الثقافة حدودها وأبعادها . من قلم غالب الغول
أشكر أخي وابن نكبتي الأستاذ ناجي ( جريح فلسطين ) الذي نبهنا جميعاً إلى ضرورة كتابة موضوع يخص الثقافة والمثقف , وبخاصة عندما فاجأ الفرسان بما كتبه على شريط الإهداء قائلاً : ((كل عام وانتم بخير ورواد الثقافة العربية الحقيقية ))
إن كلمة رواد الثقافة العربية الحقيقية , بالرغم من أنني لا أعرف أبعاد قصده حول كلمة ( الثقافة الحقيقية ) وكأنه نبهنا ــ مشكوراــ على أن للثقافة وجهين , وجه يتبناه رواد العرب الحقيقيون , ووجه آخر يتبناه , عرب ليس لديهم ثقافة حقيقية ) ومثل هذه العبارة , دفعت فضولي لأكتب عن الثقافة بشكل مختصر , ليكمل باقي الموضوع الأستاذ سعد حيدر .
وبكل اختصار أقول :
بأن الثقافة لا حدود لها ولا أبعاد زمنية لها , لأنها تبدأ مع بداية إدراك الإنسان لنفسه حول مجتمعه , وليست مقرونة بحدود ما يتعلمه الفرد في المدرسة أو الجامعة , فكم من أميّ تفوق على جامعي بمقدور إبداعي فكري وعملي , لأن الثقافة تبدأ بالفكر ولا تنتهي بفصل دراسي معين , واتساعها لا حدود له , ورجالها كلهم مثقفون , مسيحيون ويهود ومؤمنون ورواد فضاء ورعاة أغنام وغيرهم , كل من هؤلاء يدلو بدلوه بما يعرفه من مبادئ الحياة التي تحيط به , فثقافة راعي الأغنام , فهو يعلم بطبيعة الحيوانات وما تحتاجه من مأكل ومشرب وتكاثر وبيئة مناسبة مع مواظبة الاعتناء بها , يعلم هذا أكثر من رائد الفضاء , وبهذا نستطيع تعريف المثقف بهذه الكلمات البسيطة :
كل من تمسك بما يحيط به من معارف ( وثقفها وهذبها ) شفوياً أو كتابياً , فهو مثقف ,
ولذا فلا ينبغي القول l المثقف الحقيقي) فلا يوجد مثقف حقيقي ومثقف غير حقيقي , بل يمكن القول ( المثقف القوي خير من المثقف الضعيف ) لأنهم جميعاً مثقفون . , مقارنة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (( المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف ... ) لإنهم جميعاً مؤمنون ,
ودعونا نتابع ما تم نقله عن الأستاذ سعد حيدر حول هذا الموضوع : فقال :
تعد كلمة مثقف بمعناها الاصطلاحي الحالي من التعابير الحديثة التي دخلت لغتنا العربية ,فهذه الكلمة لم تكن مألوفة عند العرب القدامى وعبر أزمنتهم المختلفة من جاهلية وإسلامية وكذلك لم تكن متداولة في العصرين العباسي والأموي فلم نجد في كتابات الأولين ما يشير إلى استخدام هذه الكلمة بمعناها المقصود حاليا بل كانوا يستخدمون كلمات بديلة تقترب حينا وتبتعد أحيانا من المعنى المراد بهذه الكلمة بالضبط اما من الناحية اللغوية فلأهل اللغة والنحو شانهم بكلمة (مثقف) واشتقاقاتها وأصولها والتي تبتعد عن المعنى الاصطلاحي المعروف حاليا فهم يشتقون هذه الكلمة من( ثقف الرمح ) أي شذبه وصقله وجعله حسنا معتدلا مستقيما في منظره .ما يهمنا في الموضوع هو المعنى الاصطلاحي الذي صار شائعا فيقال هذا مثقف وهذه مثقفة وتلك وزارة ثقافة إذن ما هي الثقافة ؟؟ ومن هو المثقف ؟؟ وما هي المعايير التي بموجبها نقول هذا مثقف وهذه مثقفة ؟؟ هل ان الثقافة تشمل الشعر والقصة والمسرح والرواية وبقية الفنون كما هو الأمر الذي تخصصت به وزارة الثقافة ام إنها أوسع من ذلك وهل ان جميع الأدباء والفنانين هم مثقفون حتما؟؟ الا يوجد رسام او نحات او ممثل غير مثقف؟؟ . وثمة تساؤل آخر هل ان الثقافة ترتبط بالمستوى الدراسي؟؟ وهل جميع الخريجين هم مثقفون وإذا كان الجواب نعم فمن أي مستوى دراسي تبدأ الثقافة؟؟ وبماذا نصف المثقفين بـ (الثقافة الشفاهية) او (السماعية) وإذا كان جميع الأكاديميين هم مثقفون بالضرورة فهل تشمل ذلك الجميع حتى من تخصص بالميكانيك والزراعة واللحام والحدادة ام ان الثقافة تقتصر أكاديميا لدارسي العلوم الإنسانية حصرا . الواقع يقول ان الكثير من المثقفين والمبدعين في مختلف المجالات لم يحصلوا على مؤهل علمي او دراسي مثل (الكاتب المصري عباس محمود العقاد والكاتب سلامة موسى و..و..الخ ) فكيف الحكم في مثل هكذا ظاهرة ؟؟؟ وإذا كان من معاني الثقافة هي تهذيب النفوس والسمو بها نحو الرفعة والرقي الإنساني فان هذا يقتضي منا القول بعدم وجود مثقف عنصري او طائفي او فئوي وإذا وجد هكذا إنسان هل يصح لنا بتسميته مثقفا وهو يمارس في سلوكه أمورا تتنافى مع ما هو متحضر او إنساني خصوصا وان كلمة مثقف تذهب بإسماعنا الى إنسان نخبوي مثالي , وهل هنالك علاقة بين الإبداع والثقافة ام لكل شيء صفاته ؟؟؟ بعد كل هذا الذي قلناه هل نستطيع ان نضع تعريفا دقيقا ووصفا مانعا جامعا للثقافة مثلما نستطيع ان نعرّف الطب والهندسة والفلسفة والدين والقانون ولنبدأ بالقول إن الثقافة هي سلوك حضاري ومعرفي راق متوج بفعل إنساني ولا يصح لنا القول بان هنالك ثقافة بلا سلوك.