اتفاق المصالحة الفلسطيني واحتمالات المستقبل
الباحث : عبدالوهاب محمد الجبوري
بعد توقيع اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس ونشر مقالتي الموسومة ( المصالحة الفلسطينية والدور المطلوب ) تلقيت عددا من التعقيبات والاستفسارات حول احتمالات نجاح المصالحة في ضوء الخلافات في المواقف بين الطرفين ومدى صمودها وتحقيقها لأهدافها ، ولغرض إلقاء الضوء على هذا الموضوع أقول مذكرا بان القضية الفلسطينية هي قضية العرب المركزية وان شعبنا في فلسطين عاني الكثير خلال مائة عام ويزيد من الصراع المرير والقاسي والمشرف مع العدو الصهيوني وما قدمه من تضحيات كبيرة على هذا الطريق يجعلنا نقف إجلالا وإكبارا لهذا الشعب العظيم ومن حقه على أشقائه وأصدقائه أن يتجاوبوا مع طموحاته وتطلعاته إلى الحرية والاستقلال والسلام والرفاهية وتحقيق انجازاته بعد هذا الصراع المرير والدامي وان كرامته وعزته وشموخه فوق أي اعتبار آخر ، لذلك ننظر إلى موضوع المصالحة من زاوية إستراتيجية ، هي مصلحة هذا الشعب بالدرجة الأساس ، مقدرين موقف حركتي فتح وحماس واجتهاداتهما وسياساتهما كونهما من فصائل الثورة المجاهدة التي ترعب العدو الإسرائيلي ، الذي يسعى إلى زرع الفتنة بينهما واختراق أي جهد أو محاولة لجمع صفوفهما وتوحيد الرؤى والمواقف بينهما . .
والأمر الأخر الذي بات معروفا للجميع هو أن هناك أطرافا عربية وإقليمية تدعم الحركتين وقادرة على التأثير في سياستهما ، في نفس الوقت فان عناصر التأثير هذه متشابكة مع قوى وأطراف دولية ضاغطة قد تفرض تحديدات أو ضغط عليها ، مما قد يتسبب في انتقال هذا التأثير أو انعكاسه بشكل أو أخر على موقف حركتي فتح وحماس وقد يقيدهما أو يحددهما في اتخاذ القرارات الإستراتيجية التي تنسجم ومصالح الشعب الفلسطيني لذلك يتطلب من الحركتين أن يكون تفاعلهما مع الدعم العربي والإقليمي منطلقا من اعتبارات المصالح المشتركة مع الأخذ بنظر الاعتبار مصالح الشعب الفلسطيني بالدرجة الأساس ..
لهذا نقول أن اتفاق المصالحة الذي تم التوصل إليه في القاهرة بين الفصائل الفلسطينية وما تبعه من تشكيل لجان للاستمرار في بحث وإزالة أسباب الخلافات وصولا إلى اتفاق حول تشكيل حكومة وحدة وطنية هو اتفاق ايجابي وخطوة مهمة على طريق إزالة العثرات التي ما زالت تحول دون انجاز الاتفاق النهائي وتوحيد الرؤى والمواقف بين الحركتين ، وفي ظل الأوضاع الصعبة والمعقدة ، التي مازالت تتسم بها العلاقات بين الفصيلين الرئيسيين لدرجة الاقتتال والتحارب بينهما – مع الأسف - تبرز مسالة تحقيق الحد الأدنى من الجمع والتفاهم بين مساري (المقاومة والتفاوض) أمرا مهما في هذه المرحلة وان كلا الطرفين بحاجة إلى مثل هذا الجمع من اجل تهيئة الأجواء الملائمة لإعادة النظر في بلورة مواقف سياسية جديدة تنسجم وأبعاد هذا الاتفاق وتحديات المرحلة القادمة على التوازي مع بدء مرحلة إعادة الأعمار التي يحتاجها الجميع وخاصة أبناء شعبنا الصابر في غزة ..
من هنا يمكن القول أن إستراتيجية التوافق والمصالحة هي الأسلم من سياسة الانقلابات والتناحر والاقتتال التي لا تستفيد منها سوى إسرائيل والداعمين لها ، فبدون هذا التماسك والتفاعل يصعب تصور العمل الوطني الفلسطيني الهادف إلى تحرير الأرض وإقامة الدولة الفلسطينية وأعمار ما تهدم وتحصين الجسور مع أطراف المجتمع الدولي الداعمة للقضية الفلسطينية ..
