دراسات ابن جنّي النحویة حول الصفة والموصوف من خلال کتاب«الخصائص»
بقلم محمّد شرفبیاني«طالب في مرحلة الدکتوراه بجامعة آزاد الإسلامیة فرع علوم وتحقیقات طهران»
الأستاذ المشرف: الدکتور فیروز حریرجي
الأستاذ المشرف المساعد: الدکتور سیّد إبراهیم دیباجي
الخلاصة :
أبو الفتح عثمان بن جِنّي أحد العباقرة في اللغة والصرف والنحو الذي عاش طیلة القرن الرابع الهجري ، وکان تلمیذاً لابي علي الفارسي لزمه أربعین سنة.لابن جنّي إبداعات ومبتکرات في علوم اللغة العربیة ،جاء بهذه الآراء في کتبه التي جاوزت الخمسین .في هذا المقال أتطرق إلی بعض دراساته النحویة حول الصفة والموصوف مُقارناً بینها وبین آراء النحاة الآخرین.
الکلمات الرئیسة :
الصفة ، الموصوف ، النعت ،المنعوت ، المضمر ، المعرفة ، النکرة ، الجملة .
آرائه في النعت والمنعوت و مقارنتها بآراء النحویین :
1- قد یأتي النعتُ لغرض التوکید والتثبیت والتمکن :
جاء في الخصائص : « ومن التطوّع المشامّ للتوکید قول الله سبحانه : « إلهین أثنین » [[النحل :51]] و «مناة الثالثة الأخری» [[النجم :20]] وقوله تعالی : « فإذا نُفِخَ في الصُّور نَفخَةً وَاحدةً» [[الحاقة: 13]] وقولهم : مضی أمس الدابر ، وأمس المدبر ، وهو کثیر ». [[ الخصائص :552]]
وجاء في مکان آخَر:« وقد یُؤکدّ بالصفة کما تُؤکّد هي ؛ نحو قولهم: أمس الدابر ، وأمس المدبر، وقول الله – عزاسمه -:« إلهَینِ إثنَینِ » [[النحل: 51]] وقوله تعالی: « ومناة الثالثة الأخری » [[النجم: 20]] وقوله سبحانه : « فإذا نُفِخَ في الصّور نفحة ٌ واحدةٌ » [[الحاقة: 13]]. [[ المصدر السابق : 702]]
ذهب ابن جني في هاتَین العبارتین إلی أنّ النعت قد تاتي لغرض التأکید والتمکّن و أتی بأمثلة من لغة العرب و کذلک جاء بشواهد قرآنیة ، وقال الرضي فی شرح الکافیة :« وإنّما یکون الوصف للتأکید ، إذا أفاد الموصوف معنی ذلک الوصف مصرّحاً به بالتضمین نحو: «نفخة واحدة» و «إلهین إثین» فإن کان ذلک المعنی المصّرح به في المتبوع شمولاً، أو إحاطة ، فالتابع تأکیدٌ، لاصفة ، نحو: الرجلانِ کلاهما والرجالُ کلُّهم ، وإن لم یکن فهو صفة کما في قوله تعالی : « إلهین إثنین إنّما هو إله واحد» و إن کان معنی التابع و معنی المتبوع سواء بالمطابقة ، فالتابع تأکید تکریر، نحو: الرجل نفسه و زید زید؛ وقد یجيء لمجرد الترحّم، نحو: أنا زید البائس الفقیر». [[ شرح الرضی علی الکافیه : 2/288]]
وجاء في شرح الدسوقي علی متن مغني اللبیب :« قوله : في نفخه واحدة ، أي لأنّ نفخة للوحدة ، قوله: تتخرج الأیة علی ذلک، أي علی کون الصفة مؤکّده لأنّ ما بعد إلّا مخالف لما قبلها في الإفراد». [[ حاشیه الدسوقی : 1/103]]
2- من شرط النعت أن یطابق منعوته في التذکیر والتأنیت :
جاء في الخصائص : « ألاتری أنّ من شرط الصفة أن تطابق موصوفها تذکیره و تأنثیه فوصف المذکر بالمؤنث ، ووصف المؤنث بالمذکر لیس متمکناً في الوصف تمکّن وصف المؤنث ووصف المذکر بالمذکر فقولک إذاً: هذا رجلٌ علیمٌ أمکنُ في الوصف من قولک : هذا رجلٌ علّامة : کما أنّ قولک: مررت بامرأةٍ کافرةٍ : أمکنُ في الوصف من قولک: مررتُ بامرأة کفورٍ» . [[الخصائص :760]]
یذهب ابن جني في هذه العبارة إلی مطابقة النعت منعوته في التذکیر والتأنیت ، ثُمّ یقول : إنّ وصف المذکر بالمؤنث ووصف المؤنّث بالمذکّر لیس متمکّناً في الوصف و عدّ اوصافاً کعَلّامة مؤنثاً وإنّ هذا الوصف یَستوي فیه المذکّر والمؤنّث والحقیقة أنّه مؤنث في اللفظ ولِهذا قال ابن یعیش في شرح المفصل: « ولاتَدخل هذه التَّاء في صفات الله تعالی وإِن کان معناها المبالغةَ لوجود لفظ التأنیث ولایحسُن اطلاقُه علی البارئ لأنّها مبالغةٌ بعلامة نقص ». [[شرح ابن یعیش : 3/56]]
وعَدّ سیبویه هذه الصافات مؤنثة وإن یستوي فیها المذکّر والمؤنّث . [[انظر الکتاب : 3/237-238]]
وأمّا حول الصّفة التي یستوي فیها المذکّر والمؤنّث فقال ابن یعیش « أمّا الصفةُ التي یستوي فیه المذکر و المؤنث وذلک علی ضربین منه مایستوی فیه المذکر والمؤنث في سقوط علامة التأنیت ومنه مایستوي فیه المذکر والمؤنت في لُزوم تاء التأنیث فالأوّلُ نحو: « فعول» بمعنی الفاعل نحو: رجل صبور، و شکور ، وضروب وامرأة صبور، وشکور ، وضروب بمعنی صابر وصابرة و شاکر وشاکرة وضارب و ضاربة ، کأنّهم أرادوا بسقوط التاء من المؤنث ههنا الفرق بین فعول بمعنی فاعل وبینه إذا کان بمعنی مفعول ، نحو حَلُوبة و حَمُولة ، قال الشاعر:
فیها اثنتان و اربعون حَلُوبة سُوداً کَخافیة الغُراب الأسحَم
أثبت التاءَ لأنّها بمعنی مَحلوبة ، ومثل ذلک « فعیل إذا کان بمعنی مفعول ، نحو کفٌّ خَضِیب ولَحیةٌ دَهِین و المراد مخضوبة ومدهونة وحُذِفَت منه التاءُ للفرق بینه وبین ماکان بمعنی الفاعل، نحو علیم ، وسمیع وذلک ، إنّما یکون فیها عند ذکر الموصوف و فهم المعنی بذکره أومایقوم مقام ذکره ». [[ شرح ابن یعیش : 3/55-56]]
وأمّا حول مطابقة النعت للمنعوت قال ابن عقیل :« تقّدم أن النعت لابُدّ من مطابقته للمنعوت في الإعراب، والتعریف أوالتنکیر، وأمّا مطابقته للمنعوت في التوحید وغیره و هي التثنیه ، والجمع و التذکیر وغیره – وهوالتأنیت- فحکمه فیها حکم الفعل ». [[ شرح ابن عقیل : 3/193]]
وقال الرضي:« النعت بحال المتعلق یتبع الموصوف في اثنین من جملة الخمسه الأوّل ، أعنی: واحد من ثلاثة أنواع الإعراب، وواحد من التعریف والتنکیر، وفي البواقي کالفعل ، أي هذا السببي في خمسة البواقي أي الإفراد والتثنیه والجمع والتذکیر و التأنیث ، کالفعل ینظر إلی فاعله فإن کان الفاعل مذکّراً أومثنّیً أومجموعاً أفرد السببی طابقه السببی کما یطابق الفعل فاعله فی التذکیر والتأنیث ، أو یذکر إذا کان الفاعل غیرحقیقي التأنیث أو حقیقیاً مفصولاً ، کالفعل» [[ شرح الرضي علی الکافیة : 2/308-307]]
الذي ذکرناه هورأي النحویین حول مطابقة النعت للمنعوت في التذکیر والتأنیث ولکن ابن جني في العبارة التي ذکرتها لَم یُشر إلی التفاصیل لِأنّه في هذا المکان لم یکن بِصَدد شرح قواعد النعت والمنعوت و أنما جاء بهذه المسألة علی سبیل المثال.
