خيال المومياء
سلام مراد
حوار مع الشاعر فراس فائق دياب
(شرفة عاليةْ
وقطار بطيءٌ
صفير من الشفة الباسمةْ
وحوار حريق)
خيال المومياء ص 98الأستاذ فراس فائق دياب كاتب وأديب سوري من مدينة ابن الوليد حمص، درس في مدارس حمص الابتدائية تعلم فيها حب الشعر والإنسان والوطن، بدأ بقرض الشعر في سن مبكرة ونشر في عدة صحف محلية وعربية ومنها جريدة حمص وجريدة العروبة، وكانت قصيدته الأولى عن (الورشة) الحي الذي عاش في جنباته حيث عانى الفقر، إلى جانب دراسته كان يعمل في غير مهنة ليساعد أهله ويكمل دراسته، وكان يتعلم الشعرفي مدرسة الحياة التي عانى فيها ، وصقل موهبته من خلال دراسته اللغة العربية بعد حصوله على الشهادة الثانوية، من ثانوية خالد بن الوليد في حمص، حيث كان يمضي أكثر من ساعة للوصول الى المدرسة.
عمل في أعمال مختلفة في أثناء الدراسة في جامعة حلب ليساعد أهله ويعين نفسه، لأنه نشأ في بيئة شعبية فقيرة، أحب الفلسفة فانعكست على أشعاره وقصائده، وتأثر بابن خلدون وابن سينا والشاعر الإسباني لوركا، ومن الشعراء العرب المحدثين تأثر بالشاعر نزار قباني والشاعر محمود درويش، يحمل وجع الأمة العربية وهموم المواطن العربي المختلفة.
كانت باكورة أعماله ديوان بعنوان (رماد القمر.. حنين الشجر)، صدر عن اتحاد الكتاب العرب عام 2006.
وكان لنا معه الحوار التالي:
هكذا نبدأ الحوار مع الشاعر كتذكرة مرور..
س1: السؤال عن البداية بات مملاً. دعني أسألك عن قصتك مع الوطن الحاضر في معظم مجموعاتك الشعرية.
ج 1: لا تسألني عن الوطن يا صديقي ولا تجلب لي هذه السيرة.. الوطن يا عزيزي هو زوجتي التي تصارعني دوماً لقد ولدتُ في خضم الصراع في وطن التناقض.. أنت تسميه وطناً ويعني لك ما يعني (الوظيفة.. الأرض.. الحبيبة) أما أنا فالوطن يعني لي السجن.
- لماذا؟
لأنه يحيطني بسجن الجغرافية وحبال التاريخ التي تشنقني وتحد من جموحي ومن جنوني إنه خوفي على الهوية وقلقي الدائم على حبيبتي وهي تطل كل صباح على بئري تناولني فمها الجميل كي أقبله:
تعالي شاركيني البئر
غلّي في حقول الماء وانعطفي
تجلي في سرايا الموج وانخطفي
ومن صمتٍ بآهاتِ الثرى ارتجفي
س2: كيف ولدت القصيدة لديك؟.
ج2: ولدت القصيدة من الشقاوة.. من الهروب الدائم من مماحكة الفصول وعناد الأرض.. كنت دائم الهروب إلى مدينة حماة القريبة من مدينتي.. روحي تهفو إلى نواعيرها الدائرة في واحة الماء.. أحب السلام عليها هناك في فاصلة الجسد.. في نقطة الولادة المتأخرة، ولدت القصيدة من فقري الدائم من وفاة أخي الصغير (فداء) في مطلع السبعينيات. كانت الحياة في حمص بسيطة. كان الناس يذهبون إلى الحمامات العامة حيث يأكلون (المجدرة والبرتقال) ثم يضحكون حتى آخر الضحك. يختارون الزوجات لأبنائهم.. وإذا أصابهم مكروه يحزنون حتى آخر الحزن..
ولدت في حي الورشة الشرقية عام 1965 كنت جاراً لكثير من الشعراء (ممدوح السكاف ـ مظهر الحجي ـ محمود نقشو ـ فؤاد أحوش.. وآخرون) ضمن فيسفساءٍ جميل كالأخضر المميز في لوحات الفنانين الحمامصة. قد أصل أو لا أصل ولكن يبقى لي شرف المحاولة..