ان العامل الأكثر أهمية بعد التوقيع على المصالحة هو تحصينها ورفدها بكل مقومات الصمود والاستمرارية والتطور الايجابي للحيلولة دون حصول أي انتكاسة لها ، لا سمح الله ، لان إسرائيل تسعى بكل قواها السياسية والعسكرية وأنشطتها الاستخبارية والإعلامية لاختراق هذا الاتفاق وعرقلة تنفيذه مرة أخرى لتستمر في التصيد بالماء العكر، ويكفي مجرد زلة لسان من احد طرفي الاتفاقية ، في تصريح صحفي مرتجل أو عفوي ، لتبني عليه إسرائيل مسارب تدخل منها إلى نسيج الاتفاق بهدف تخريبه من الداخل , هذا بالإضافة إلى تربص قوى إقليميه أو دولية لا ترغب بالمصالحة ، كونها تتقاطع مع أجندتها ومصالحها السياسية في المنطقة ، من اجل خرق المصالحة ومحاولة قبرها أو على الأقل وضع العراقيل في طريقها ..
من جانب آخر فان أي مسعى عربي أو إقليمي أو دولي ايجابي – تحرك سياسي أو دبلوماسي ، زيارات متبادلة ، تبادل رسائل ، عقد مؤتمرات ، إعلام موجه .. الخ – يصب في صالح الاتفاق وتعزيزه ، يشكل صمام أمان لديمومته ويبعث على الطمأنينة من اجل تطويره وتقدمه ويقلل من هوامش الخلافات بين الحركتين ويساعد في غلق الفواصل والثغرات التي قد تشكل مبررا لهذا الطرف أو ذاك للتنصل من الاتفاق وإفشاله ..
إن المصالحة تفتح الباب على مصراعيه بشكل جدي ومتسارع للبدء بعملية أعمار واسعة وجادة لما دمره العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة ، فضلا عن فتح الباب أمام المعونات الأوروبية والأميركية وكذلك العربية للبدء في عملية الأعمار كما هو حاصل الآن في مؤتمر شرم الشيخ للدول المانحة التي تعهدت بتقديم أربع مليارات ونصف الميار دولار لأعمار غزة خلال العامين القادمين وقد اشترطت حماس عدم تسييس هذه المنح حسب مسئولين فيها ..
الاستنتاج الذي يمكن الخروج به من هذا الحديث الموجز عن تقييم اتفاق المصالحة هو احتمال تشكيل حكومة انتقالية فلسطينية تأخذ على عاتقها تنفيذ الفقرات المتعلقة باستكمال حلقات المصالحة والوفاق واستكمال برامج البناء والأعمار لان هذا ما يريده - برأينا - الشعب الفلسطيني في هذا الوقت بالذات ، أما ما يتعلق بالمسائل الإستراتيجية الأخرى والخاصة بالتسوية والمفاوضات مع إسرائيل حول الجوانب الإستراتيجية وخاصة ما يتعلق بقضية اللاجئين والقدس وغيرهما ، فان المعتقد أن هذا سيأخذ وقتا أطول وربما ستحصل خلال ذلك بعض الهزات التي نأمل أن تكون خفيفة والصمود في وجهها وتجاوزها وهو ما نتمناه وندعو الله أن يوفق القادة والمسئولين الفلسطينيين لتجاوزها وإيجاد الحلول المتوازنة التي تقود في النهاية إلى بلورة موقف موحد يؤدي بالنتيجة إلى استرداد الحقوق المشروعة لشعبنا الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة القوية وعاصمتها القدس كمرحلة أولى ، على أن يبقى هدف التحرير قائما وماثلا في القلب والروح والضمير ، والأمر الأخر المهم الذي نرغب التأكيد عليه هو الحذر من الأجندات الأجنبية التي لا تصب في مصلحة الشعب الفلسطيني بأي شكل من الأشكال ولا في صالح قضيته وتتلاعب بمقدراته بحجة دعمها وإسنادها لان الجرح لا يحس به إلا أصحابه فاسألونا نحن في العراق عن هذا الموضوع نقول لكم إياكم وأصحاب الشعارات والمتلاعبين الذين يتخذون من قضية فلسطين تجارة لتسويق برامجهم وبضاعتهم التي أكل الدهر عليها وشرب ..
حيا الله حكماء الثورة الفلسطينية وقادتها الذين عاهدوا الله على تحمل المسؤولية بصدق وإيمان وشرف ونذكرهم بأن الشعب الفلسطيني وكل العرب يتطلعون إلى جهودهم ومساعيهم وقراراتهم الرشيدة التي ستضيء الضوء في نهابة النفق باذن الله ..