3- الوصف بالمشتق أقوی إعراباً من الوصف بالمصدر:
جاء في الخصائص :« فقولک إذا : هذارجلٌ دَنِفٌ – بکسر النون –أقوی إعراباً، لأنّه هوالصفة المَحضَة غیرالمتجوّزه ، وقولک : رجل دَنَفٌ أقوی معنی لما ذکرناه : من کونه کأنّه مخلوق من ذلک الفعل وهذا معنی لاتجده ولاتتمکّن منه مع الصّفة الصّریحَة » . [[الخصائص :808-807]]
ونفهم من هذه العبارة أنّ الصفة المَحضة غیر المتجوّزه أقوی إعراباً والوصف بالمصدر أقوی معنی .
4- إنّما وَصَفتِ العربُ بالمصدر لأمرَینِ : أحدُهما صناعيٌّ ، والآخَر معنويّ :
جاء في الخصائص : « ومن تجاذب الإعراب والمعنی ماجری من المصادر وصفاً ، نحو قولک : هذا رجل دَنَف، وقوم رِضا ورجل عَدل ، فإن وصفته بالصفة الصریحة، قلت : رجلٌ دَنِف وقوم مَرضیّون ورجل عادل ،هذا هوالأصل وإنّما انصرفتِ العربُ عنه في بعض الأحوال إلی أن وَصفَت بالمصدر لأمرَین : أحدُهما صناعيّ والآخَر معنويّ ، أمّا الصناعيّ فَلِیزیدَک أنساً بشَبَه المصدر للصفة التي أوقعته موقعها کما أوقعت الصفة موقع المصدر في نحو قولک: أقائماً والنّاس قُعود ،«أي تقوم قیاماً والناس قعود» ونحو ذلک، وأمّا المعنوي فلأنّه اذا وُصِفَ بالمصدر صارالموصوف کأنّه في الحقیقه مخلوق من ذلک الفعل وذلک لِکثرة تعاطیه له واعتیاده إیّاه . یدلّ علی أنّ هذا معنیً لهم ، ومتصّور في نفوسهم، و قوله:
ألا أصبحت أسماء جاذمة الحبل وضنّت علینا و الضنینُ من البخل
أي کانّه مخلوق من البخل لِکثرة ما یأتي به منه. ومنه قول الآخر:
* وهنّ من الإخلاف والوَلَعان *
وقوله :
* وهنّ من الإخلاف بعدک والمطلِ *
و أصل هذاالباب عندي قوله الله – عزّوجلّ - «خلق الإنسان من عجل ٍ سأوریکم آیاتي فلاتسعلجون » [[الانبیاء : 21]] و قد ذکرناهذا الفصل فیما مضی.» [[الخصائص : 807]]
ورأینا أنّ ابن جني علّل مجيء النعت بالمصدر، وقسم في العبارة ، الصفة إلی الصریحة وغیر الصریحة وقال إنّ العربَ في بعض الأحوال انصرفت إلی أن وَصَفَت بالمصدر لإمرَین : الصناعيّ و المعنويّ.
قال سیبویه في هذا الخصوص في مبحث ( هذا شيء ینتصب علی أنه لیس من اسم الأوّل و لا هوهو ):« وذلک قولک : هذا عربيٌّ محضاً وهذا عربيٌّ قلباً فصار بمنزلة دِنیاً وما أشبهه من المصادر وغیرها . والرفع فیه وجهُ الکلام ،وزعم یونس ذلک. وذلک قولک: هذا عربي محض ٌ و هذا عربيّ قلبٌ ، کما قلت: هذا عربيّ قُحٌّ، ولایکون القحّ إلّّا صفة؛ وممّا یَنتَصِب علی أنّه لیس من اسم الأوّل ولا هوهو، قولک : هذه مائةٌ وزنَ سبعة ونقدَ الناس، وهذه مائةضربَ الأمین ، وهذا ثوبٌ نَسجَ الیمین ، کانّه قال: نسجاً وضرباً ، ووزناً . وإن شئت قلت وزنُ سبعة. قال الخلیل رحمه الله : إذا جعلت وزن مصدراً نصبتَ وإن جعلته اسماً وصفتَ [به] وشبّه ذلک بالخلق، قال: قدیکون الخلق المصدر ویکون الخلق المخلوقَ. قدیکون الحلب الفعل والحلب المحلوب ، فکأنّ الوزن ههنا اسم وکإن الضرب اسم ، کماتقول رجلٌ رضاً و امرأةٌ عدلٌ، و یومٌ غمُّ. فیصیر هذا الکلام صفة . و قال: أستقبح أن أقول هذه مائة ضربُ الأمیر ،فأجعل الضرب صفة فیکون نکرة وُصفت بمعرفة ولکن أرفعه علی الابتداء کأنّه قیل له ماهي ؟ فقال : ضربُ الامیر، فإن قال: ضربُ الامیر حَسُنت علی ذلک أنّک لوابتدات اسماً لم تستطع أن تبني علیه شیئاً ممّا تنتصب في هذا الباب لأنّه جری في کلام العرب أنّه لیس منه ولا هوهو.
ولو قلت: ابنُ عمّي دِنيٌٌ و عربيٌ جِدٌّ ، لم یَجُز ذلک ،فإذا لم یجر أن یُبنَی علیه علی المبتداء فهو مِنَ الصفة أبعد ؛ لأنّ هذه الأجناس التي یُضاف إلیها ما هو منها ومن جوهرها ولاتکون صفة، قد تُبنَی علی المبتدأ کقولک : خاتمک فضة فلاتکون صفة ». [[ الکتاب : 2/121-120]]
وقال ابن السراج في أصول النحو: « هذه الصفات الني لیست بصفات مَحضة في الوصف یَجوز أن تُبتَدأ کما تُبتَدأ الأسما ویَحسُن ذلک فیها ، و هي التي لاتجری علی الأوّل إذا کانت لِشيء من سببه و هي تنقسم إلی ثلاثه أقسام : مفرد ومضاف وموصول». [[الاصول في النحو لابن السراج: 2/27]]
وقال ابن یعیش: « قد یوصف بالمصادر کما یوصف بالمشتقات، فیقال: « رجلٌ فضلٌ» و «رجلٌ عَدلٌ» ،کمایقال: رجل فاضل و عادل، وذلک علی ضربَین مفرد ومضاف ،فالمفرد نحو: عدل وصوم وفطر و زوربمعنی الزیارة ولایکون هنا جمع زائر کصاحب وصحب وشارب وشرب لأنّ الجمع لایُوصَف به الواحد وإذ کان مصدراً وُصِف به الواحد والجمع وقالوا :«رجل رضیً» إذا کثُر الرضی عنه وقالوا: «ضرب هَبرٌ» وهوالقطع ؛ یقال : هبرتَ اللحم أی قطعتَة والهَبرة «القطعة» منه، وقالوا:« طعن نثر» وهو کالخلس ؛یقال: طعنه فانتره ، أي أزعفه بمعنی قتله سریعاً ...فهذه المصادر کلّها ممّا وُصِف بها للمبالغة ،کأنّهم جَعلوا الموصوف لِذلک المعنی لِکثرة حصوله منه وقالوا: «رجل عدل ورضی وفضل» کأنّه لکثرة عدله والرضی عنه وفضله جعلوه نفس العدل والرضی والفضل، ویجوز أن یکونوا وضعوا المصدر موضع اسم الفاعل اتّساعاً ، فعدل بمعنی عادل و ماء غور بمعنی غائرٍ ورجل صوم بمعنی صائم ورجل فطر بمعنی مفطر ؛کما وضعوا اسم الفاعل موضع المصدر في قولهم: « قم قائماً» أي قیاماً ، و « أقعد قاعداً» أي قعوداً، وأمّا المصادر التي یُنعَت بها وهي مضافة فقولهم :« مررت برجل حَسبُک مِن رجلٍ وبرجل شرعک من رجل وبرجل هدک من رجل وبرجل کفیک من رجل وبرجل همک من رجل ونحوک من رجل »، فهذه کلّها علی معنی واحد. .... فهذه وماقبلها من المصادر المفردة جاریة علی ماقبلها جَريَ الصِّفة والأصل أنها مصادر لاتُثنّی ولاتُجمَع ولاتُؤنَّث، وإن جَرَت علی مثنّی أو مجموع أومؤنث ،تقول هذا رجل عدل ورأیت رجلاً عدلاً ومررت برجل عدل وبأمرأة عدل وهذان رجلان عدل ورأیت رجلَین عدلاً ورجالاً وعدلاً و... ». [[ شرح المفصل لابن یعیش : 3/50 ]]
وما قاله ابن یعیش قریب ممّا ذهب إلیه ابنُ جنّي غیرَأنّ تعلیل ابن جنّي أجملُ مِن تعلیل ابن یعیش ، حیثُ قال:« وأمّا المعنويّ فلِأنّه إذا وُصِف بالمصدر صار الموصوف کأنّه في الحقیقة مخلوق من ذلک الفعل وذلک لِکثرة تعاطیه له واعتیاده إیّاه».
