حركة الترجمة وأثرها في الفكر العربي
من المعروف أن الحضارة العربية قد تكونت من علوم قديمة ظهرت في منطقة الهلال الخصيب ، وبسمات عربية ترجع أصولها الى شبه جزيرة العرب ـ موطن الساميين الأول ـ ومن العلوم العربية الإسلامية ، ومما نقل من علوم الأمم الأخرى كالهنود والفرس و الإغريق و غيرهم ..
ونتيجة لحركة الفتوحات الإسلامية ، اتصل العرب بالأمم الأخرى وكان لهذه الأمم تجارب حضارية . فبدأ الاختلاط بينهما ، ونتج عنه بواكير حضارة راقية أتت ثمارها في العنصر العباسي و الأندلسي . ومن خلال هذا الاختلاط تسربت الأفكار والفلسفة اليونانية والهندية والفارسية وغيرها ابتداء من العصر الأموي بصورة ضعيفة ، ثم أخذت في القوة حتى فتحت لها الأبواب على مصراعيها في العصر العباسي ..
أولا : الترجمة في العهد الأموي :
لم تكن الترجمة قبل العهد الأموي لها وجود واضح .. وقد بدت كخدمة لأمور علمية بحتة ، وقد بدأ بها الأمير خالد بن يزيد بن معاوية الكيميائي المعروف ، والذي يعتبر حكيم بني أمية في زمانه .. فقد ترجم له كتب في الكيمياء و الطب والفلك .. كما نقل له ( مريانوس الراهب ) بعض كتب الكيمياء و المنطق وغيرها .. وقد عني الخليفة عمر بن عبد العزيز (99 ـ 101 هـ) .. حيث أمر الطبيب اليهودي ( ماسرجويه) .. بنقل كتاب ( أهرن بن أعين ) في الطب الى اللغة العربية ..
ثانيا : العصر العباسي :
ومرت به حركة الترجمة بالمراحل التالية :
أ ـ المرحلة الأولى :
من بداية خلافة المنصور الى نهاية حكم الأمين .. وكانت تلك الفترة تهتم بترجمة كتب الفلك والرياضيات و الطب ، وبعض كتب الأدب من السريانية والفارسية و الهندية .. وقد ترجم ابن المقفع ( كتاب كليلة و دمنة ) أو ( خرافات بيدبا ) .. وكان أول عمل نثري له شأن في العربية .. كما تم نقل بعض علوم الحساب من الهندية ، حيث تم تكليف ( ابراهيم بن حبيب الفزاري) .. عندما ترجم كتاب ( سوريا سد هانتا) في علم الحساب ..وعرف هذا الكتاب بالسند هند ..
ولكن تلك العلوم قد ضعف الشغف بها .. بعد أن أمر المأمون بترجمة كتب بطليموس في الحساب والجداول ..
وقد اهتم الرشيد قبل المأمون ببث رجاله لترجمة علوم العالم ..وبذل الأموال الطائلة .. حيث قام ( يوحنا بن ماسويه ) الطبيب الماهر لدولة بني عباس بنقل الكتب الطبية القديمة .. كما قام ( الحجاج بن يوسف بن مطر ) بنقل كتاب إقليدس .. وترجم كتاب (المجسطي ) ( الكتاب الأعظم ) تحت رعاية يحيى بن خالد البرمكي .. وسميت تلك الترجمة بالترجمة الهارونية تمييزا عن الترجمة المأمونية التي تلتها ..
ب ـ المرحلة الثانية :
تبدأ تلك المرحلة من عام 198 هـ الى عام 300 هـ /818ـ912م وتميزت تلك الفترة بترجمة كتب الرياضيات والفلك واقتحام مجال الفلسفة والمنطق ، وأطلقت بشكل مرافق لها حركة التأليف والنقد والتعليق والشرح في تلك المجالات ..
وقد تزعم حكيم بني عباس ( الخليفة المأمون ) حركة الترجمة ، وقد عمل ما في وسعه لجلب الكتب اليونانية من بلاد الروم ، وقد ساعدته حادثة أقرب للصدفة في ذلك .. وهي أنه عندما انتصر على الروم عام 215هـ/830م ، وهو كان على علم بأن اليونانيين ، عندما انتشرت المسيحية في بلادهم ، قد جمعوا الكتب القديمة من المكتبات وألقوا بها في سراديب ..
فطلب المأمون من ملك الروم أن يبحث عن تلك الكتب ويسلمها له ، بدلا من الغرامة التي فرضها المأمون عليه إثر انتصاره عليه ، فوافق ملك الروم (توفل) على الفور ، واعتبر ذلك مكسبا له !
ولكن المأمون كان سروره عظيما ، فبعث بوفود برئاسة ( الحجاج بن يوسف بن مطر ) لانتقاء الجيد من تلك الكتب و إحضاره .. ولما عادت الوفود أمر بترجمة كل ما أحضروا ..
ج ـ المرحلة الثالثة :
وتبدأ بالعام 300هـ ، وتميزت بكثرة ترجمة الكتب الفارسية ، والأدبية منها على وجه التحديد ، وذلك من خلال نشاط شعوبي ، أراد منه الفرس أن يتباهوا بما لديهم على العرب الذين قضوا على أمجادهم من خلال إدخالهم بالدائرة الإسلامية .. وقد رعت الدولة البويهية هذا النشاط ..
المراجع :
ناجي معروف : أصالة الحضارة العربية
عمر فروخ : تاريخ العلوم عند العرب
حكمت نجيب عبد الرحمن دراسات في تاريخ العلوم عند العرب الموصل 1977
خليل ابراهيم السامرائي /دراسات في تاريخ الفكر العربي الموصل 1986