عرس الشجر - الكتاب الفلسطيني - طلعت سقيرق



تأبى الطبيعة رغم الحرائق والدمار والخراب الذي يسوقه الاحتلال ليكون عنوان الحياة في فلسطين ، إلا أن تعلن في آذار الذي يختتم أيامه بيوم الأرض ، عرس الشجر ربيعا أخضر يتحدى الآلة الهمجية الصهيونية في سوادها وعتمتها .. فآذار الذي فجر في الثلاثين من آذار عام 1976 طلقة الشهداء ليكون عيدا للأرض نتذكره كل عام ونقفل عليه القلوب كي يبقى أريج الورد أحلى وأعلى ، يأتي هذا العام مصرا على الدخول أكثر في عرس الشجر وعرس الأرض الواقفة بشموخ وكأنه يعلن للعالم كله أنّ فلسطين تبقى عرسا رائعا للشجر الواقف بثبات لا يتزعزع، عرسا رائعا للشجر الذي لا يعرف الانحناء ..
تزهر الأرض كعادتها كلّ عام غير آبهة باحتلال وبكل ما يخلفه الاحتلال من خراب، تزهر الطبيعة مدركة عارفة أنّ كل ما يحدث فوق أرض فلسطين من أمور تحاول الصهيونية الهمجية أن تترك آثارها على الحجر والشجر إنما هو مجرد صورة باهتة لعبور باهت ، بصمة غير مؤثرة لريح تمر ولا تترك أيّ شيء .. تزهر الأرض وتتزنر بنشيدها وحبها وأملها ، عارفة بل مدركة أنّ الوقت مهما طال فهو قصير جدا في عمر الشعوب ، وإذا كانت السنوات قد تراكمت احتلالا مرا صعبا ، فما أسهل أن تنكسر إلى غير رجعة عما قريب ، لأن عمر الأرض ، وعمر الشعوب ، لا يعبأ كثيرا بعدد السنوات وإن طالت مادام يعرف أنّ الحق في النهاية هو المنتصر دون أدنى شك ..ومهما كان الظنّ أن الاحتلال الصهيوني قد طال مقامه وأنه يعمل على البقاء في أرض فلسطين ، فشواهد التاريخ تبرهن على انه سيمضي بعد حين تاركا جملة في كتاب تقول مروا من هنا ليس إلا..ومن يراهن على التاريخ لن يخسر ، فالتاريخ كنس ألف محتل ومحتل ، واخذ إلى الزوال الكثير من الدول الاستعمارية ولن يكون حظ سيئة الذكر " إسرائيل "أحسن حالا ، فهي تكتب منذ الآن تاريخ زوالها لا بقائها ، وتاريخ فنائها لا ديمومتها.. وكل شبر من الأرض الفلسطينية يشهد على ذلك وسيشهد..
كان يوم الأرض ميلاد وردة ، وفضاء أغنية ، وذهاب عشاق للأرض في عيد عشقهم لها..لذلك كان آذار وما زال عرس الشجر وبداية الربيع وحكاية الأغنية التي لا تنام.. فالشباب الذين أشعلوا فتيل عيد الأرض في العام 1976 كانوا يعرفون أن القصيدة ستكبر بهم وأن آذار سيزهر بهم وأن الشجر سيعلن عرسه بهم ولهم .. كل وردة لشهيد ، وكل شهيد لوردة ، وكل زهرة لعاشق فلسطيني وكل عاشق فلسطيني لزهرة .. تلبس الأشجار أزهى حلتها وترقص رقصتها الربيعية التي لا تشبهها أي رقصة ، لأنها رقصة الشهداء فرحا بعيد الأرض ويوم الأرض وتفتح زهر الأرض على وعد الشمس بأن الإشراق لن يكون إلا على يديّ شهيد من شهدائها ، عاشق من عشاقها ، فالحرية لا تمنح نفسها بكل بهائها وجمالها وعلوها ورفعتها إلا لمن يستحق ، وليس هناك شعب في الأرض أعطى وما زال يعطي وسيعطي كشعب فلسطين ..منذ البداية أعلنها وما زال يعلنها لن تكون فلسطين إلا للحرية ولن تكون الحرية إلا لفلسطين لذلك دفع المهر وما زال يدفع وسيدفع على الطريق الطويل..يرفع رأسه متطلعا إلى يوم نصره القريب وما أقربه ..وهاهو الشجر في عرسه يشهد ويعلن أن فلسطين كانت بلد الحرية وستبقى ..

طلعت سقيرق

[/TD]
[/TR]
[/TABLE]
(نقل سهير ابنته)