5- قد یقع الوصفُ بالجامد غیرالمصدر لأنّه فیه معنی المشتق:
جاءفي الخصائص : « ومثله في النکرة أیضاً قولهم : مررت برجل صوف تکته أی خشنه ونظرت إلی رجل خز قمیصه أن ناعمٌ ومررت بقاعٍ عرفج کله أي جافٍ و خشن وکذلک بإبل مائة ، وبرجل أبي عشرة أبوه، وبحیة ذراعٍ طولها ... ». [[الخصائص : 816]]
وقد سمّی ابنُ السرّاج هذه الصفاتِ، الصفات التي لیست بصفات مَحضة في الوصف و قسمّها ثلاثة أقسام وهي مفردٌ، ومضاف و موصول.
« فالاوّل : المفرد نحو قولک: مررت بثوبٍ سبعٍ ، وقول العرب : أخذ بنو فلانٍ من بني فلانٍ إبلاً مائةً. وقال الأعشی:
لَئن کنتَ في جُبٍّ ثمانین قامة ً ورقیتَ أسباب السماءِ بسُلّم
ومررتُ بحیةٍ ذراعٍ ، فإذا قلت : مررت بحّیه ذراعٌ طولُها رفعت «الذراع» وجعلت مابعد «حّیه» مبتدأ وخبراً وکذلک ، مررت بثوب سبعٌ طولُه ، ومررت برجلٍ مائة إبله.
قال سیبویه: و بعض العرب یجره کما یجر الخزّ حین تقول: مررت برجلٍ خزّ صفته ، و هوفلیل : کما تقول: مررت برجل أسدٌ أبوه إذا کنت تُرید أن تَجلعه شدیداً ، ومررت برجلٍ مثل الأسد أبوه إذاکنت تشبهه ، فإن قلت : مررت بدابّة أسدٌ أبوها، فهو رفعٌ، لِأنّک إنما تُخبر أن أباها هذا السبع ، قال: فإن قلت: مررت برجل أسدٌ أبوه، علی هذا المعنی ، رفعت لأنّک لاتجعل أباه خلقته کخلفة الاسد ،ولاصورته ،هذا لایکون ،ولکنه یجيء کالمثل ، ومن قال مررت برجل أسدٌ أبوه ، قال مررت برجل مائة ٌ إبلُه ، وزعم یونس: أنّه لم یسمعهُ مِن ثِقةٍ ، ولکنّهم یقولون : هونارٌ جُمرةً لِأنّهم قد یبنون الأسماء علی المبتدا ولایَصفون بها، فالرفع فیما کان بهذه الحال ،الوجه، قال : ومن قال:مررت برجل سواء والعدم کان قبیحاً حتی تقول: هووالعدم، لأن ّ في سواء اسماً مضمراً مرفوعاً ، کماتقول : مررت بقومِ عرب أجمعون فارتفع «أجمعون» علی مضمر في «عرب» في النیة فالعدم هنا معطوف علی المضمر الثاني المضاف ، وذلک قولهم : مررت برجلٍ أيّ رجلٍ وبرجل أیّما رجلٍ ، وبرجلٍ أبي عشرة و برجل کلّ رجلٍ ، وبرجل مثلک وغیرک، وبرجلٍ أفضل رجلٍ و ما أشبهه ، فجمیع هذا یجري علی الموصوف في إعرابه ،في رفعه ونصبه وجرّه إذا أخلصتها له، فإن جعلت شیئاً من هذه الصفات رافعاً لشيءٍ من سببه لم یَجُز أن تصف به الأول ولاتجریه علیه ورفعته فقلت مررت برجل أبو عشرة أبوه ، وبرجل أفضل رجل أبوه، و برجل مثلک أخوه ، وبرجل غیرک صاحبه : وکلّ ماورد علیکم من هذا النحو فقسه علیه». [[أصول النحو لابن السرّاج: 2/229]]
وحاصل الکلام أنّ الصفة لاتکون إلّا مأخوذة من فعل أوراجعةً إلی معنی الفعل وذلک کاسم الفاعل نحو ضارب وآکل وشارب ومکرم ومحسن وکاسم المفعول نحو مضروب ومأکول ومشروب ومکرم ومحسن إلیه أوصفة مشبهة باسم الفاعل نحو حسن وشدید وبطل و أبیض وأسود وذلک لیدلّ باشتقاقه علی الحال التي اشتُقّ منها مِمّا لایُوجَد في مشارکة في الاسم فیتمیّزبذلک ، وقد وصفوا بأسماء غیر مشتقّة ترجع إلی معنی المشتق، قالوا: رجل تمیميّ وبصرِيّ ونحوهما من النسب فهذا ونحوه لیس بمشتقّ لِأنّه لایُؤخذ من فعل کما أُخذ ضارب من ضرب و إنما هو متأوّل بمنسوب ومغزو فهو في معنی اسم المفعول إذ منسوب ومغزومن أسما المفعولین، تقول: نسبته فهو منسوب وغزوته فهو مغزو، و قالوا :هذا رجل ذومال وامرأة ذات مال، فهذا ایضاً لیس مأخوذاً من فعل وإنما هو واقع موقع اسم الفاعل وفي معناه ،لأنّ قولک ذومالٍ بمعنی صاحب مال أو متمّول لانّه إذا کان ذامال کان متمّولاً . وقالوا: «مررت برجل أيّ رجل وایّما رجل» و برجلین أي رجلین وأیّما رجلین وبرجال أي رجال، وأیّما رجال أرادوا بذلک المبالغة فأيّ هنا لیس بمشتق من معنی یعرف وإنّما یُضاف إلی الاسم للمبالغة في مدحه ممّا یوجبه ذلک الاسم، فکأنک قلت کامل فی الرجولیة، وقالوا : «أنت الرجل کلّ الرجل وهذا العالم جِدّ العالم وحَقّ العالم»، جاووابهذه الألفاظ في صفات المدح والذم والمراد بها المبالغة فیما تضمّنه لفظ الموصوف ،فاذا قالوا الرجل کل الرجل فمعناه الکامل في الرجولة، وفي الأمثله التي جاء بها ابن جني في العبارات التي ذکرتها، هکذا تُؤوّل الجامد إلی المشتق، ومسلک ابن جني فی هذه المسأله مسلک غیره من النحویین ولیس هناک خلاف بینه وبین النحویین یُذکر.
6- جاء عنهم (العرب) نعت المفرد بالجمع – علی التأویل بالأجزاء:
جاء في الخصائص : «فأمّا قول مزاحم العقیلی:
لَظَلّ رَهیناً خاشعَ الطّرف حطّه تخلّب جَدوَی والکلامُ الطرائف
فوصفه بالجمیع، فإنّما ذلک وصفٌ علی المعنی کما حکی أبوالحسن عنهم من قولهم «ذهب به الدینار الحُمر و الدرهم البِیض » وکمال قال:
*تراها الضبع أعظمَهن رأسا *
فأعاد الضمیرَ علی معنی الجنسیة ، لاعلی اللفظ الواحد، لما کانت الضبع هنا جنساً ». [[الخصائص : 62]]
وجاء في مکان آخَر :«.... فإن قلت : فقد جاء عنهم نحو إمخاض وإسنام (وإصحاب) وإطنابة ، قیل: هذا في الأسماء قلیلٌ جدّاً ، وإنّما بابه المصادر البتة، وکذلک ماجاء عنهم من وصف الواحد بمثال أفعال ؛نحو: بُرمةٍ أعشارٍ، وجفنة أکسار ، وثوب أکباش وتلک الأحرف المحفوظة في هذا إنّما هي علی جعل کل جزء منها عشراً وکسراً وکبشاً ،وکذلک « کبد أفلاذ»، و «ثوب أهباب و أخباب» ،و «حبل أرمام و أرماث و أقطاع وأخداق»، و«ثوب أسماط»، کلّ هذا متأوّل فیه معنی الجمع». [[المصدر السابق : 625]]
في الأمثلة التي ذکرها ابن جنّي جاء نعت المفرد بالجمع وقد علّله ابنُ جنّي بأنّه وصف علی المعنی و الأمثله کلها متأوّله فیها معنی الجمع ، وهذا هوالتعلیل الذي ذکره النحویون ،من بعد ابن جنّي، قال العکبري في هذا المجال :
«فأمّا قولهم: ثوبُ أسمال ، وبُرمة أعشار فإنّما جاز لمّا کان الثوب یجمع رقاعاً و کأنّ کل ناحیة منه سمل ، والبُرمة مجتمعة مِن أکسار، فصار التقدیر ذات أکسار». [[اللباب للعُکبري : 1/405]]
وقد أضاف الرضي إلی تعلیل العُکبري تعلیلاً آخَر، قال في مبحث مطابقة النعت للمنعوت : «... و أمّا بُرمة أعشار وأکسار وثوب أسمال ونطفة أمشاج فلأنّ البُرمة مجتمعة من الأکسار والأعشار ، وهي قِطَعها، والثوب مؤلّف من قِطَع کل واحدمنها سمل أي خلق ، والنطفة مرکبة من أشیاء کل منها مشیج، فلّما کان مجموع تلک الأجزاء: ذلک الشيء المرکّب منها جاز وصفه بها، وجرّأهم علی ذلک کون «أفعال» جمع قلّة فحکمه حکم الواحد، قال الله تعالی: «نسقیکم ممّا في بطونه » [[النحل:66 ] ] والضمیر للأنعام؛ وقال سیبویه : أفعال : واحد لاجمع وجاء قمیص شراذم ، وحم خرادیل». [[ شرح الرضي علی الکافیه : 2/307-306]]
وعلی کُلٍّ هذان التعلیلان هو نفس التعلیل الذي ذکره ابن جني و هو حمل هذه الأمثلة علی المعنی . ویُفهَم ممّا ذکرنا أنّه ذهب إلی أنّ أفعال « جمع بخلاف ما ذهب إلیه سیبویه کما ذکره الرضي في شرحه علی الکافیة ».
