن إكمال دين الإسلام..وإتمام النعمة على هذه الأمة.. وموقف عرفة هو أعظم أركان الحج..ولا حج لمن لا يقف بعرفة.. أورد أصحاب السنن ..قول رسول الله صلى الله عليه وسلم..الْحَجُّ عَرَفَةُ.. فمَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ.. وهو يوم مشهود .. يتجلى فيه رب العزة جل جلاله ..على حجاج بيته العتيق..وقد وقفوا على صعيد عرفة..في تضرع و ابتهال .. في يوم تسيل فيه الدموع .. وتبرز فيه التوبة و الخضوع ..وتعمّ فيه الإنابة و الرجوع.. وتفيض فيه الخشية و الخشوع .. جاء في شعب الإيمان ..يقول الله لملائكته ..عشية عرفة ..انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي.. شُعْثًا غُبْرًا.. ضَاجِّينَ .. مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَمَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ عَتِيقًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ "..يغفر الله فيه ذنوب الحجاج .. ويغفر كذلك ذنوب الصائمين من عباده المؤمنين.. أورد الإمام مسلم في صحيحه ..قول حبيبنا صلى الله عليه وسلم.. صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ.. وأن للصائم دعوة مستجابة ..وفي موطأ الإمام مالك رضي الله عنه..أَفْضَلُ الدُّعَاءِ.. دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ .. يوم ينتكس الشيطان.. لما يرى من مغفرة الله.. لذنوب الحجاج و الصائمين .. أورد الإمام مالك في الموطأ..قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.. مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلاَ أَدْحَرُ وَلاَ أَحْقَرُ وَلاَ أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنِ الذُنُوبِ الْعِظَامِ .. فأدعوكم و نفسي لصيام هذا اليوم العظيم .. يوم عرفة .. لما فيه من أجور عظيمة..و فوائد عميمة.. و أدعوكم ونفسي.. لمزيد فعل الخير ..و أعمال البر..في هذه الأيام الفاضلة..الأيام العشر من ذي الحجة..العمل فيها أفضل العمل..والصدقة فيها أفضل الصدقة و فرحة الفقير فيها غنم عظيم..لأن فقراء المسلمين ..في أمس الحاجة .. لشراء الأضحية.. ولإحلال الفرحة بين الأبناء.. لتعيش الأمة الواحدة فرحة العيد .. وبهجة أيامه السعيدة.. قال تبارك و تعالى وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ.. وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ.. وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ [البقرة : 272]..يقول حبيبنا صلى الله عليه وسلم .. وحديثه في الجامع الكبير.. من فرج عن أخيه كربة.. فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ..ومن ستر على أخيه المسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة .. والله في حاجة العبد ما كان العبد في حاجة أخيه .. فهذه أيام المنافسة على الخيرات.. وجمع الحسنات .. و رفع الدرجات.. يتوجها اليوم العاشر.. يوم عيد الأضحى.. بما يحمل من فضائل و نفحات.. جاء في سنن أبي داود.. عن نَافِع عَنِ ابْنِ عُمَرَ.. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَفَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ فَقَالَ « أَيُّ يَوْمٍ هَذَا ». قَالُوا يَوْمُ النَّحْرِ. قَالَ « هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ».. وهو أفضل أيام العام.. لقوله صلى الله عليه وسلم..وحديثه من صحيح ابن خزيمة.. إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ.. لهذا اليوم العظيم ..آداب.. لزم على المسلم أن يتبعها..ليبلغ بها رضوان الله..و رحمته و مغفرته.. من هذه الآداب -1}..إحياء ليلة العيد.. بالصلاة والذكر وتلاوة القرآن..لقوله صلى الله عليه وسلم من أحيا ليلة الفطر وليلة الأضحى لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.. رواه الطبرانى ..-2}الاغتسال والسواك والتطيب والتزين ولبس أحسن الثياب وأجملها..-3} تعجيل صلاة عيد الأضحى..لقوله صلى الله عليه وسلم..وحديثه عن الامام البيهقي عجِّل الْأَضْحَى ، وأخِّر الْفطر.. قَالَ الإمام مَالِكٌ : يُعَجِّلُ الْإِمَامُ الْخُرُوجَ فِي الْأَضْحَى وَيُخَفِّفُ مَا لَا يُخَفِّفُ فِي الْفِطْرِ..- 4} عدم تناول الطعام قبل أداء صلاة الأضحى..جاء في سنن ابن ماجة.. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم..كان لا يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ ، وَلا يَطْعَمُ يَوْمَ الأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ.. -5} التكبير بعد الصلوات الخمس.. وبعد بعديها إن حصل.. بصيغة { الله أكبر ..الله أكبر.. الله أكبر } قال الإمام ابْنُ عَرَفَةَ : يُسْتَحَبُّ تَكْبِيرُ كُلِّ مُصَلٍّ إثْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ فَرِيضَةً مِنْ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ إلى صبح اليوم الرابع ..قَالَ مَالِكٌ : وَيُكَبِّرُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالْعَبِيدُ وَالصِّبْيَانُ وَأَهْلُ الْبَادِيَةِ وَالْمُسَافِرُونَ وَكُلُّ مُسْلِمٍ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ ، أَوْ وَحْدَهُ .. وَتُسْمِعُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا التَّكْبِيرَ.. كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ ، أَوْ فِي بَيْتِهَا..ويا لعظمة الصلاة..في ديننا العظيم..إن أخرجها المسلم عن وقتها.. لا يكبر التكبيرات بعدها..لأن الله جل جلاله قال .. إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء : 103].. فمن ضيع وقتها .. حرم من التكبير بعدها ..ولا يكبر كذلك عقب النوافل..وإن نسي التكبير.. قال الإمام مالك.. يُكَبِّرُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ فَإِذَا قَامَ مِنْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ..
وقد حرص ديننا القيم ..على بر الولدين و صلة الرحم في كل وقت .. و يتأكد ذلك في هذه الأيام الفاضلة..فأولى الناس بإشاعة الفرحة..هم ذوو الأرحام..من والدين و إخوة و أقارب..ويعم ذلك بين كل المسلمين.. لتجتمع الأمة بأكملها على طاعة الله..
اللهم اجمعنا على طاعتك..واهدنا لذكرك و شكرك و حسن عبادتك..اللهم اهدنا بنورك إليك..وارزقنا الإعتماد و التوكل عليك.. واجعلنا من عبادك الطائعين..وهب لنا إنابة المخلصين.. وأعمال الصالحين..ويقين الصادقين..
أقول قولي هذا ..وأستغفر الله العظيم الكريم لي و لكم \