الحرية
ما أجمل الحرية!...ها قد عدت يا بلدي أستنشق هواءك المعطر برائحة ورودك وأزهارك..
قالها وهو يأخذ نفسا عميقا يملأ رئتيه بطيب هواء بلاده العليل..ما أجمل الطرقات !
وما أحلى الأزهار التي انتشرت على جانبي الطريق! أين أنا من هذا الجمال؟
عشرون عاما قابعا خلف قضبان حديدية..وأنا في بلدي وسجاني ينعم بالحرية وبالعيش الهنيئ في وطني .
آه يا وطني كم شربتَ من دماء أبنائك ! أما أرتويت ؟ أما آن للمحتل أن يرحل ؟
نستشهد ونسجن..بعضنا يموت داخل السجن.
وأنت يا وطني كما أنت تطلب المزيد من الشهداء والمزيد من التضحية والصبر ونحن نقدم وننتظر الفرج.
يشير لسيارة أجرة..يجلس فيها بقرب السائق بعد أن يضع حقيبته المهترئة في المقعد الخلفي..
لا يملك نفسه يريد أن يتحدث مع أحد من أحرار بلده أو من يعتقدون أنفسهم أحراراً..
ينظر للسائق الذي يبادره بالسؤال هيئتك قد خرجت لتوك من السجن ؟
نعم...هذا صحيح...خبرني عن أحوال البلدة أكيد حصلت أمور عديدة خلال الفترة التي عشتها في السجن؟
ـكم سنة بقيت هناك؟
ـ عشرون عاما.
ـ عشرون عاما ؟ عمر طويل. كنتُ صغيراً في ذلك الوقت..
ولكن أهم ما في الأحداث أنها تتكرر كل يوم..ولا جديد فيها فما زال المحتل هو المسيطر هنا
ونحن ننفذ الأوامر ومن يخالف يسجن أو يقتل... ما زالت بيوتنا تهدم ونحن نبني غيرها..
.وما زال أبناؤنا يستشهدون ونحن ننجب غيرهم..
.وما زال كل بيت هنا ينشر علماً أسوداً فوق سطحه ، فمن كل بيت شهيد أو سجين أو مبعد فما الجديد الذي تتوقعه؟
أحس بضيق كبير وهو يقول: يعني سنوات عمرنا التي ضاعت في السجن بلا جدوى؟
ـ لست وحدك...ألم يكن معك الكثير؟ سجون كثيرة أقيمت لنا فوق أرضنا.
هي الوحيدة التي يمكننا القول أنها لنا وحدنا دون المحتل..
إن بنيت بيتاً قد يهدموه أو اشتريت سيارةً قد يصادروها أويدوسوها بدباباتهم .
إن أنجبت طفلاً قد يقتلوه..إن زرعت شجرةً قد يقتلعوها .
إن اشتريت أرضاً قد يصادروها..ولكن السجون لنا ...لنا وحدنا....
الكآبة تزداد في وجهه والدنيا تزداد ظلاماً والحقد تشعبت جذوره على الغاصب المحتل.
هنا من فضلك...أريد أن أنزل هنا..
توقفت السيارة حيث طلب ، دفع الأجرة للسائق وابتعد..مشى قليلا ثم تذكر أنه نسي حقيبته في المقعد الخلفي..
عاد يجري خلف السيارة رافعاً يده ..أنت انتظر..
لم ينتبه لسيارة المحتل التي كانت خلفه..تجاوزته بعد أن سقط يتخبط في دمائه ويردد .....ما أجمل الحرية!
ناهد حسن