7- نعت المفرد بالجملة یّؤتی فیه بـ «الذي » لِتُباشَر المعرفة بلفظ حرف التعریف ، إصلاحاً للفظ : جاء في الخصائص : « ومن ذلک أنّهم لمّا أرادوا أن یَصِفوا المعرفة بالجملة کما وَصَفوا بها النکرة (ولم ) یَجُز أن یجروه علیها لکونها نکرة أصلحوا اللفظ بإدخال (الذي ) لتُباشَر بلفظ حرف التعریف المعرفة ، فقالوا: مررت بزید الذي قام أخوه ،ونحوه». [[ الخصائص: 258]]
یُفهُم من هذه العبارة مسائل:
الأولی : لا تُوصَف المعرفة بالجملة .
الثانیة : الجملة نکرة بخلاف مَن یقول إنّها لیست معرفة ولانکرة .
الثالثة : إذا توسّط بین المعرفة والجملة، الذي، جاز وصف المعرفة بها.
قال ابن یعیش :« واعلم أنّه «لایُنعَت بالجملة معرفة» لو قلت هذا زیدٌ ابوه قائم علی أن تجعل الجملة صفة لم یجزفإن جعلته حالاً جاز وإنّما لم تُوصَف المعرفة بالجملة لأنّ الجملة نکرة فلاتقع صفة للمعرفة لأنّها حدیث ألا تری أنّها تقع خبراً ، نحو: زیدٌ ابوه قائم ومحمد قام ابوه ، وإنّما تحدث بما لایعرف فتفید السامع مالم یکن عنده فإن أردت وصف المعرفة ، بجملة أتیت بالذي و جعلت الجملة في صلته فقلت : مررت بزید الذي أبوه منطلق فتوصلت بالذي إلی وصف المعرفة بالجملة کما توصلت بأيّ إلی نداء مافیه الألف واللام نحو: یا أیها الرجل». [[ شرح المفصل لابن یعیش : 3/54]]
وقال الرضي : «اعلم أن الجملة لیست نکره ولامعرفة ....فإن قیل فاذا لم تکن الجملة لامعرفة ولانکره فلم جازنعت النکرة بها دون المعرفة ؟
قلت : لمناسبتها للنکرة من حیث یصحّ تأویلها بالنکره کما تقول في قام رجل ذهب أبوه ، أو أبوه ذاهب قام رجل ذاهب اوبه وکذا تقول في مررت برجل أبوه زید : إنّه بمعنی : کائن أبوه زیداً ... ». [[شرح الرضي علی الکافیه : 2/297]]
وعلی کلّ حال إن کانت الجملة نکرةا فإنّ اجماع العرب علی أنّها لایَجوز وصف المعرفة بها و لاخلاف بین النحویین في هذه المسألة وقد رأینا أنّ ابن جنّي صرّح به حیث قال: لمّا ارادوا أن یَصِفوا المعرفة بالجملة کما وصفوا بها النکرة، ولم یجز أن یجروها علیها ... أصلحوا اللفظ بإدخال الذي . ویُفهَم من هذا الکلام أنّ لیس هناک خلاف بین العرب في استعمال الذي فی مثل هذا المکان .
8-المعرفة لاتوصف بالنکرة :
جاء في الخصائص : «والمعرفة لاتوصف بالنکرة » [[ الخصائص : 321]]
وقال ابن السراج :« النعت ینقسم بأقسام المنعوت في معرفته ونکرته ، فنعت المعرفة ، معرفة ونعت النکرة ، نکرة ... » . [[الاصول في النحو لابن السراج: 3/23]]
وقال ابوعلي الفارسي : «الصفة مثل الموصوف في تعریفه وتنکیره فصفة المعرفة ، معرفة وصفة النکرة ، نکرة ٌ : ولایجوز وصف المعرفة بالنکرة ولا النکرة بالمعرفة ، لأنّ الصفة ینبغي أن تکون الموصوف في المعنی ،والنکرة تدلّ علی العموم والشیاع ،والمعرفة مخصوصة : فمن حیث لم یجز أن یکون الجمیع واحداً والواحد جیمعاً ، لم یجز أن یُوصَف کل واحدٍ منها إلّا بما یُلائمه وما هو وِ فقُه ... » . [[الایضاح لابي علي الفارسي : 215-214]]
وقال ابن جنّي في اللمع ،ایضاً: « اعلم أنّ الوصف لفظ یتبع الموصوف تجلیة له، وتخصیصاً ممّن له مثل اسمه بذکر معنی في الموصوف أو في شيء من سببه ولایکون الوصف إلّا مِن فعل أوراجعاً إلی معنی فعل؛ والمعرفة تُوصَف بالمعرفة ، والنکرة تُوصَف بالنکرة، ولاتوصف معرفة بنکرة ولانکرة بمعرفة، والأسماء المضمرة لا تُوصَف ... تقول في النکرة جاء ني رجلٌ عاقلٌ و رأیت رجلاً عاقلاً ومررت برجلٍ عاقلٍ ، وتقول في المعرفة هذا زید العاقل ورأیت زیداً العاقل ومررت بزید العاقل، وتقول فیما تصفه بشيء من سببه : هذا رجلٌ عاقلٌ أبوه، ومررت بزیدٍ الکریم أبوه ؛ لوقلت : مررت بزیدٍ ظریفٍ . علی الوصف لم یجُز ، لانّ المعرفة لاتوصف بالنکرة.... ». [[ اللمع لابن جني : باب الوصف]]
فالمعرفة لاتوصف بالنکرة والنکرة لاتوصف بالمعرفة لأن الصفة جزء من الموصوف ومن المحال أن یکون الاسم الواحد في حالة واحدة معرفة ونکرة لأنّ الضدّین لایجتمعان.
«واجاز بعض الکوفیین وصف النکرة بالمعرفة فیما فیه مدح أوذمّ ، استشهاداً بقوله : «ویلٌ لکلّ همزة لُمزة الذي جمع مالاً وعدّده» ،[[الهُمزة:1و2]] والجمهور علی أنه بدل، اونعت مقطوع رفعاً ونصباً .
وأجاز الأخفش وصف النکرة الموصوفة بالمعرفة ، قال : الاولیان [[ إشارة إلی الآیة رقم107من سورةالمائدة: «فإن عثرعلی أنّهمااستحقا إثماً فآخران یقومان مقامهما من الذین استحقّ علیهم الأولیان »]] صفة «الآخران یقومان مقامها » و الأولی أنه بدل، أو خبر مبتدإٍ محذوف» .
ونحن رأینا فیما قدّمنا أنّ ابن جنّي ذهب إلی أنّ المعرفة لاتوصف بالنکرة وکذلک النکرة لاتوصف بالمعرفة و هو في رأیه هذا یُوافق سلفه من العلماء البصریین والکثیرمن الکوفیین.
9- لایجوز تقدیم النعت أما یتعلق به علی المنعوت:
جاء في الخصائص :« ولا یجوز تقدیم الصلة ولاشيء منها علی الموصوف ولا الصفة علی الموصوف ... ». [[ الخصائص : 560]]
وجاء في مکان آخر : « ... فکما لایجوز تقدیم الصفة علی موصوفها، کذلک لایجوز تقدیم مااتّصل بها علی موصوفها، کما لایجوز تقدیم معمول المضاف إلیه علی نفس المضاف ... » [[ المصدر السابق : 564]]
و قال في باب الحمل علی أحسن الأقبحین : « ومثل ذلک قولک: فیها قائماً رجلٌ . لمّا کنت بین أن ترفع قائماً فَتقّدم الصفة علی الموصوف – وهذالایکون – وبین أن تنصب الحال من النکرة – و هذه علی قلّته جائز – حملت المسألة علی الحال فنصبت ». [[ المصدر السابق : 184]]
ویُبیّن ابن جني في هذه الأمکنة الثلالة أنّ تقدیم الصفة علی الموصوف وکذلک تقدیم ما اتّصل بالصفة علی الموصوف غیر جائز.
