صالح علماني يقدم كتابي..
«رحلة من سـيلان الى دمشق» و«بريـد بغـداد»في معهد ثربانتسقدم علماني في معهد ثربانتس بدمشق يوم 9/3 بحضور السفير التشيلي بدمشق كتابين عن الرحلات لهما اهمية كبيرة كوثيقتين تاريخيتين تسمحان لنا تخيل الشرق نهاية القرن التاسع عشر، فكتاب رحلة من سيلان الى دمشق لمؤلفه ادولفو ريفاديبيرا الذي ولد في سينتياغو بتشيلي سنة 1841 وكان واحداً من اهم المستشرقين في زمنه، وكان ابوه مانويل قد ذهب الى تلك البلاد للمشاركة في تأسيس جريدة «الميركوريو» التي مازالت حتى اليوم احدى اكبر الصحف اليومية التشيلية واوسعها انتشاراً، وفي تشيلي تعرف على زوجته وانجبت ابنهما ادولفو الذي رجع مع ابويه الى مدريد وهو في السابعة من عمره، تلقى ادولفو دراسته في اسبانيا وبلجيكا وفرنسا والمانيا حيث درس الهندسة لكنه لم يمارس هذه المهنة، ففي الثانية والعشرين من عمره دخل السلك الدبلوماسي ليعمل مترجماً في القنصلية الاسبانية في بيروت التي وصلها في العام 1863 وفيها تعلم اللغة العربية وانتقل بعد ثلاث سنوات من ذلك كقنصل مؤقت الى القدس حيث اقام سنة واحدة رجع بعدها الى بيروت وقد صار فيها نائباً للقنصل، لكنه مالبث ان نقل الى سيلان ليشغل هناك الوظيفة نفسها، وفي العام 1869 سافر الى مصر لحضور حفل افتتاح قناة السويس ثم ارسل الى القنصلية الاسبانية التي كانت قد انشئت حديثاً في طهران، في العام 1873 وعند اغلاق هذه القنصلية انتقل الى سنغافورة ثم الى موغادور ليعود من هناك الى اسبانيا في العام 1879 وفي العام 1880 مثل الجمعية الجغرافية الاسبانية في مؤتمرمستكشفي افريقيا، وصار عضواً في الاكاديمية الملكية للتاريخ، توفي في مدريد 1882 عن احدى واربعين سنة.
وعن الكتاب يقول صالح علماني: لقد ورث ريفاديبيرا عن ابيه والذي يهدي اليه الكتاب حلم القيام برحلة من سيلان الى دمشق عبر الخليج العربي لكن اعتلال صحة الاب دفعته للتخلي عن مشروعه، ويورد علماني قول ريفاديبيرا:«ولاني لم اكن معتل الصحة، فضلاً عن ميلي الطبيعي الى الترحال فإنني لم اتردد لحظة واحدة في العمل بتعليمات ابي» الذي يضيف حول منهجه في وصف رحلته:« لم احاول تأليف كتاب اهدف منه الى التباهي بسعة العلم والمعرفة وهو امر سهل بعد اطلاعي على كتب عديدة درست برؤى مختلفة البلدان التي اصفها فهدفي هو وصف ما رأيت وقد كنت اكتب في اثناء سيري، وجسدي منهك في معظم الاحيان وروحي ساهية على الدوام ولم يتح لي كذلك القيام بعمل يتطلب تأملات مطولة بل قدرت انه من الافضل ان التزم في هذه الحالة بالقول العربي المأثور:«افضل وصف يروى هو ذاك الذي يجعل من الاذن عيناً».
ويقول صالح علماني ان ريفاديبيرا في كافة مراحل رحلته هذه يسعى الى تقديم وصف دقيق لكل مايواجهه وتبدو واضحة رغبته في تقديم معلومات لقارئه وعدم الاقتصار على وصف اكزوتيكي بل يتوغل في مناطق شبه مجهولة ويعرض طبيعة البشر، وبساطة بعض العادات وكرم البدو على الرغم من ضيق حياتهم ويقدم في صفحات الكتاب تعليقات حول المناطق والمدن والمناخ والزراعات والمواسم وحياة الناس وعاداتهم وملابسهم وامراضهم ولغتهم ومأكولاتهم وطقوسهم وعباداتهم، بل ان معرفته الاثرية الواسعة تجعل الكتاب في بعض الاحيان اشبه ببحث اركيولوجي وتاريخي.
والكتاب الثاني الذي قدمه علماني رواية« بريد بغداد» للكاتب خوسيه باراس من تشيلي ايضاً وحائز على الجائزة الوطنية للادب سنة 2006 ويحكي لنا من خلالها رسائل ومقالات صحفية عن بغداد وبالتالي عن الشرق في الستينيات وعن الفروق الشاسعة في العادات التي تفصله عن الغرب.
