كلاي.... حق الإنسان في التمرد على الحرب الظالمة
...........................
كشخصية عالمية استثنائية فإن محمد_علي_كلاي موضوع لدراسات وقراءات من زوايا متعددة، وأمام رحيله الكبير انطلقت الأقلام في مراثي الرجل الذي حظي بإعجاب العالم في رياضته ومغامراته وموقفه العقدي والحربي، وأخيراً في مرضه وتداعياته.
ومن المؤكد أنني غير معني بسجل الرجل في نزالاته الضارية ضد خصومه الفولاذيين، ولكنني معني هنا بقراءة جانب واحد من حياة هذا الرجل يتصل بموقفه من الحرب الظالمة.
والقصة معروفة لكل قارئ وهي الصرخات الشهيرة التي أطلقها محمد علي كلاي عام 1966 إبان رفضه الالتحاق بالقتال في فيتنام، وتمرده على قرار الحرب، وقال بصراحة إنه غير مؤمن بهكذا حرب، وأعلن أنه لن يحارب جيش فيت جونج الشيوعي الفيتنامي، وفي تصريح علني على التلفزيون قال بغضب:
“ضميري وديني لا يسمح لي بالذهاب عشرة آلاف ميل لقتال فقراء جياع سمر من أجل أمريكا القوية والجبارة….. لماذا أقاتلهم؟ إنهم لم يصفوني يوماً بالزنجي! إنهم لم يطلقوا كلابهم علي!! ، لم يسلبوا مني مواطنتي ولم يعتدوا على أبي وأمي… ثم قال في تحد صارخ: خذوني إلى السجن ، فهناك فقط سيرتاح ضميري من حربكم المجنونة!!”.
لم يكن يجهل أن موقفاً كهذا سيكون قنبلة غضب وسخط في العقل الأمريكي الجمعي الموتور من الشعب الفيتنامي الكاره لأمريكا حتى العظم، حيث كان كل السياسيين يقودون حملاتهم الانتخابية تحت شعار قتال الفيتناميين الأشرار والثأر للأمريكيين الأبرياء الذين يذبحهم الفيتناميون الشيوعيون وينكلون بهم، وكانت غايات القتال في فيتنام وفلسفته هي الفلسفة نفسها التي نسمعها اليوم من الكتائب والفصائل الطائفية الشرسة القادمة من الآفاق بأكفان سوداء لتقاتل الشعب السوري بدعوى أنه تحول إلى شعب إرهابي مجنون!!
كانت كلمة الحزب الشيوعي آنذاك تطابق وصف القاعدة وداعش وطالبان وأخواتها في العقل الأمريكي، وكانت صور بعض الثوار الفيتناميين في الانتقام من محاربين أمريكيين بشكل متوحش هي ما يرسم صورة المعركة ودوافعها ويحرك كتائبها بغريزة التوحش السادية، أما قنابل النابلم المتوحشة فلم يكن يرى الأمريكي منها إلا منصة إطلاقها الأنيقة، والضباط الذين تمتلئ أكتافهم بالنياشين وهم يطلقونها بثقة وعزيمة وخلفهم العلم الأمريكي الأحمر، دون أن ينشر الإعلام الأمريكي تتمة الفيلم الأسود لجنون الموت هذا، وهكذا فقد كان أي نكول عن حرب هذه الفصائل المسلحة يعني بالضرورة انخراطاً في الارهاب ويستلزم التخوين والطرد والاقصاء.
وبالفعل فقد دفع كلاي ثمن موقفه، وتم نزع اللقب العالمي عنه ومن ثم زجه في السجن وتمت معاملته كخلية نائمة من خلايا الإرهاب، ولقي من حكامه الأمريكيين ما يلقاه اليوم أي سوري يرفض لغة البسطار والحسم العسكري في الشام.
ومع ذلك فقد كان فأله حسناً أن العالم لم يكن آنذاك يربط بين الإسلام والارهاب، وإلا لأكمل الرجل عمره في غوانتانامو!!
ولكن كلاي فضح أخطر عقدة نقص في القانون الدولي في العالم حين أعلن أنه لا يوجد في قوانين العالم هذا ما يحمي حق الإنسان في التمرد على الحرب الظالمة، وهو الحق الأكثر قداسة وطهراً بنظري، ويؤلمني أننا لا نجد حتى اليوم نظاماً واحداً في العالم يتولى حماية هؤلاء الرافضين للحرب، ويمنحهم حق رفض الحرب والعودة إلى بيوتهم حين لا تكون الحرب متفقة مع قناعاتهم وأفكارهم.