قال ابوعلي الفارسي : « وقال: في حلّ بني فلان ،و في مَحَلّتهم ،قال ابوعلي – أیّده الله – فهذا یدّل علی أنّها في حَلّةالغور » ظرفٌ وحلٌّ وحلّة ٌ واحدٌ ، ورایت القطرَبُلیّ حکی عن ثعلب بیت الکتاب:
* کأنّ الثریّا [حلّةَ الغور] مُنخُل *
قال ابوعلي – أیّده الله -: وهذا لاینبغي : لأنّه کالصفة تَتقدّم علی الموصوف». [[ المسائل البصریات : 1/501-500]]
وقد أشار ابوعلي إلی أنّ تقدیم الصّفة علی الموصوف لاینبغي، أي غیرجائز، وأمّا المصرع الذي ذکره في العبارة من أبیات سیبویه في الکتاب ، قال سیبویه في باب ما بنتصب من الأماکن والوقت : وسمعنا بعض العرب یُنشده کذا:
سری بعد ماغار الثریّا وبعدما کأنّ الثُّرّیا حلّة الغور مُنخُل
أي : قصده ، یقال حلّة الغور أي قصد و سمعنا ذلک ممّن یُوثَق به من العرب والبیت في وصف طارق السری في اللیل بعد أن غارت الثریا أوّل الیل. وذلک في استقبال زمن القیط ، وشبّه الثریا في اجتماعها واستدراة نجومها بالمنخل والشاهد فیه علی الروایة الصحیحة نصب « حلّة الغور» علی أنّها ظرف ومعناها قصد الغور ومَحَلّه وقد أنکر الفارسي روایة القطربلی « حلت» بالفعل فیکون جملة « حلت الغور» کانّها حال للتریا.
10- الأصل في الأعلام الّا توصف:
جاء في الخصائص : « ومن ذلک ما قال أصحابنا » أنّ وصف العلم جارِ مجری نقض الغرض، وذلک أنّ العَلَم أنّما وُضِعَ لِیُغني عن الأوصاف الکثیرة ، ألا تری أنّک اذا قلت : قال الحَسَن في هذه المسألة کذا .فقد استغنیت (بقولک الحسن) عن قولک: الرجل الفقیه القاضي العالم الزاهد البصري الذي کان من حاله کذا، ومن أمره کذا فلمّا قلت: الحسن أغناک عن جمیع ذلک . فإذا وُصِفَ العلمُ فلأنّه کثُر المسمّون به ، فدخله اللبس في ما بعد، فلذلک وُصِف؛ ألاتری أنّ ما کان من الأعلام لاشریک له في العلمیة فإنّه لایُوصَف . وذلک کقولنا: الفرزدق ، فإنّه لا یُوصَف فیقال التمیمي، ولانحوذلک ، لأنّه لم یسمّ به أحدٌ غیره. وإذا ذکرته باسمه الذي هو همّام، جاز وصفه ، فقلت : همّام بن غالب،لأنّ همّاماً شُورِکَ فیه . فجاز لذلک لحاق الوصف له .» [[الخصائص : 794]]
یُفهَم من هذه العبارة أنّ العلم إذا لم یُشارَک فیه لایجوز وصفه.
قال ابوعلي في الإیضاح:« فالعَلَم الخاص یُوصَف بثلاثة أشیاء: بالمضاف إلی مثله : وبالألف واللام. وبالأسماء المُبهَمة، فالمضاف نحو: مررتُ بزید صاحب عمروٍ ، وبزید أخیک ،والألف واللام نحو بعمرٍ و الطویل ، والمبهم نحو: مررت بزید هذا وبمعرٍو ذاک».[[الإیضاح لابي علي الفارسي : 218]]
ولیس هناک خلاف بین ابن جنّي وشیخه أبي علي لانّه لم یَقُل إن الأعلام لاتُوصف ابداً، وإنّما قال الأصل في الأعلام أن لا یوصف ، ثُمّ قال: إنّ الأعلام إذا شُورک فیها تُوصَف ،وقال إنّ الأعلام لاتوصف علی التخصیص و التخلیص ، حیث قال: «فإن قلت: فقد یکثر في الأنساب وصف کثیر من الأعلام التي لاشرکة فیها، نحو قولهم : فُلانٌ ابن یشجب بن یعرب بن قحطان، و نظائره کثیرة ، قیل: لیس الغرض إلا التنقّل به والتصعّد إلی فوق وإعلام السامع وجه النسب ، وأن فلاناً اسم أبیه کذا، واسم جدّه کذا،و اسم أبي جدّه کذا، فإنّما البغیة بذلک استمرار النسب ، وذکر الآباء شیئاً فشیئاً علی توال. و علی هذا یجوز أیضاً أن یقال: الفرزدق بن غالب ، فأمّا علی التخلیص و التخیصص فلا». [[ الخصائص : 795-794]]
11- الاسم العامل عمل فعله إذا وصف لایعمل :
جاء في الخصائص : « وما أکثَرَ استعمالَ الناس لِهذا الموضع في محاوراتهم وتصرّف الانحاء في کلامهم! و أحد من اجتاز به البحتريُّ في قوله :
لاهَنَاک الشُغلُ الجدید بحُزوَی عن رسوم برامتین قِفارِ
فـ (عن) في المعنی متعلّقة (بالشغل ) أي لاهناک الشغل عن هذه الأماکن، إلّا أنّ الإعراب مانع منه و إن کان المعنی متقاضیاً له. وذلک أنّ قول (الجدید ) صفة للشغل ، والصفة إذا جرت علی الموصوف آذنت بتمامه، وانقضاء أجزائه ، فإن ذهبتَ تعلّق (عن) بنفس ( الشغل ) علی ظاهر المعنی ، کان فیه الفصل بین الموصول وصلته،وهذا فاسد ألا تراک لوقلت : عجبت من ضربک الشدید عمراً » لم یجُز ؛ لأنّه وصفت المصدر وقدبقیت منه بقیّة ، فکان ذلک فصلاً بین الموصول وصلته بصفة ، وصحّتها أن تقول: «عجبت من ضربک الشدید عمراً ، لأنّه مفعول الضرب وتنصب عمراً بدلاً من الشدید؛ کقولک : مررت بالظریف عمرو ، ونظرت إلی الکریم جعفر. فإن أردت أن تصف المصدر بعد إعمالک إیّاه قلت: عجبت من ضربک الشدید عمراً الضعیف إی عجبت من أن ضربت هذا الشدید ضرباً ضعیفاً، هذا تفسیرالمعنی. » [[الخصائص : 806]]
12- قطع النعت عن منعوته جائز وقدیکون مستحسناً :
جاء في الخصائص «... کقوله – عزّاسمُه - «بسم الله الرحمن الرحیم» فالسُّنّة المأخوذ بها في ذلک إتباع الصفتین إعراب اسم الله سبحانه والقیاس یُبیح أشیاء فیها وإن لم یکن سبیل إلی استعمال شيء منها ، نعم وهناک من قوّة غیر هذا المقروء به مالایشکّ أحدٌ من أهل هذه الصناعة في حُسنه ؛ کان یُقرَأ (بسم الله الرحمنُ الرحیمُ) برفع الصفتین جمیعاً علی المدح. ویجوز ( الرحمنَ الرحیمَ ) بنصبهما جمیعاً علیه. ویجوز ( الرحمنُ الرحیمَ ) برفع الأوّل و نصب الثاني. ویجوز (الرحمنَ الرحیمُ ) بنصب الأوّل ورفع الثاني و کلّ ذلک علی وجه المدح وما أحسنه ههنا وذلک أنّ الله تعالی إذا وُصِف فلیس الغرض في ذلک تعریفه بما یتبعه من صفته ، لأنّ هذا الاسم لایعترض شکٌّ فیه ، فیحتاج إلی وصفه لتخلیصه ، لأنّه الاسم الذي لایُشارَک فیه علی وجهه وبقیه أسمائه – عزوجل- کالأوصاف التابعة لهذا الاسم و إذا لم یعترض شک فیه لم تجيء صفته لتخلیصه ، بل للثناء علی الله تعالی. وإذا کان ثناء فالعدول عن إعراب الأوّل أولی به. وذلک أنّ إتباعه إعرابه جارٍ في اللفظ مجری مایتبع للتخلیص والتخصیص فإذا هو عُدِل به عن إعرابه عُلِم أنّه للمدح أوالذمّ في غیرهذا ، عزّالله تعالی، فلم یبق فیه هنا إلاّ المدح فلذلک قَوِيَ عندنا اختلاف الإعراب في الرحمن الرحیم بتلک الأوجه التي ذکرناها ولهذا في القرآن و الشعر نظائره کثیره » . [[المصدر السابق : 310-309]]
یُفهَم من هذه العبارة:
- قطع النعت عن منعوته جائز.
