قصيدة للشاعر عبد الرحمن يوسف القرضاوي
قالها في سماحة السيد حسن نصر الله
***
و دخلت الحَضْرَةَ وحدي
لا أدري ما سرُّ الضوء الطالع في عيني
كشمسِ تنبع من أرضِ لسماء
لم أُبصر في عمري شمساً بعمامة
ما بالي أشعر أني أدخل غارَ حِراء
والشمس تخفَّت خلف غمامة
وأنا لا أدري هل أتقدم نحو الشمس
أم الشمس السمراء بدت تتقدم نحوي باستحياء
ونظرت لذاك الفارس وهو يشد لثامه
فتكثف بعض ضباب الرهبة فوق زجاج الرؤية
حتى غير من شكل الأشياء
لكن حضور السيد يضفي الصفو على الأجواء
ونظرت له
فوجدت الوقت يعود الى الماضي
لأراهُ كتلميذٍ لا يرفع إصبعه إلا كي يبهر أستاذاَ
ويفوقَ بمنطقهِ الزملاء
و يمر الوقت ... فيكبر حتى أبصره
كالشاعر لم يجهر بقصائدِ حب أو بهجاء
ويمر الوقتُ لأبصره رجلاً يخفي العضلات
فلا يتشاجر إلا من أجل الضعفاء
ويمر الوقت لأبصره في هذي اللحظة كالأسد الجبار
ولكن يُهدي الحب الى الأشبال كنورٍ في الظلماء
يعلو فوق الهاماتِ ولكن من دون استعلاء
فنويت الشعر و لكن
دَخَلَتْ في الحَضْرَةَ بعض ثعابين الصحراء
قالوا من دون حياء
فلنقم حد الحرابة ... ذاك شتام الصحابة
ففزعتُ
ففزعت كما طفلٍ يتعرف معنى الموت
بدون مقدمة بوفاة جميع ذويه
ونظرت الى السيد
فإذا بذراع السيد قد ألقت بعصا
فإذا هي تلقف ما يأفكون
فصرخت
لا يقدر فرعونٌ أن يحيى دون الساحل
كي يعطيه العون
فأجاب صراخي صوت
لا يقدر سحار أن يحيى أيضاً من دون الفرعون
وبدأت بشعر
يا صانع النصر المبين
يا من نصرت المسلمين
فأجاب السيد وهو يُحلِّق بين الغبطة و الحلمِ
لا ترفع أصناماً
كي لا تضطر بيوم أن تهدمها
فوجدت لساني قد ثُبت في حلقي بالأوتاد
لكن أكملت لحون الشعر
يا صانع النصر المؤزَّر
يا أيها الأسد المزمجر
فوجدت السيد يكمل سيل تدفقه
ويقول :
لم يخترع العدل القهر
لم يخترع الشعر المتنبي
لم يخترع الإظلامَ الليلُ
ولا الإصباح بمخترعٍ للنور
لم يخترع السكين القتل ولا الأحجار الدور
لم يخترع الإنسان العنف
وكذلك ليس صلاح الدين بمخترعٍ للنصر
فوجدت لساني في حلقي قد ثبت بالأوتاد
لكن جمعت قِوايَ وقلت
ماذا في قومك غير الناس
ماذا غيرت بهم
فتبسم يضحك ثم أجاب
أبني
أبني الكرمة ينضج ما فيها من أعناب في موسمه
حتى لو لم يقطف أحد ذاك العنقود
ورحيق الزهرة موجودٌ فيها
حتى لو لم يتقدم نحلٌ في الوقت المحدود
واللؤلؤ في المحار بعمق البحر
وإن لم يغطس غواصٌ كي يظفر بالمقصود
و المعدن في أعماق الأرض
إذا لم يُستخرج يبقى فيها مثل الكنز المفقود
لم نفعل شيئاً يا ولدي
غير التأكيدِ على أمرٍ موجود
الثأر له عمرٌ
الثأر له أطوارٌ ليست تخضع للناسوت
قد كان الثأر بيومٍ طفلاً يحبو من فوق التابوت
وبيومٍ آخرَ شب وصار مراهق أرعن