س 3: ماذا عن الطفولة؟
ج3: طفولتي ما عرفتُ منها إلا الصراخ والعويل والبحث الدائم عن عملٍ يجلب للأسرة بعض المال وعندما كبرت وتزوجت وأصبح عندي صبية (يمان) كنت دائم البحث عن مفردات الطفولة.. من زجاجة الحليب إلى (العربيّة) إنني أعشق جرها إلى الآن وثياب الأطفال التي أعشقها بجنون..
إن اعتمادي على نفسي مكرهاً جعلني أبتعد عن أجواء الأبوة والأمومة لقد ترك في روحي غربة دائمة ووحشة حالمة وهذا واضح في أغلب مجموعاتي الشعرية ومجموعتي القصصية أيضاً..
في طفولتي المبكرة كنت لا أحب المدرسة وأذهب إليها من باب (سقط العتب) لم يبق في ذاكرتي إلا معلمتي في الصف الأول؛ تلك أمي التي أحب أن أراها دائماً كانت تشد أذني بنعومة وتنادي: درسنا (ماما وداد) كم مرة سوف نكتبه فأنادي: ثلاثة.. إنه صوتها الدافئ يرن في أذني الآن.. حقاً إنها نبع الحنان..
* * *
يا (سلام) أنا لا أحب الحوارات دعني وشأني أتبعثر. الناس غير مَعْنيّين بأحزاني.. الناس في حاجة دائمة إلى الفرح دعني أزهو في قوقعتي وأنا بمدخنتي سأبقى المتفرج الوحيد على هذا الكون المترامي.. سوف أخترع أوطاناً على مزاجي وعوالم تخصّني وحدي ولن آخذك معي..
س 4: ماذا عن المرأة.
ج4 : المرأة غير موجودة جسداً وهي مختلطة بمفهوم الوطن دائماً دعني أعُدْ إلى مسألة الوطن.. الوطن هو بنطال الجينز الذي يضيق باستمرار..
في داخلي ينفرط عقد الأنثى وتتبعثر مفرداتها.. هي التي تغني تارة وتغير ملابسها تارة أخرى في مخفر التوت..
[في مخفر التوت ليمونٌ أحاوره
قضبانه الورد.. أكرم بالذي سجنا
طالت أصابعه والكف ما قبضت
إلا مواءً بكى.. فاساقطت حزنا
تمرد المخفر القزي أعشقه
وأعشق السجن والسجان والكفنا]
م. خيال المومياء: ص 44
س 5: ماذا عن القصة؟.
ج 5: سوف أريحك الآن. هناك في درعا في قرية كفر شمس تعلمت فنّ القصة كنت أعمل مساعداً لأخي الدكتور فايز رحمه الله كان طبيباً هناك.. هناك تعلمت القصة.. تعلمت كيف تولد الكلمات في حادثة لا يستحسن أن تذكر في هذا المقام.
س 6: أخيراً ماذا عن ذكرياتك في حمص؟
ج 6: لا تسألني عن حمص يا عزيزي، لا تسألني عن زوجة التوت عن حبيبة الزيزفون عن ملاحة الياسمين التي تولد كل يومٍ في عظامي عن حجارتها غير المفهومة عن براءة الحياة فيها.. عن برقها.. عن مياه الروح الزرقاء.. لا تسألني عن دموعي في (أربعاء الرماد).
* * *
تعريف بالكاتب
ـ فراس فائق دياب.
ـ من مواليد حمص ـ سورية ـ 1965م.
ـ يكتب الشعر والقصة.
ـ صدرت له المجموعات التالية:
1 ـ رماد القمر.. حنين الشجر ـ شعر ـ اتحاد الكتاب العرب ـ 2006.
2 ـ خيال المومياء ـ شعر ـ اتحاد الكتاب العرب ـ 2008
3 ـ البكاء بربع صوت ـ شعر ـ وزارة الثقافة ـ 2008
4 ـ حين أدعو الفضاء منى ـ شعر ـ وزارة الثقافة ـ 2010
5 ـ مقبرة لوركا ـ قصص ـ اتحاد الكتاب العرب ـ 2010
له تحت الطبع:
_ الموت فرحا ً_ رواية.
- لهيب التوت _ شعر