- وفي بعض الأحیان مستحسن.
- قطع النعت في الرحمن و الرحیم مستحسن لأنّ وجه الکلام علی المدح لا التخصیص .
قال النحاة إنّ جواز القطع مشروط ، بألّایکون النعت للتأکید ، نحو: أمس الدابر، و «نفخة واحدة». [[الحاقة: 13]]
لأنّه یکون قطعاً للشيء عمّا هو متصل به معنی لأنّ الموصوف في مثل ذلک نصّ في معنی الصفة دالٌ علیه فلهذا لم یقطع التأکید في : جاء ني القوم أجمعون أکتعون...
والشرط الآخران یعلم السامع من اتصاف المنعوت بذلک النعت ما یعلمه المتکلم، لأنّه إن لم یعلم، فالمنعوت محتاج إلی ذلک النعت لیبیّنه ویمیّزه . ولا قطعَ مع الحاجة وکذلک إذا وصفت بوصف لایعرفه المخاطب ، لکن ذلک الوصف یستلزم وصفاً آخر ، فلک القطع في ذلک الثاني اللازم ، نحو: مررت بالرجل العالم المبجّل فإن العلم في الأغلب مستلزم للتبجیل ، ومع الشرطین جاز القطع وإن کان نعتاً أّوِّل کقوله تعالی: « وامرأته حمالة الحطب» [[ المسد :4]] وقولک : الحمدلله الحمیدُ ،وشرط الزجاجي في القطع ، تکرار النعت والآیة ردّ علیه.
وإن کان النعت المراد قطعه معرفة ، وجب، ألّا یکون المنعوت اسم الأشاره لما ذکرنا أنّ اسم الاشارة محتاج إلی نعته لتبیین ذاته؛ وإن کان نکرة ، فالشرط سبقه بنعت آخر مبیّن ، وألاّیکون النعت الثاني، أیضاً ، لمجرد التخصیص ، لأنّه إذا احتاجت النکرة إلی ألف نعت لتخصیصها لم یَجُز القطع إذلا قطعَ مع الحاجة: والأعرف مجيء نعت النکرة المقطوع بالواو الدالّة علی القطع والفصل ، إذ ظاهر النکره محتاج إلی الوصف . فأکد القطع بحرف هونصّ في القطع ، أعني الواو ، قال:
ویأوي إلی نسوة عُطّل وشعثاً مراضیع مثل السعالی
ویجُوز في المعرفة أیضاً القطع مع الواو،کقول الخرنق :
لایَبعَدن قومي الذین هم سُمّ العداة و آفة الجزر
النازلون بکل معترک والطیبون معاقد الأزر
والواو في النعت المقطوع ، اعتراضیة ، نصبته أو رفعته؛
ویَجُوز مخالفة النعت المقطوع للمنعوت تعریفاً وتنکیراً کقوله تعالی:« ویلٌ لِکل هُمزةٍ لُمَزة ، الذي جمع مالاً وعَدّده ». [[الهمزة : 2و1]]
وإذا کثُرت نعوت شيء معلوم : أُتبِعَت أوقُطِعَت أو أُتبِعَ بعض دون بعض بشرط تقدیم الإتباع ، إذا الإتباع بعد القطع قبیح ؛ والأکثر في کلّ نعت مقطوع أن یکون مَدحاًَ أوذمّاً أو ترحماً ، نحو: الحمدلله الحمید، ومررت بزید الفاسق وبعمروالمسکین وقد یکون تشنیعاً، نحو: بزید الغاصبُ حقّي؛ ویونس أوجب الإتباع في الترحّم ، إمّا علی النعت فیما أمکن وإمّا علی البدل فیما لم یُمکن ، نحورأیته البائس ومررت به المسکین ؛ والخلیل أجاز قطعه رفعاً ونصباً ، کما في المدح والذمّ؛ ولولم یتضمّن النعت شیئاً من المعاني المذکورة ، لم یَجُزقطعه.
13- قد یُحذَف الموصوف وتُقام الصفة مقامه مفردةً أو جملةً ، واکثر ذلک في الشّعر دون النثر: جاء في الخصائص : « وقد حُذف الموصوف وأُقیمت الصفة مقامه؛ وأکثرُ ذلک في الشعر. وإنما کانت کثرتُه فیه دون النثر من حیث کان القیاس یکاد یحظره وذلک أنّ الصفة في الکلام علی ضربین : إمُا للتخلیص والتخصیص ، و إمّا للمدح والثناء وکلاهما من مقامات الإسهاب والإطناب لامن مظانّ الإیجاز والإ ختصار وإذا کان کذلک لم یَلقِ الحذف به ولاتخفیف اللفظ منه. هذا مع ماینضاف إلی ذلک من الإلباس و ضِدّ البیان . ألاتری أنّک إذا قلت: مررت بطویل لم یَستبِن من ظاهر هذا اللفظ أنّ المرور به إنسان أو رمح أو ثوب أو نحوذلک. وإذا کان کذلک کان حذف الموصوف إنّما هومتی قام الدلیل علیه أَوشَهِدَتِ الحالُ به کلّما استبهم الموصوف کان حذفه غیر لائق بالحدیث وممّا یؤکّد عندک ضعف حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه أنّک تجد من الصفات مالایمکن حذف موصوفه وذلک أن تکون الصفة جملة، نحو: مررت برجل قام أخوه، و لقیت غلاماً وجهه حسن. ألاتراک لوقلت : مررت بقام أخوه، أولقیت وجهه حسن، لم یحسن . فأما قوله:
والله مازید بنام صاحِبُه ولامخالِط اللیان جانِبُه
فقد قیل فیه : إنّ (نام صاحبه ) عَلَم اسمٌ لِرجل ، وإذا کان کذلک جری مجری ، قوله :
* بني شاب قرناها... *
فإن قلت فقوله :
* ولامخالط اللیان جانبه *
لیس علماً و إنّما هو صفة وهو معطوف علی (نام صاحبه ) فیجب أن یکون قوله : (نام صاحبه ) صفة ایضاً .قیل: قدیکون في الجمل إذا سُمّي بها معاني الأفعال فیها. ألاتری أنّ (شاب قرناها تصّر وتحلب) هواسم علم ، وفیه مع ذلک معنی الذمّ و إذا کان کذلک جاز أن یکون قوله : (ولامخالط اللیان جانبه) ، معطوفاً علی ما في قوله (مازید بنام صاحبه ) من معنی الفعل ». [[الخصائص : 549-548]]
یُفهَم من هذه العبارة مسائل وهي :
1- قد یُحذَف الموصوف وتُقام الصفة مقامه.
2- حذف الموصوف في الشعر کثیر بخلاف النثر لأن القیاس یکاد یحظره.
3- الصفة في الکلام تأتي للإسهاب والإطناب والإطناب ضدّ الإیجاز والاختصار.
4- لم یحسُن في لقیت غلاماً وجهه حسن حذف الموصوف .
وقال الرضي في شرح الکافیة : « اعلم أنّ الموصوف یّحذَف کثیراً ، إن عُلِمَ ، ولم یُوصف بظرف أوجملة ، کقوله تعالی : « وعندهم قاصرات الطراف عین » [[الصافات: 48]] فإن ، وُصِف بأحدهما اجاز کثیراً ایضاً بالشرط المذکور بعد لکن ، لاکالاوّل في الکثرة لأنّ القائم مقام الشيء ینبغي أن یکون مثله ، والجملة مخالفة للمفرد الذي هوالموصوف وکذا الظرف والجارّ لکونهما مقدّرین بالجملة علی الأصحّ: وإنّما یکثر حذف موصوفها بشرط أن یکون الموصوف بعض ما قبله المجرور بمِن أو في، قال تعالی : « ومنّا دون ذلک» [[ الجن:11]] و قال :«وما منّا إلّا لَه مقامٌ معلوم ». [[ الصافات : 164]] أي : ما من ملائکتنا إلاّملک له مقام معلوم. [[شرح الرضي علی الکافیه : 326-324]]
ولکنّ ابن جنّي لم یُجز حذف الموصوف وإقامة الصفة مقام الفاعل حیث قال:« وکذلک إن کانت الصفة جملة لم یَجز أن تقع فاعلة ولامقامة مقام الفاعل : ألا تراک لاتُجیز «قام وجهه حسن » ولا «ضرب قام غلامه» ، وانت ترید : «قام رجل وجهه حسن » ولا «ضرب إنسان قام غلامه »وکذلک إن کانت الصفة حرف جرّ أو ظرفاً لایستعمل استعمال الأسماء، فلو قلت : جاء ني من الکرام؛ أي رجل من الکرام. أوحَضَرني سواک ؛ أي إنسان سواک؛ لم یحسُن لأنّ الفاعل لایُحذف ».[[ الخصائص : 549]]
وعلّة ذلک أنّ الفاعل عُمدة والعمدة لاتُحذف من الجملة وهذا شيء لاخلاف فیه بین النحاة .
