المرأة بين العدل والمساواة
إن من البلاء الذي عم هذه الأيام، الدعوة لمساواة المرأة بالرجل مطلقا في جميع المجالات دون تفريق بينهما، والمطالبة بتعامل المرأة كالرجل، وقولهم بأن المرأة مثل الرجل.
إن الدعوة للمساواة بين المرأة والرجل داخل المجتمعات الإسلامية هي تجنٍ على شرع الله وعلى الفطرة السوية، ودعوة لإفساد المرأة المسلمة، وهدم لقيمها ومبادئها، وإبعادها عن مصدر عزها، وجرها إلى التفسخ والسفور، ونزع لباس الحشمة والحياء عنها، وضياع لمكانتها، وصدها عن رسالتها في تربية أبنائها وحفاظها على أسرتها.
فالغرب على يقين بأن تخلي المرأة المسلمة عن أنبل مهامها ـ تربية أبنائها والحفاظ على أسرتها ـ سيكون سببا لتفكك الأسرة وانهيارٍ للقيم والمبادئ، وتفشى للانحلال والفوضى الأخلاقية.
لذا فقد عقد الغرب مجموعة من المؤتمرات العالمية التي تدعو إلى هذا المفهوم المنحرف، كالمؤتمر الدولي للسكان والتنمية المنعقد بالقاهرة عام1415هـ، ومؤتمر بكين الذي روّج لمفهوم ( الجندر ) ويُقصد به إلغاء جميع الفوارق بين الرجل والمرأة، وهذا المؤتمر من أخطر المؤتمرات الدولية لما تضمنته وثيقته من فتح الباب على مصراعيه للإباحية والحرية المطلقة بدون ضوابط، وقد حذر منه سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز ـ رحمه الله ـ فقال لهذا فإنه يجب على ولاة أمر المسلمين، ومن بسط الله يده على أي من أمورهم أن يقاطعوا هذا المؤتمر، وأن يتخذوا التدابير اللازمة لمنع هذه الشرور عن المسلمين، وأن يقفوا صفا واحدا في وجه هذا الغزو الفاجر، وعلى المسلمين أخذ الحيطة والحذر من كيد الكائدين، وحقد الحاقدين) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله جمع وترتيب د. محمد الشويعر ج 9 ص203 .
وكذلك اتفاقية القضاء على كافة التميز ضد المرأة ) التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1997م ودخلت حيز التنفيذ عام 1981م ووقعت عليها معظم دول العالم، وهذه الاتفاقية تحتوي على مواد وبنود تناقض مبادئ الإسلام وتخالف تعاليمه. إلى غير ذلك من المواثيق والمؤتمرات السنوية التي يسعى الغرب من خلالها لتأصيل مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، والتركيز على المجتمعات الإسلامية المحافظة لنشر الإباحية والفساد ويصدق عليهم قول القائل تود الزانية لو أن النساء كلهن زواني).
يقول الشيخ بكر أبو زيد ـ رحمه الله ـ في كتابه حراسة الفضيلة بعد حديثه عن ضرورة الإيمان والتسليم بالفوارق بين الرجال والنساء، وأنه لا يجوز لمسلم ولا مسلمة أن يتمنى ما خص الله به الآخر من الفوارق يقول من ينكر الفوارق الشرعية بين الرجل والمرأة، وينادي بإلغائها، ويطالب بالمساواة، ويدعو إليها باسم " المساواة بين الرجل والمرأة " فهذه بلا شك نظرية إلحادية لما فيها من منازعة لإرادة الله الكونية القدرية في الفوارق الخَلقية والمعنوية بينهما، ومنابذة للإسلام في نصوصه الشرعية القاطعة بالفرق بين الذكر والأنثى في أحكام كثيرة ) ط9 1422هـ دار القاسم ص 21.
ومن المؤسف أن دعوة مساواة المرأة بالرجل وجدت رواجا كثيرا في المجتمعات المسلمة، حتى حل بها البلاء بسبب ذلك، فضاعت كرامة المرأة، وخسرت دينها ومكانتها، والواقع الذي لا يكذب شاهد على ما وصلت إليه نساء تلك المجتمعات من حالة لا ترضي الله ولا رسوله من التبرج والسفور والاختلاط حتى تحول بعضهن إلى سلعة ولعبة بيدي من لا يألون بهن إلاّ ولا ذمة.