لماذا يتعين على الإنسان أن يطيع ولاة الأمر في الحروب الظالمة؟
هكذا قال كلاي….. نحن أحرار وأصابعنا هي التي تضغط الزناد فلماذا أشركها في جرائمكم؟؟
نحتاج اليوم إلى صرخات كصرخات محمد علي في وجه توحش الحرب الذي يعصف بسوريا، حيث تنتقل البنادق من كتف لكتف، وتضرب في الاتجاه وضده، وتنخرط في هذه الحرب المجنونة آلاف البنادق لا يدري فيها القاتل لم قتل ولا المقتول لم يقتل.
لماذا ينخرط الشباب السوري في هذه الحرب المجنونة، من حق كل شاب طموح أن لا يكون طرفاً فيها لا في القتال ولا في القيادة ولا في التمويل ولا في التسليح إنها حرب مجنونة بكل معنى الكلمة ويؤلمني أن أقول بصراحة إن كل الحروب مجنونة بقدر ما، ولم أشاهد في حياتي حرباً عاقلة أو عادلة إنما هي عبث الجنون وتبادل الموت والموت المضاد.
لقد دخل محمد علي كلاي سجل الخالدين بموقفه الجبار ضد الحرب، وتمكن أن يسمع العالم معاناة الشرفاء الذين تحملهم أقدارهم على حمل السلاح وهم لم يؤمنوا يوماً بشرفه ولا مقاصده، ولكنهم لا يجدون ملجأً ولا مغارات، ويعجزون عن الوقوف في وجه العاصفة، ومن المؤلم أن العالم في أرقى عواصمه لم يستطع أن يعالج هذا اللون من الأسى والقهر، ولم ينص إعلان حقوق الانسان ولا الدساتير المتحضرة عن شيء من ذلك وما زالت القوانين الوطنية في العالم كله تعامل الناكل عن الحرب كخائن أو عميل، وتسوقه إلى محاكم علنية تتم في الغالب في الميدان ليلقى رصاصة الموت، ولن يسعده في شيء أن تتحول المحاكم العسكرية إلى مدنية لأنها ستحكم بالقانون إياه: الفار من الزحف والناكل عن الحرب والفار من الخدمة الإلزامية وقت الحرب كلهم مشروع قتل بالخيانة والتآمر، ولم يتمكن أي قانون في العالم حتى اليوم من اعتبار هؤلاء أبطالاً وشرفاء وعظماء ومجيدين وقديسين يستحقون أن تنحني لهم الهامات.
نجح الألمان أخيراً في إصدار قانون خجول يتيح لمن يمنعه ضميره من المشاركة في حرب ما أن يطلب نقله إلى خدمات أخرى بنفس الزمن والمشقة، مقابل غرامات والتزامات، ولكن ذلك لا يكفي أبداً للخلاص من هذا العار الذي تمارسه الإنسانية حين تترك شبابها الأحرار يواجهون أشرس الأقدار في الجريمة والعقاب لأنهم فقط يرفضون الحرب ولا يؤمنون بها أصلاً.
أعتقد أن رحيل محمد علي وذكراه سيدفع الشرفاء لمزيد من العمل لإنجاز نصر للعدالة يتم فيه الانتصار للسلم والحرية، وتوجيه صفعة مناسبة للحرب وتجار الحرب وفلاسفة الحرب وقضاة الحرب الذين يشتركون على مائدة شيطانية واحدة في قهر الإنسان.
إنه لأمر معقد أن نحتفي بمحمد علي كلاي كبطل سلام وهو بطل حلبة وملاكمة وضربات قاضية وتكشيرات مفترسة وتهديد ووعيد، وحين قابلته في دمشق في التسعينات حدثني عن مرض الباركنسون الذي يعصف به وقد قدر عدد اللكمات التي وجهت إلى رأسه في مسيرته الرياضية بنحو مليوني لكمة تعادل وقوتها إجمالاً نحو 400 ألف طن، ولا شك أنه فعل بخصومه مثل هذا وأكثر.
قد يكون من اللائق أن نتحدث عن محمد علي كلاي كبطل للحرية وليس بطلاً للسلام، وهذا المعنى هو ما دفع الرئيس الأمريكي جورج بوش لمنحه جائزة الحرية الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنه سيظل أيقونة فخر للذين يكفرون بالحروب ويؤمنون بالإنسان.