وعلی کلٍّ فالموصوف کثیراً ما یُحذَف في الجملة ؛ دونک في هذا المجال شواهد قرآنیه وشعریة:
- قوله تعالی :« وعندهم قاصرات الطرف» [الصافات : 247] أی حُورٌ قاصرات .
- وقوله تعالی : «وألّنا له الحدید أن اعمل سابغات» [[ سباء: 10-11]] أي دروعاً سابغات.
- وقوله تعالی: « فلیضحکو قلیلاً ولیبکوا کثیراً» [التوبة : 82]أي ضحکاً قلیلاً و بُکاءً کثیراً.
- وقوله تعالی : « وذلک دین القیّمه » [البینة : 5] أي دین الملّة القیمة .
- وقوله تعالی: « حبّ الحصید» [ق: 9] ، أي حب النبت الحصید.
- وقول الشاعر : أنا ابنُ جلا وطلّاع الثنایا .... قیل تقدیره أنا ابن رجل جلا الأمور
وقول الآخر :
نُبّئت أخوالي بني یزید ظُلماً علینا لهم فدید
فیزید : منقول من نحو قولک:« المال یزید» لامن قولک یزید المال ، وإلاّ لأعرب غیر منصرف فکان یفتح لإنّه مضاف إلیه. [[الخصائص : 549]]
14- قد تُحذف الصفة وتدل الحال علیها :
جاء في الخصائص : «وقد حُذفت الصفة ودلّت الحال علیها ، وذلک فیما حکاه صاحب الکتاب من قولهم: سِیر علیه لیل ،وهم یریدون : لیل طویل .وکأنّ هذا إنّما حُذفت فیه الصفة لما دلّ من الحال علی موضعها وذلک أنّک تحس في کلام القائل لذلک من التطویح والتطریح والتفخیم والتعظیم مایقوم مقام قوله : طویل أونحو ذلک وأنت تحس هذا من نفسک إذا تأمّلته وذلک أن تکون في مدح إنسان والثناء علیه ، فتقول : کان والله رجلاً ! فتزید في قوة اللفظ ب (الله ) هذه الکلمة ، وتتمکّن في تمطیط اللام وإطالة الصوت بها «وعلیها » أي رجلاً فاضلاً أوشجاعاً أوکریماً أونحوذلک و کذلک تقول: سألناه فوجدناه إنساناً! و تُمکّن الصوت بإنسان وتُفخمّه ، فتستغني بذلک عن وصفه بقولک : إنساناً سمحاً أوجواداً أو نحو ذلک . وکذلک إن ذممته وصفته بالضیق ، قلت : سألناه وکان إنساناً ! وتزوي وجهک وتقطّبه فیّغني ذلک عن قولک: أنساناً لئیماً أو لجزاً أومبخلاً أونحو ذلک . فعلی هذا وماجری مجراه تُحذَف الصفة فأمّا إن عَرِ یت من الدلالة علیها من اللفظ أو من الحال فإنّ حذفها لایجوز، ألا تراک لوقلت : وردنا البصرة فاجتزنا بالأُبَلّة علی رجل ، أو رأینا بُستاناً وسکتّ لم (تفد بذلک ) شیئا ً؛ لأنّ هذا ونحوه ممّاّ لایعرَی منه ذلک المکان ، وإنّما المتوقع أن تصف من ذکرت أوما ذکرت . فإن لم تفعل کلّفت علم ما ( لم تدلل ) علیه ؛ وهذا لغوٌ من الحدیث وجورٌ في التکلیف . ومن ذلک مایُروی في الحدیث :« لاصلاة لجار المسجد إلا في المسجد » أی لاصلاة کاملة أو فاضلة ونحو ذلک و قد خالف في ذلک من لایُعدّ خلافه خلافاً ». [[ الخصائص : 552-551]]
یُفهَم من هذه العبارة أنّ حذف الصفة جائز ولکن بشرط دلالة الحال علیها و إذا لم تدل الحال علیها فحذ فها غیر جائز وذکر ابن هشام شواهد قرآنیة وشعریة في هذا المجال ، [[ مغني اللبیب: 2/819-818]]منها:
- قوله تعالی : «یأخذُ کلَّ سفینة عصباً » [ الکهف : 79] أي صالحة بدلیل أنه قُرِئ کذلک ، و أن تعیبها لایخرجها عن کونها سفینة فلافائدة فیه حینئذٍ.
- وقوله تعالی : «قالوا الآنَ جِئت بالحقّ» [[البقرة : 71]] أي الواضح.
- وقوله تعالی : «وما نُریهم من آیةٍ إلّا هي أکبر من أختها» [[الزخرف : 48]] أي من أختها السابقة .
-وقوله تعالی :« قل یا أهل الکتاب لَستُم علی شيء» [[المائدة :68]] ، أي نافع.
- وقوله تعالی:« إن نظنّ إلاّ ظّنا » [[ الجاثیة : 32]] ، أي ضعیفاً .
- وقول الشاعر:
* فلم أعط شیئاً ولم أمنع *
أي : لم أُعطَ شیئاً طائلاً .
-وقول الآخَر :
* ولیست دارُنا ها تا بدارِ*
أي : بدار طائلةٍ:
ونستطیع القول إنّ في هذه الشواهد دلالة الحال علی حذف الصفة موجودة و لو لم تکن الدلالة ، ما حُذِفتِ الصفات.
15- المُضمَرُ لایُوصَف :
جاء في الخصائص : « وکذلک لو قیل لک : أضمر رجلاً من قولک: رُبّ رجل مررت به لم یَجز ، (لأنک تصیر) إلی أن تقول رُبَّه مررت به فتعمل ربّ في المعرفة فأمّا قولهم: رُبَّه رجلاً ورُبَّها امرأة ، فإنّما جازذلک لمُضارعة هذا المُضمَر للنکرة ، إذ کان إضماراً علی غیرتقدّم ذکر ومحتاجاً إلی التفسیر فجری تفسیره مجری الوصف له فلمّا کان المضمر لایوصف، ولحق هذا المضمر من التفسیر ما یضارع الوصف خرج بذلک عن حکم الضمیر وهذا واضح ، نعم ، ولوقلت : ربّه مررت به ، لَوَصَفتَ المضمر : والمضمر لایوصف وأیضاً فإنّک کنت تصفه بالجملة وهي نکرة و المعرفة لاتوصف بالنکرة ». [[ الخصائص : 321]]
یفهمم من هذه العبارة مسائل ، هي:
- قدیضارع المضمر للنکرة ، نحو: ربّه رجلاً وربّها امرأة .
- المعرفة لاتوصف بالجملة لأنّ الجملة نکرة والمعرفة لاتوصف بالنکره وقد تحدثنا عنه في مکانه.
- المضمر لایوصف ، فلایجوز أن یقال: ربّه مررت به.
قال سیبویه : « وأما قوله عزّوجلّ: « هوالحقّ مُصدّقاً» ،[[ فاطر: 31]] فإنّ الحق لایکون صفة لهو من قِبَل أنّ هو اسم مضمر والمضمر لایوصف بالمظهر أبداً ، لأنّه قداستغنی عن الصفة و إنّما تضمر الاسم حین یستغنی بالمعرفة فمن ثَمّ لم یکن في هذا الرفع کماکان في هذا الرجل، ألاتری أنّک لوقلت : مررت بهوالرجل ، لم یَجز و لم یحسُن ، ولو قلت : مررت بهذا الرجل کان حسناً جمیلاً ». [[ الکتاب: 2/88]]
وقال ابوعلي الفارسي في الإیضاح: « فأمّا المضمر فلایوصف بالأسماء المظهرة ». [[الإیضاح لا بي علي الفارسي : 218]]
وقال ابن یعیش في شرح المفصل :« فأمّا المضمرات فلاتوصف وذلک لوضوح معناها ومعرفة المخاطب بالمقصود بها إذ کنت لاتضمر الاسم إلاّ وقد عرف المخاطب إلی من یعود ومن تعني فاستغني لذلک عن الوصف ولایوصف بها لأن الصفة تحلیة بحال من أحوال الموصوف والمضمرات لااشتقاق لها فلاتکون تحلیة » . [[شرح المفصل لابن یعیش : 3/56]]
وقال ابن جني في اللمع أیضا ً: «والأسماء المضمرة لاتوصف لأنّها إذا أضمرت فقد عرفت فلم تحتج إلی الوصف لذلک» .[[ اللمع : باب الوصف]]
هذا کما قال لوقلت مررت به المسکین وجعلت المسکین صفة للها ء لم یجزلِأنّ الهاء في غایة الإیضاح والبیان فلو احتاج إلی الوصف لکان إظهاره أولی ، فإن قیل : فقدجاء في قوله تعالی: «لا اله الا هو العزیز الحکیم » [[آل عمران : 6]]
فجعل العزیز الحکیم و صفاً لهو، فلیس بوصف لأنّه یمکن أن یکون بدلاً من «هو» أوخبر مبتدأ فلا احتجاج فیه فالمضمر لایوصف لاستغنائه عن الوصف وقوله بذکر معنی فی الوصف یعنی الظریف بعد زید و هوذکر للظرافة في الموصوف.
