للأجيال القادمة كي لا تنسى للتعميم والنشر
مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال
حق مشروع
د.غازي حسين
نظراً لاغتصاب الكيان الصهيوني لفلسطين العربية وللحروب العدوانية والتوسعية التي أشعلها والاعتداءات المتكررة على الأراضي العربية.
ونظراً لأن العدو الصهيوني يرفض الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة ويقيم المستعمرات اليهودية فيها ويعمل على تهويدها وتهويد المقدسات العربية الإسلامية والمسيحية، ويرتكب الإبادة الجماعية وتدمير المنازل والأحياء والقرى والمدن والمنشآت الزراعية والصناعية.
ونظراً لآلاف الغارات الجوية التي قام بها على المنازل والمقاهي والمدارس الآهلة بالمدنيين في المدن والقرى والمخيمات نظراً لعدم قيام الأمم المتحدة بدورها في إنهاء الاحتلال والاستعمار الاستيطاني ووقف الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.
ونظراً لانحياز الولايات المتحدة ودفاعها عن احتلال «إسرائيل» للأراضي العربية وعن تهويد القدس العربية، ونظراً لاستمرار «إسرائيل» بجلب الملايين من المستوطنين وترحيل العرب الفلسطينيين.
إزاء هذا كله لم يبق أمام الشعب الفلسطيني والأمة العربية إلا المقاومة والانتفاضة والعمليات الاستشهادية للوقوف أمام حروب «إسرائيل» العدوانية والاستيطانية ومساعيها لإقامة «إسرائيل العظمى» من النيل إلى الفرات والهيمنة على الاقتصادات والثروات العربية.
والمقاومة العربية بما فيها المقاومة المسلحة عمل مشروع يتماشى مع مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والعهود والمواثيق الدولية الأخرى، ومع تجارب الشعوب الأوروبية في محاربة الاحتلال النازي ومع ما هو متعارف عليه عالمياً بخصوص الاستعمار والاستعمار الاستيطاني ومقاومة الاحتلال الأجنبي والعنصرية والتمييز العنصري.
فكل شعب من شعوب الأرض سواء أكان صغيراً أم كبيراً له كامل الحق في الحرية والاستقلال والسيادة وحق تقرير المصير، وهذه الحقوق مبادئ دولية معترف بها في جميع أنحاء العالم ولدى شعوب العالم كافة.
والشعب العربي الفلسطيني أسوة ببقية شعوب العالم له الحق في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على كامل ترابه الوطني وعودته إلى وطنه تطبيقاً لقرارات الأمم المتحدة والعهود والمواثيق الدولية.
تنكرت «إسرائيل» ولا تزال تتنكر لتنفيذ مبادئ وقرارات الشرعية الدولية حول قضية فلسطين وتخاذلت الأمم المتحدة في حمل «إسرائيل» على تطبيق قراراتها منذ صدور القرارين 181 و194 في العام 1948 وحتى صدور قرار مجلس الأمن 1405 في العام (2003)، ولم تستخدم الفصل السابع من الميثاق الذي يتضمن قيام مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات اقتصادية وعسكرية عليها وطردها من عضوية المنظمة الدولية واستخدام القوة العسكرية لإجبارها على تنفيذ القرارات وإنهاء الاحتلال والتوقف عن الاستيطان والترحيل والإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني.
وإزاء موقف الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية من سياسة «إسرائيل» الإرهابية العنصرية والاستعمارية لم يتمكن الشعب العربي الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير وكنس الاحتلال الإسرائيلي البغيض والعودة إلى وطنه.
ولكي يمارس شعب من الشعوب حقه في تقرير المصير وطرد الغزاة وإنهاء الاحتلال والعنصرية يختار الأساليب التي يراها مناسبة للوصول إلى ذلك ومنها المقاومة المسلحة.
إن اللجوء إلى المقاومة المسلحة ليس بالأسلوب الجديد على حركات التحرر الوطني في العالم، ابتكرته الشعوب العربية والإسلامية في النضال من أجل الحرية والاستقلال وكنس الاحتلال.
وحركة التحرر الوطني تجد وترى على ضوء تجاربها في النضال من أجل تحرير البلدان العربية من الاستعمار أن أسلوب المقاومة المسلحة بعد إخفاق الأمم المتحدة والأساليب السياسية والدبلوماسية والاتفاقات الموقعة هو الأسلوب الثوري الوحيد لطرد القوات الإسرائيلية المحتلة من فلسطين والجولان وجنوب لبنان.