محمد حبش كشخصية عالمية استثنائية فإن #محمد_علي_كلاي موضوع لدراسات…
7AL.ME
كلاي.... حق الإنسان في التمرد على الحرب الظالمة
...........................
كشخصية عالمية استثنائية فإن محمد_علي_كلاي موضوع لدراسات وقراءات من زوايا متعددة، وأمام رحيله الكبير انطلقت الأقلام في مراثي الرجل الذي حظي بإعجاب العالم في رياضته ومغامراته وموقفه العقدي والحربي، وأخيراً في مرضه وتداعياته.
ومن المؤكد أنني غير معني بسجل الرجل في نزالاته الضارية ضد خصومه الفولاذيين، ولكنني معني هنا بقراءة جانب واحد من حياة هذا الرجل يتصل بموقفه من الحرب الظالمة.
والقصة معروفة لكل قارئ وهي الصرخات الشهيرة التي أطلقها محمد علي كلاي عام 1966 إبان رفضه الالتحاق بالقتال في فيتنام، وتمرده على قرار الحرب، وقال بصراحة إنه غير مؤمن بهكذا حرب، وأعلن أنه لن يحارب جيش فيت جونج الشيوعي الفيتنامي، وفي تصريح علني على التلفزيون قال بغضب:
“ضميري وديني لا يسمح لي بالذهاب عشرة آلاف ميل لقتال فقراء جياع سمر من أجل أمريكا القوية والجبارة….. لماذا أقاتلهم؟ إنهم لم يصفوني يوماً بالزنجي! إنهم لم يطلقوا كلابهم علي!! ، لم يسلبوا مني مواطنتي ولم يعتدوا على أبي وأمي… ثم قال في تحد صارخ: خذوني إلى السجن ، فهناك فقط سيرتاح ضميري من حربكم المجنونة!!”.
لم يكن يجهل أن موقفاً كهذا سيكون قنبلة غضب وسخط في العقل الأمريكي الجمعي الموتور من الشعب الفيتنامي الكاره لأمريكا حتى العظم، حيث كان كل السياسيين يقودون حملاتهم الانتخابية تحت شعار قتال الفيتناميين الأشرار والثأر للأمريكيين الأبرياء الذين يذبحهم الفيتناميون الشيوعيون وينكلون بهم، وكانت غايات القتال في فيتنام وفلسفته هي الفلسفة نفسها التي نسمعها اليوم من الكتائب والفصائل الطائفية الشرسة القادمة من الآفاق بأكفان سوداء لتقاتل الشعب السوري بدعوى أنه تحول إلى شعب إرهابي مجنون!!
كانت كلمة الحزب الشيوعي آنذاك تطابق وصف القاعدة وداعش وطالبان وأخواتها في العقل الأمريكي، وكانت صور بعض الثوار الفيتناميين في الانتقام من محاربين أمريكيين بشكل متوحش هي ما يرسم صورة المعركة ودوافعها ويحرك كتائبها بغريزة التوحش السادية، أما قنابل النابلم المتوحشة فلم يكن يرى الأمريكي منها إلا منصة إطلاقها الأنيقة، والضباط الذين تمتلئ أكتافهم بالنياشين وهم يطلقونها بثقة وعزيمة وخلفهم العلم الأمريكي الأحمر، دون أن ينشر الإعلام الأمريكي تتمة الفيلم الأسود لجنون الموت هذا، وهكذا فقد كان أي نكول عن حرب هذه الفصائل المسلحة يعني بالضرورة انخراطاً في الارهاب ويستلزم التخوين والطرد والاقصاء.
وبالفعل فقد دفع كلاي ثمن موقفه، وتم نزع اللقب العالمي عنه ومن ثم زجه في السجن وتمت معاملته كخلية نائمة من خلايا الإرهاب، ولقي من حكامه الأمريكيين ما يلقاه اليوم أي سوري يرفض لغة البسطار والحسم العسكري في الشام.
ومع ذلك فقد كان فأله حسناً أن العالم لم يكن آنذاك يربط بين الإسلام والارهاب، وإلا لأكمل الرجل عمره في غوانتانامو!!
ولكن كلاي فضح أخطر عقدة نقص في القانون الدولي في العالم حين أعلن أنه لا يوجد في قوانين العالم هذا ما يحمي حق الإنسان في التمرد على الحرب الظالمة، وهو الحق الأكثر قداسة وطهراً بنظري، ويؤلمني أننا لا نجد حتى اليوم نظاماً واحداً في العالم يتولى حماية هؤلاء الرافضين للحرب، ويمنحهم حق رفض الحرب والعودة إلى بيوتهم حين لا تكون الحرب متفقة مع قناعاتهم وأفكارهم.
