أخي الحبيب المفلق
كأنما أنت من عنى أحمد محرم في قوله:
إن يَلْبسِ الشعرُ الجمالَ مُنوَّراً ..... عَبِقاً فَأنتَ جَمالُهُ والرّونقُ
والقولُ مُستلَبُ المحاسنِ عاطلٌ ..... حتّى يقولَ العبقريُّ المُفلِقُ
إذا كانت المقاطع الأولى في أبيات القصيدة لها أكبر الأثر في تحديد بحر القصيدة فإن المقاطع الأخيرة – مقاطع القافية – تشي بعلاقة ما بين وقع الأبيات ولو كانت من بحور شتى. ولا يأس من بعض الاستطراد هنا مع أن هذا ليس موضوعنا.
أنظر للأبيات :
1- من البسيط
من كأسِه وَثَناياه لنا حَبَبٌ
........ تَطفو على رائقي
خمرٍ جواهرُهُ= 4 3 1 3
2- مجزوء الوافر
وَإِنَّ اللَفظَ مَطروحٌ
.. ..... عَلى
فِكري جَواهِرُه = 4 3 1 3
3 – الكامل ( البيت محورا)
مَنظومة جلت وأفضلها
.......... ضمْنَ الحَباب
بِها جَواهرُه = 3 3 1 3
4- الخفيف ( عدل البيت )
ليس عندي مِنهُ سِوى الزَبَدِ...... تقذِفُ النا
سَ ذي جَواهِرُهُ = 3 3 1 3
تعمدت توحيد لفظ (جواهره بقصد) زيادة توضيح تأثير المقاطع الأخيرة في تشابه نكهة إيقاع الوزن في الأذن – إن جاز التعبير – بغض النظر عن انتمائها من حيث الوزن.
على أن ما جعلني أعرج على هذا هو أهمية أخرى لمقاطع القافية في تأثيرها على م/ع فلكأنها بصمة ميمعينية أو نفسية للقصيدة.
أنظر لنونية ابن زيدون كيف تحدد الألف والنون بذاتيهما وبانتماء المقطعين الذين ينتميان إليهما 2 2 إلى ( عين ) مقام (م/ع) وبالنالي تحديد عامل يقلل من قيمة ( م/ع) وينسحب على شخصية القصيدة شجى وشجنا
أضحى التنائي بديلا من تدانينا .... وماب عن طيب لقيانا تجافينا
وانظر لطبيعتهما كيف أثرت بسائر أبيات القصيدة.
إن ضد هذا هو ما تحقق في قصيدتك أعني ان أبياتها تنتهي بمقطعين ساكنين 3* 2* الأمر الذي يرفع قيمة ( ميم ) وبالتالي قيمة (م/ع) وينسحب على شخصية القصيدة سرعة نبض بشكل عام.
ولو انتهت نهاية أخرى لأثرت في القصيدة لا بتأثيرها الحسابي فقط بل بما تشيعه من أجواء في تركيب وصياغة ألفاظ وتركيب الأبيات حتى في الحشو.
هَتَـفَ القَلـبُ مُـذْ ذَهَبـتَ ؛ وَ رَدَّدْ ...فَـعُــدِ الآنَ - آهِ - لَا تَـتَــرَدَّدْ
م/ع= 9/3 = 3.0
عُدْ ؛ تَجِدْنِي - كَمـا تَرَكـتَ فُـؤَادِي ...قِبلَةَ الشَّوقِ - فَانعُـمِ ؛ العَـودُ أَحمَـدْ
طَالَ صَبرِي ؛ وَ هَانَ فِـي قَبضَـةِ القَـهْ....رِ رَجائِـي ؛ وَ أَصبَـحَ التَّـوقُ أَوجَـدْ
ثم
هَتَـفَ القَلـبُ مُـذْ ذَهَبـتَ ؛ حنينا ...فَـعُــدِ الآنَ - آهِ - لا تجفونا
م/ع = 0.9
عُدْ ؛ تَجِدْنِي - كَمـا تَرَكـتَ فُـؤَادِي ...قِبلَةَ الشَّوقِ – هل سمعت الأنينا
طَالَ صَبرِي ؛ وَ هَانَ فِـي قَبضَـةِ القَـهـْ....ـرِ رَجائِـي ؛ وأجج التوق فينا
نعود الآن إلى الأبيات موضع السؤال:
هتف القلب مذ ذهبت و ردد ـــــــــــ فعد الآن آه لا تتردد
1 3* 2* 3* 3* 1 3* 2* .....1 3* 2 3 3 1 3* 2*
م/ع الصدر = 6/0=12 اصطلاحا ... العجز = 3/3 = 1...البيت = 9/3=3.0
هَاكَ أَحدَاقِيَ الهُدَيبَاءَ ؛ خُذْها ــــــــــ تَذرِفُ الدَّمعَ مُدلَهِمًّا ؛ وَ أَسوَدْ
2 3* 2 3* 3* 2 3* 2 ..........2* 3* 2* 3* 3* 2* 3* 2*
الصدر = 4/4=1.0 ...العجز= 8/0 = 16 .....البيت = 12/4=3.0
مؤشرا البيتين لهما نفس م/ع = 3 وهو أمر يدل على نفس الدرجة من الحالة النفسية فيهما . ولكن اختلف المؤشران بين الصدر والعجز في كل منهما.
فلنتأمل:
هتف القلب مذ رحلت وردد = 12
تذرف الدمع مدلهما وأسود = 16
في الشطرين يتحدث الشاعر عن نفسه وما تعانيه
فعد الآن آه لا تتردد ..= 1
هَاكَ أَحدَاقِيَ الهُدَيبَاءَ ؛ خُذْها = 1
يتحدث الشاعر هنا إلى المحبوب متلطفا حتى ليبلغ نلطفة درجة التغزل بالذات ( أحداقي الهديباء) والتعبير له وعليه . عليه مدح جمل أهداب عينيه، أما ما له فهو هذه المبالغة في التلطف مع الحبيب وذكر الهديباء لإظهار تحولها لضدها ذارفة سوداء.
هتف القلب مذ ذهبت و ردد ........ يَذرِفُ الدَّمعَ مُدلَهِمًّا ؛ وَ أَسوَدْ .....م/ع=28
هَاكَ أَحدَاقِيَ الهُدَيبَاءَ ؛ خُذْها ...... وعد الآن آه لا تتردد...م/ع=1
تأمل
م/ع تستغرق وقتا في التأمل وتركيز لواقط الوجدان على نبض النص واستبطان مشاعر الشاعر وعبقرية اللغة والتماهي مع كل ذلك. وهذا يتطلب صفاء ووقتا. أما الحساب فهو الأقل. وهذا لا يتوقف بالمرء على م/ع فحسب بل يفتح المجال لتداعيات عدة قد يجد الإنسان نفسه يغلق عليها الأبواب ليوجز كي ينجز.
http://arood.com/vb/showthread.php?p=15998#post15998