يقدم صالح علماني سيرة حياة باراس الذي ولد في العاصمة التشيلية سينياغو 12/3/1926 وبدأ الكتابة منذ كان في الثالثة عشرة من عمره ونشر كتابه الاول«ثرثرة» في الثامنة عشرة من عمره.
ولم يكن عمل باراس الصحفي يقل اهمية عن عمله الادبي فمنذ عقد الخمسينيات ساهم في صحف ومجلات ومحطات اذاعية ويرى باراسان قواسم مشتركة كثيرة تربط بين الادب والصحافة «الصحافة تحرضني وتروقني، اشعر انها تقترب من الادب، ففي حالتي هناك كتابات كثيرة كانت مقالات صحفية تطورت وتحولت في مابعد الى قصص» فقد عمل في الصحافة المكتوبة وفي اذاعة براغ (تشيكوسلوفاكيا) في الخمسينيات ورئيساً للقسم الصحافي في التلفزيون الوطني خلال حكومة الوحدة الشعبية برئاسة سلفادور الليندي، وقد ارتبط بصداقة حميمة بالشاعر بابلو نيرودا بعد انقلاب بينوشيت خرج للمنفى واقام في موسكو خمس عشرة سنة حيث كرس وقته للصحافة اكثر من الادب ولم يرجع باراس الى تشيلي الا بعد تنحية بينوشيت واستعادة الديمقراطية في العام 1990 ومنذ ذلك الحين وحتى الان نشر اكثر من عشرة كتب وقد مال في السنوات الاخيرة الى كتابة روايات تجمع بين الصحافة والتخيل.
وعن روايته «بريد بغداد» يقول المترجم صالح علماني: العثور مصادفة على مخطوطة في مكان قديم ومهجور، او بين اوراق مهملة ووصولها بطريقة او بأخرى الى كاتب، هي حيلة ادبية قديمة طالما لجأ اليها الكتاب لكنها لم تفقد بريقها مع ذلك لان كل مبدع يسعى لخلق اجواء وظروف تسوغ يآلية غريبة ليدخلنا في اجواء الرواية، ففي شهر ايلول 1973 قبل اربعة شهور من انقلاب بينوشيت العسكري ضد حكومة الرئيس التشيلي المنتخب سلفادور الليندي يستدعي مدير جريدة «السيغلو» احد المحررين(هو الراوي) ويوضح له انه وجد في احد ادراج مكتبه بين ركام من الرسائل والنصوص والمقالات التي لم تنشر قط ويغطيها الغبار رزمة اوراق صفراء في مغلف، مضى على وجودها مهملة قرابة عشر سنوات وقدم اليه المغلف الذي يحمل عنوان بريد بغداد.
رزمة الاوراق تلك او المخطوطة كما يسميها الراوي تتصدرها رسالة بروفسور تشيكي يدعى جوزيف بيران ويعمل في جامعة بوهيميا يعرب فيها عن انزعاجه من مقالة نقدية ظهرت في الجريدة وتعرضت بقسوة بالغة لاعمال الرسام التشيلي ذي الاصول المابوتشية البرتو ماتشوكا(وهو الشخصية الاساسية في الرواية الذي سيعرف في سياق العمل باسمه المستعار هوير كيو) ويرفق البرفسور بيران رسالته برزمة رسائل كان يتلقاها خلال السنوات السابقة من صديقه الرسام التشيلي المقيم في بغداد والذي اختفت اثاره خلال اضطرابات انقلاب عسكري جرى بالعراق.
تنسج الحبكة من خلال رسائل البطل التي يرسلها من العراق الى البروفسور الذي لايكتفي برسائل الرسام وحدها بل يتبع كل رسالة منها بتعليقاته الخاصة، ليوضح جوانب اخرى من حياة الرسام وعلاقته به واعجابه بأعماله الفنية.
وهكذا تتقاطع في الرواية ثلاث قصص من الحياة، قصة الصحفي الذي يهيم على وجهه في العالم بعد انقلاب بينوشيت في تشيلي الى ان يعود الى بلاده في العام 1990 ويسعى لنشر المخطوط وقصة الرسام هوير كيو الذي يروي للبروفسور بيران مغامراته الشخصية والفنية في بغداد، وهناك اخيراً تعليقات البروفسور المكتوبة بلغة هذيانية متاسبنة ويدير باراس هذا البناء الروائي ببراعة فكل شخصية تقدم رؤيتها الخاصة للواقع برؤية ساخرة وتهكمية لاذعة.
وعن الصعوبات التي واجهته بترجمة الكتاب الاول تحدث علماني قائلاً: وجود العديد من اسماء القرى وبعض المناطق غير المعروفة مما جعله يعتمد على اصدقاء لتفسيرها، وايضاً في الكتاب الثاني اللغة التي كان يكتب بها البروفسور تعليقاته على رسائل الرسام، هي في الرواية خليط من الاسبانية الركيكة مع الكثير من الكلمات الايطالية والفرنسية والبرتغالية وحتى التشيكية .
متابعة: جازية سليماني