لماذا يتعين على الإنسان أن يطيع ولاة الأمر في الحروب الظالمة؟
هكذا قال كلاي….. نحن أحرار وأصابعنا هي التي تضغط الزناد فلماذا أشركها في جرائمكم؟؟
نحتاج اليوم إلى صرخات كصرخات محمد علي في وجه توحش الحرب الذي يعصف بسوريا، حيث تنتقل البنادق من كتف لكتف، وتضرب في الاتجاه وضده، وتنخرط في هذه الحرب المجنونة آلاف البنادق لا يدري فيها القاتل لم قتل ولا المقتول لم يقتل.
لماذا ينخرط الشباب السوري في هذه الحرب المجنونة، من حق كل شاب طموح أن لا يكون طرفاً فيها لا في القتال ولا في القيادة ولا في التمويل ولا في التسليح إنها حرب مجنونة بكل معنى الكلمة ويؤلمني أن أقول بصراحة إن كل الحروب مجنونة بقدر ما، ولم أشاهد في حياتي حرباً عاقلة أو عادلة إنما هي عبث الجنون وتبادل الموت والموت المضاد.
لقد دخل محمد علي كلاي سجل الخالدين بموقفه الجبار ضد الحرب، وتمكن أن يسمع العالم معاناة الشرفاء الذين تحملهم أقدارهم على حمل السلاح وهم لم يؤمنوا يوماً بشرفه ولا مقاصده، ولكنهم لا يجدون ملجأً ولا مغارات، ويعجزون عن الوقوف في وجه العاصفة، ومن المؤلم أن العالم في أرقى عواصمه لم يستطع أن يعالج هذا اللون من الأسى والقهر، ولم ينص إعلان حقوق الانسان ولا الدساتير المتحضرة عن شيء من ذلك وما زالت القوانين الوطنية في العالم كله تعامل الناكل عن الحرب كخائن أو عميل، وتسوقه إلى محاكم علنية تتم في الغالب في الميدان ليلقى رصاصة الموت، ولن يسعده في شيء أن تتحول المحاكم العسكرية إلى مدنية لأنها ستحكم بالقانون إياه: الفار من الزحف والناكل عن الحرب والفار من الخدمة الإلزامية وقت الحرب كلهم مشروع قتل بالخيانة والتآمر، ولم يتمكن أي قانون في العالم حتى اليوم من اعتبار هؤلاء أبطالاً وشرفاء وعظماء ومجيدين وقديسين يستحقون أن تنحني لهم الهامات.
نجح الألمان أخيراً في إصدار قانون خجول يتيح لمن يمنعه ضميره من المشاركة في حرب ما أن يطلب نقله إلى خدمات أخرى بنفس الزمن والمشقة، مقابل غرامات والتزامات، ولكن ذلك لا يكفي أبداً للخلاص من هذا العار الذي تمارسه الإنسانية حين تترك شبابها الأحرار يواجهون أشرس الأقدار في الجريمة والعقاب لأنهم فقط يرفضون الحرب ولا يؤمنون بها أصلاً.
أعتقد أن رحيل محمد علي وذكراه سيدفع الشرفاء لمزيد من العمل لإنجاز نصر للعدالة يتم فيه الانتصار للسلم والحرية، وتوجيه صفعة مناسبة للحرب وتجار الحرب وفلاسفة الحرب وقضاة الحرب الذين يشتركون على مائدة شيطانية واحدة في قهر الإنسان.
إنه لأمر معقد أن نحتفي بمحمد علي كلاي كبطل سلام وهو بطل حلبة وملاكمة وضربات قاضية وتكشيرات مفترسة وتهديد ووعيد، وحين قابلته في دمشق في التسعينات حدثني عن مرض الباركنسون الذي يعصف به وقد قدر عدد اللكمات التي وجهت إلى رأسه في مسيرته الرياضية بنحو مليوني لكمة تعادل وقوتها إجمالاً نحو 400 ألف طن، ولا شك أنه فعل بخصومه مثل هذا وأكثر.
قد يكون من اللائق أن نتحدث عن محمد علي كلاي كبطل للحرية وليس بطلاً للسلام، وهذا المعنى هو ما دفع الرئيس الأمريكي جورج بوش لمنحه جائزة الحرية الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنه سيظل أيقونة فخر للذين يكفرون بالحروب ويؤمنون بالإنسان.