يفتل شعر شواربه ويلوح بالنبوت
واليوم الثأر غدا رجلاً يتكلم بالمسكوت
وينفس عن ظلمٍ مكبوت
الثأر بأرضي يا ولدي
لا يهرم رغم العمر وليس يموت
فسألت
لماذا يُهزم جيش في أرضي
أقوى من جيشك يا نسل الأحباب
فأجاب تذكر أن كثيراً ممن
ماتوا غرقى كانوا سباحين
وتذكر أن كثيراً من جبناء الأرض
تراهم مفتولي العضلات وجبارين
فسألت
لماذا أنت الصامت تفعل دون كثير كلام
فأجاب بأن روائح حقل زهور أضعف من كوم الأفنان
فسألت بصوت القلب هل هم أذكى منا
فأجاب بأن ذكاء الخصم تجلى في إخفاء غبائه
و سألت
ما سر تفوق جندك يا من لست من العسكر
فأجاب
من كان شجاعاً يشحذ سيفه
من كان جباناً دوماً يعنى بالدرع
من كان حكيماً ينهض بالإثنين
فجمعت جيوش استفهاماتي ثم نطقت وقلت
قل لي بالله عليك إذاَ
ماذا في تلك الحرب فعلت
فأجاب
بعون الله و قوته أوقفنا بندول الذل
الأمة خاضت معركةً تمتد على الأعوام
كما السرطان تحكم فيها ساعة رمل
وبعون الله قلبنا الساعة
فابدأ بحساب الباقي من عمر الأعداء
فابدأ بحساب الباقي من عمر الأعداء
***
فنهضت أقبل رأس إِمامِ العِزَّة في زمن الخذلان
فأبى أن أفعل
ثم تحول صبحاً يأخذني بضياء من أحضان
وقبيل خروجي
لاحتني رؤيا
تتراقص كالأغصان
أنا ما جلست سوى طيفٍ لشهيد
لأحبة بيت رسول الأمة لان
وعلى الأعداء حديد
فرجعت أهرول ... أهتف ... أصرخ في كل الآذان
بشرت نصر الله بالنصر اقترب
وأذقت أعداء الجنوب من العجب
بوركت يا نسل الحسين
قصائدي ترنو إليك
وبحر أبياتي اضطرب
عجزت صواريخ اليهود و لؤمها
عن أن تمسك رغم أطنان الغضب
وبنو العمومة حقدهم متربصٌ
فاحذر بربك من صواريخ العرب
إحذر بربك من صواريخ العرب
إحذر بربك من صواريخ العرب
***
فأجاب و كفي بين يديه
والحكمة تقطر من شفتيه
و تواضع أهل الحوزة في عينيه
لعمرك طول العمر للمرء نقمةٌ
فيصبح كالثوب الثقيل يعانيه
ستبصر عيناك الحقيقة باطلاً
وتبصر قاصي الود في الناس دانيه
فحسبك من دنياك بعض نعيمها
وحسبك من دهرك بعض مآسيه
و حسبك عجباً بامرءٍ مَدْحُ نفسه
وهجران خلانٍ و نسيان ماضيه
فيبدي إذا صافاك وداً مموهاً
ويبدي إذا عاداك كل مخازيه
وحسبك خبثاً بامرءٍ أن توده
مخافة أن تُصلى ببعض مساويه
أصابعه تمتد بالجود في الرضا
ولما أتاه السخط مد أفاعيه
وحسبك ذماً لامرءٍ ذم نسله
وإضفاء ذي القربى ... و مدح أعاديه
فيثقل عن سعي لخير فصيله
ونحو صنوف الشر خفت مساعيه
إذا كان وجه المرء بالقبح ناطقاً
فكيف رُزِقْتَ العقل سوف يداريه
وحسب كبير القوم أن يحفظ اسمه
لتبقى على طول الزمان معاليه
.
..
...
انتهيت ... مع ابتسامة
...
..
.
شاهد فيديو القصيدة في هذا الرابط
http://www.4shared.com/file/66042277/796d0789/___.html