وبالإضافة إلى حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، كسبب يدعم المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي هناك أيضاً عدة أسباب تدعم حق مقاومة الاحتلال، ومنها عدم شرعية الكيان الصهيوني الذي أنشئ على أساس وعد بلفور الذي يفتقد إلى الشرعية والقانونية الدولية.
وجاء قرار التقسيم الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية على الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني 1947 ليشكل انتهاكاً لميثاق المنظمة الدولية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
لم يكتف قادة الكيان الصهيوني بما منحهم إياه قرار التقسيم من فلسطين العربية فاحتلوا مناطق كبيرة من أراضي الدولة العربية التي حددها القرار نتيجة للحرب العدوانية التي أشعلوها في عامي 1948 و1949.
إن وعد بلفور الاستعماري غير قانوني ولا تترتب عليه نتائج قانونية وإن صك الانتداب البريطاني أسلوب من أساليب الاستعمار لإعادة تقسيم مناطق النفوذ، وإن قرار التقسيم مخالف لميثاق الأمم المتحدة وحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، ولا يحمل صفة إلزامية، لهذه الأسباب مجتمعة، يعتبر الشعب الفلسطيني وتعتبر الأمة العربية أن الكيان الصهيوني كيان غير شرعي.
وتستند شرعية المقاومة الفلسطينية إلى عدم شرعية الكيان الصهيوني وإلى عدم شرعية الاحتلال والحروب العدوانية والمستعمرات اليهودية وإلى حق الدفاع عن النفس وعدم القبول بالواقع الذي ينتج عن استخدام القوة العسكرية.
صوّرت إسرائيل المقاومة العربية للاحتلال الإسرائيلي بالإرهاب، وساعدتها الولايات المتحدة بذلك، وعقدت قمة شرم الشيخ العالمية لدمغ المقاومة بالإرهاب وإقامة حلف عالمي لمساعدة "إسرائيل" على تحقيق ما عجزت عن تحقيقه، وهو القضاء على المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وشن الحرب العالمية على حركات المقاومة بدعم من بعض الدول العربية الصغيرة من خلال:
ـ التعاون الوثيق بين المخابرات المركزية والموساد وبعض أجهزة الأمن العربية.
ـ تجفيف مصادر تمويل حركات المقاومة والمنظمات الخيرية التابعة لها.
ـ استخدام التيارات الانعزالية المتحالفة مع «إسرائيل» وأميركا في لبنان لإضعاف المقاومة اللبنانية.
ـ تأجيج الحروب الطائفية والعرقية لإضعاف حركات المقاومة.
ـ القيام بعمليات اغتيال القيادات والكوادر لفصائل المقاومة.
فهل ما يقوم فيه العرب من نضال مرير ضد الاحتلال والاستعمار الاستيطاني اليهودي مقاومة أم عمليات إرهابية؟.
اعتبرت الشعوب الأوروبية التي اجتاحتها جيوش نابليون، وشعوب آسيا وإفريقيا التي استعمرتها البلدان الأوروبية في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، والشعوب الأوروبية التي اجتاحتها جيوش ألمانيا النازية أن محاربة المعتدي والغازي والمحتل مشروعة وتتماشى مع مبادئ القانون الدولي والعهود والمواثيق الدولية.
ولكن اليهودية العالمية بمساعدة الولايات المتحدة الأميركية تعمل على القضاء على ما ترسخ من مفاهيم وقوانين دولية وإنسانية لمنع أو للتخفيف من الويلات والمصائب التي تتعرض لها الشعوب جراء الغزو والاحتلال الأجنبي، وجراء العودة في العلاقات الدولية إلى مرحلة العمل بشريعة الغاب وانتهاك حق الشعوب والأمم في تقرير المصير وإنهاء الاستعمار والقضاء على النظم العنصرية بما فيها الكيان الصهيوني في فلسطين.
ولا تزال اليهودية العالمية عاجزة عن القضاء على شرعية المقاومة، لأنها نابعة من صميم ووجدان وعقول وحقوق ومصالح جميع الشعوب في العالم، وتستند إلى القانون الدولي والعهود والمواثيق الدولية وميثاق الأمم المتحدة وقراراتها، وتتمتع بإيمان جميع الشعوب الأوروبية التي رزحت تحت نير الاحتلال النازي.
ويأتي مبدأ الدفاع عن النفس الذي رسّخه القانون الدولي وديباجة ميثاق الأمم المتحدة والمادة 51 من الميثاق في مقدمة المبادئ التي تستند إليها شرعية المقاومة.
وتنبثق شرعية المقاومة من حق الشعوب والأمم في تقرير المصير، ومن مبادئ القانون الدولي التي تميز بين المقاومة والإرهاب.