وفي مجتمعنا المحافظ انطلت هذه الدعوة على بعض ضعاف النفوس ممن هم من بني جلدتنا، ووجدت صدى عندهم فأصبحوا أبواقا للغرب يطالبون بالمساواة بأساليب ملتوية عبر كتاباتهم الصحفية، وبرامجهم المرئية ـ فتارة بالتلميح وأخرى بالتصريح ـ بأن ما يعانيه المجتمع من تأخر بسبب ضياع حقوق المرأة المبنية على عدم المساواة، بل وصل ببعضهم أن يربط التقدم والتطور بضرورة المساواة، وهم بذلك خلطوا بين ما تحتاجه المرأة من العدل في إعطائها حقوقها الشرعية، وبين الدعوة بمساواتها بالرجل لجهلهم، وانفتانهم بالغرب، ففرق بين العدل والمساواة.
فمبدأ المساواة مرفوض بديننا الحنيف يقول الشيخ محمد بن عثيمين ـ رحمه الله ـ وهنا يجب أن ننبه على أن من الناس من يستعمل بدل العدل: المساواة! وهذا خطأ، لا يقال: مساواة، لأن المساواة قد تقتضي التسوية بين الشيئين الحكمة تقتضي التفريق بينهما.
ومن أجل هذه الدعوة الجائرة إلى التسوية صاروا يقولون: أي فرق بين الذكر والأنثى؟! سوُّوا بين الذكور والإناث !
ولهذا لم يأت في القرآن أبدا: إن الله يأمر بالتسوية! لكن جاء إن الله يأمر بالعدل) ( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) وأخطأ على الإسلام من قال: إن دين الإسلام دين المساواة! بل دين العدل، وهو الجمع بين المتساويين، والتفريق بين المتفرقين، إلاّ أن يريد بالمساواة: العدل، فيكون أصاب في المعنى وأخطأ في اللفظ.
ولهذا كان أكثر ما جاء في القرآن نفي المساواة قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) ( هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور) ولم يأت حرف واحد في القرآن يأمر بالمساواة أبدا، إنما يأمر بالعدل ) شرح العقيدة الواسطية ط6 1421هـ دار ابن الجوزي ص229.
إنّ المرأة بحاجة في التعامل مع قضاياها بالعدل وليس بمساواتها بالرجل، فتعطى حقوقها كاملة التي كفلها لها ديننا الحنيف، فلا ضرر ولا ضرار، ولا إفراط بالدعوة بالمساواة، ولا تفريط في هضم حقوقها الشرعية، فالمرأة بحاجة إلى حفظ حقها في الميراث، وعدم عضلها، أو حجرها في الزواج للقريب، وأن يحفظ حقها في مهرها، ومن حقها أن تتعلم ما ينفعها في دينها ودنياها، وأن يتم توفير أماكن للعمل فيها حفظ لكرامتها، وملائمة لخصوصيتها وطبيعتها بعيدة عن التبرج والاختلاط، وأن يصاغ لها أنظمة خاصة تناسبها كساعات العمل ونظام التقاعد، وأن نسعى لحفظها من العنف الأسري، ووضع أشد العقوبات لمن يتجرأ على ذلك، والسعي للحد من عنوستها، ووضع برنامج تتكفل به الدولة للحد من احتياج أي امرأة معسرة لا يوجد من ينفق عليها، هذه الحقوق التي هي بحاجة لها، وليس ما ينادي به الغرب وأبواقهم من مساواتها بالرجل وفتح جميع أبواب العمل والمهن والحرف أمامها كالرجل، والدعوة لتوليها مناصب قيادة عليا في الدولة، وحقها في منازعتها لزوجها في القوامة، والدعوة بضرورة خروجها من بيتها مساواة بالرجل بحجة أنها نصف المجتمع، والمطالبة بالتعليم المختلط وإدراج مادة التربية البدنية، والسماح لها بالمشاركة بالألعاب الرياضية، وفتح المعاهد التدريبية للفتيات لتعليمهن التمثيل والرقص، والسماح لها بالسفر دون محرم كل ذلك باسم المساواة ... إلى غير ذلك مما يطالب به العلمانيون والليبراليون مما يخالف شرع الله ويسبب الانفلات الأخلاقي.
يقول الشاعر:
سجَّل العار علينا معشرٌ سجَّلوا المرأة بين الهملِ
فهي إما سلعةٌ حاملةٌ سلعاً أو آلةٌ في معملِ
لا تبالي القيظ يشوي حرُهُ لا ولا تحذر برد الشمألِ
في سبيل المال أو عشُّاقِه تكدح المرأة كدح الإبلِ
جشَّموها كل أمر معضل وهي لم تُخلق لغير المنزلِ
ألفت ما عوَّدوها مثلما تألف الظبية طعم الحنظلِ
ما أطاعوا فيك أحكام النهى لا ولا قول الكتاب المنزلِ
قد أضاعوك وما ضيّعتهم فأضاعوا كل أمٍ مشبلِ
إن المطالبة بمساواة المرأة بالرجل نذير خطر يهدد المجتمع، وهو الظلم بعينه للمرأة، وبداية النهاية للمجتمعات المحافظة.
منقوووووووووووول