وقال الرضی فی شرح الکافیة:« إنّ المضمر لایوصف و لایوصف به أمّا أنّه لایوصف، فلأنّ المتکلّم والمخاطب منه: أعرف المعارف والأصل في وصف المعارف ، أن یکون للتوضیح ،و توضیح الواضح تحصیل للحاصل، و أما الوصف المفید للمدح أوالذمّ ، فلم یستعمل فیه ، لأنّه امتنع فیه ما هو الأصل في وصف المعارف .
ولم یُوصف الغائب إمّا لِأنّ مفسّره فی الأغلب لفظيّ ، فصار سبب واضحاً غیرمحتاج إلی التوضیح المطلوب في وصف المعارف في الأغلب ، وإمّا لِحمله علی المتکلّم والمخاطب لأنّه من جنسهما،
وأمّا أنّه لایوصف به ، فلما یجيء من أنّ الموصوف في المعارف ینبغي أن یکون أخصَّ أو مساویاً، ولا أخصّ من المضمر ، ولامساويَ له ، حتی یقع صفة ، وقول بعضهم : لم یقع صفة لأنّه لایدّل علی معنیً ، فیه نظر، إذهو یدلّ علی ما یدلّ علیه مفسّره فلو رجع إلی دالّ علی معنیً کاسم الفاعل، واسم المفعول ،والصفة المشبهة لدلّ أیضاً علیه ؛کقولک : زیدٌ کریم أنت هو وأجاز الکسائي وصف ضمیر الغائب في نحو قوله تعالی: « لا الهَ إلّا هوالعزیز الحکیم» [[آل عمران : 6]] ، وقولک : مررت به المسکین ، والجمهور یحملون مثله علی البدل ». [[شرح الکافیه : 2/310]]
وعلی کلٍّ رأینا من خلال هذه النصوص أنّ لیس هناک خلاف بین جمهور النحویین في أنّ المضمر لایوصف و لایوصف به وکذلک رأینا أنّ ابن جنّي ذهب إلی أنّه لایجوز وصف المضمر و اشار إلی هذه المسألة في کتابَیه الخصائص واللمع.
ونختم الکلام عن النعت بقولٍ مُوجز حول أضرب النعت والعامل فیه :
النعت علی ثلاثة أضرب:
- نعت یُذکر للتخصیص مثل قولک : جاءني رجلٌ ظریفٌ ، و قولک : رجلٌ مِن بني تمیم قائم، فرجل نکرة غیر مخصوص فلمّا أردت تخصیصه جئت بالصفة لیتمیّز من رجل غیرظریف ومن رجل من غیر بنی تمیم .
- والثاني : نعت یُذکر للتحلیة والبیان کقولک: جاء ني زیدٌ الظریف .
- والثالث : صفة (نعت) تذکر علی سبیل المدح والثناء أوعلی سبیل الذمّ والتحقیر، قال الله عزوجل:
«بسم الله الرحمن الرحیم» فقوله : الرحمن الرحیم صفتان جاریتان علی الموصوف علی سبیل الثناء والمدح والتعظیم لاعلی جهة التخصیص ولاعلی جهة التحلیة کما أشار إلیه ابن جنّي في ما مضی.
والنعت یَتبع الموصوف أوالمنعوت في عشرة أشیا: في الرفع والنصب والجرّ والتوحید والتثنیة والجمع والتعریف والتنکیر والتذکیر والتأنیث، فالمعرفة لاتّوصف بالنکرة والنکرة لاتُوصف بالمعرفة لأنّ النعت جزءٌ من المنعوت ومن المحال أن یکون الاسم الواحد في حالة واحدة معرفة ونکرة ، واختلفوا في العامل في الصفة فقال سیبویه : العامل في الصفة هوالعامل في الموصوف وزعم الأخفش أنّ العامل في الصفة کونه تابعاً للموصوف فالتبعیة مؤثرة في هذا الباب لإنّه جاء في التوابع مالایلط العامل وذلک نحو أجمعین وأکتعین فلایجوز جاءني أجمعون قتولیه العامل فعلم أنّ اعرابه أنّما هوالکوفه تبعاً ، ویحتج أیضاً بقوله تعالی :« قل إنّ المَوتَ الذی تفرّونَ منه فإنّه مُلاقیکم » [الجمعة: 8] یقول إنّ الموت اسم « إنّ » و«الذی تفرّون منه» صفة له وقوله « فإنّه ملاقیکم» هو الخبر والفاء زائدة ولا أجعل الفاء غیرزائدة احتجاجاً بأنّ الذي لماجری وصفاً علی الموت صار کالجزء منه وصارکأنّه اسم إن فجاءت الفاء لأنّ الاسم تضمّن معنی الشرط والجزاء کأنّه قال: إنّ الذي تفرون منه فإنّه ملاقیکم ،هذا لایجوز بتة لامن جهة اللفظ ولامن جهة المعنی، أمّا من جهة اللفظ فإنّ الجزء الذي هو الشرط لازم لترتیب الجزاء علیه والوصف غیرلازم للموصوف لأنّ الاسم یجوز أن یوصف ویجوز أن لایوصف ، فإذا لم یلزم الوصف الاسم لم یلزم إدخال الفاء فی خبرالاسم لأنّ وصفه بمایوجب إدخال الفاء غیرلازم بخلاف الشرط، وأما من جهة المعنی فإنّ ماکان شرطاً یجوز أن یکون ویجوز أن لایکون والموت لاق فرّوا أولم یفرّوا، فإذاً الفاء لم یلحق لمعنی الجزاء ولالمعنی العطف فثبت أنها زائدة .
و أما سیبویه فانّه یجعل العامل في الصفة هوالعامل في الموصوف ویَحتجّ بالآیة لأنّ الفاء دخلت لما جری الموصول علی اسم « إنّ » فصار الموصول کانّه هوالاسم لإنّ الصفظ کالجزء من الموصوف ولهذا یعتبرفیه التعریف والتنکیر کما یعتبر فی الموصوف والجزاء صالح. و فی الایة ردٌّ علی من اعتقد أنّ فراره من الموت ینجحه فقال أنّه لاق إن فررتم ، وهذا کما جاء:
و من هاب أشباب المنیة یلقها ولو رام أسباب السّماء بسلّم
فالفاء هو علی جهة الشرط والجزاء ولیس لک فی الایة حجة . وأمّا أجمعون فإنّه لم یل العامل لأنّهم لم یستعملو والقیاس لایمنع من ذلک فهذا بمنزلة الأمثال التی تحمی ولاتغیر جهة السماع.
المصادر:
1ـ القرآن الکریم.
2ـ ابن جنّي ، ابوالفتح عثمان ، الخصائص ، عالم الکتاب ، الطبعة الأولی ، 2006م.
3ـ ابن جنّي ، اللمع
4ـ ابن السراج ، ابوبکر محمد بن سهل ، الأصول في النحو ، مؤسسة الرسالة.
5ـ ابن هشام الأنصاري ، مغني اللبیب عن کتب الأعریب ، منشورات سیّدالشهداء ، قم ، 1375ه.ش.
6ـ إبن یعیش ، شرح المفصل ،إدارة الطباعة ،المنیرة ، مصر.
7ـ أبوعلي الفارسي ، الإیضاح ، عالم الکتاب ، بیروت ، الطبعة الثانیة ، 1996م.
8ـ أبو علي الفارسي ، المسائل العسکریات ، مطبعة المدني ، مصر ، الطبعة الأولی ، 1985م.
9ـ الرضي الاسترآباذي ، شرح الکافیة ، منشورات جامعة قاریونس (بنغازي) ، الطبعة الثانیة ، 1996م.
10ـ سیبویه ، الکتاب ، مکتبة الخانجي بالقاهرة ، الطبعة الثالثة ، 1988م.
11ـ العُکبري ، ابوالبقاء عبدالله بن الحسین ، اللُباب في علل البناء والإعراب ،دارالفکرالمعاصر ،الطبعة الأولی ، 1995م.