وساهم تحريم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في ميثاق الأمم المتحدة، وتحديد موضع الاحتلال كموضع مؤقت في اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949، وقرارات الأمم المتحدة بإزالة جميع أنواع الاستعمار والنظم العنصرية والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة بموجب القرار 242 والقرار 338 في دعم المقاومة الفلسطينية.
فشلت الجهود والمساعي اليهودية والإسرائيلية رغم تركيزها على الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي من النيل من شرعية المقاومة الفلسطينية على الصعد المحلية والعربية والإقليمية والدولية، فشرعيتها تنبع من الإيمان الراسخ للتصدي لإرهاب وعنصرية ووحشية واستعمار الصهيونية والكيان الصهيوني. ويدعم القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والعهود والمواثيق الدولية الأخرى هذه الشرعية، فالمقاومة الفلسطينية هي دفاع مشروع عن الإنسان وحياته وأرضه وممتلكاته ومعتقداته وتراثه الحضاري، دفاع عن الذات والوطن والعقيدة، ومقاومة ضد الحروب العدوانية الوقائية والاستباقية التي أشعلتها «إسرائيل»، وضد الاحتلال الإسرائيلي سعياً للوصول إلى حق تقرير المصير وحقوق الإنسان، وطلباً للحرية والاستقلال والسيادة والديمقراطية.
وتنبثق شرعية المقاومة من حق الشعوب والأمم في تقرير المصير، وهو حق من الحقوق غير القابلة للتصرف، ولا يجوز لأي دولة محتلة واستعمارية وعنصرية أن تتوسل بأي ذريعة لمنع الشعب الفلسطيني من ممارسته على أرض وطنه، ويعطي هذا الحق الشرعية للمقاومة المسلحة كأداة للوصول إلى حق تقرير المصير.
انتهكت «إسرائيل» بحروبها العدوانية وترحيل الفلسطينيين، وتهجير اليهود إليها، وإقامة المستعمرات اليهودية ميثاق الأمم المتحدة الذي يحرم الحروب ويحرم استخدام القوة في العلاقات الدولية. وانتهكت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمعاهدة الدولية لتحريم الإبادة الجماعية واتفاقيات جنيف الأربعة قرارات الشرعية الدولية بما فيها القرار 194 الذي ينص على عودة اللاجئين والتعويض عن الخسائر التي ألحقتها إسرائيل بالفلسطينيين.
ونجحت إسرائيل حتى اليوم من حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه الأساسية بسبب إيمان اليهودية العالمية والدول الغربية باستخدام القوة العسكرية والحروب الاستباقية ضد العرب والمسلمين، أي العودة بالعلاقات الدولية إلى قانون شريعة الغاب، وتطبيق قانون الغالب على المغلوب، وما على المغلوب إلا الرضوخ والاستسلام والقبول بما تعرضه «إسرائيل» المعتدية والمغتصبة للأرض والحقوق والثروات والمقدسات إزاء ذلك لم يبق أمام الشعب الفلسطيني إلا المقاومة والنضال من أجل التوصل إلى حقوقه المشروعة.
تثير حروب إسرائيل العدوانية واغتصاب الأراضي والمياه العربية، وإقامة المستعمرات اليهودية عليها أبعاداً قانونية وسياسية وإنسانية عديدة وفي مقدمتها وجوب إنهاء الاحتلال باستخدام كافة الوسائل بما فيها المقاومة المسلحة، وإلزام إسرائيل بدفع التعويضات عن الخسائر البشرية والمادية التي سببتها للفلسطينيين والعرب، ووجوب تطبيق المبادئ التي رسختها اتفاقية بوتسدام عام 1945 ومحكمة نورنبيرغ عام 1946 في ألمانيا على حكام "إسرائيل" الأحياء منهم والأموات، كي تكون «إسرائيل» عبرة لغيرها من الدول المعتدية.
إن كل شعب من شعوب العالم يملك حق الدفاع عن النفس بموجب القانون الدولي والشرائع السماوية والمادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة.
اعتدت «إسرائيل» في حروبها العدوانية على الشعب الفلسطيني والدول العربية، وبالتالي يحق للشعب الفلسطيني والدول المعتدى عليها أن تمارس حق المقاومة والحرب الدفاعية بعد استنفاذ الوسائل السلمية لطرد قوات الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة.
لذلك فإن الشعب الفلسطيني بتبنيه للمقاومة هو في حالة الدفاع المشروع عن النفس في مواجهة الهولوكوست الإسرائيلي ومن أجل تحرير وطنه وممارسة حقه في العودة إلى وطنه وإقامة دولته الوطنية وعاصمتها القدس.