محاكمة ساحرات سالم
الحلقة الثالثة
ترجمة ريم بدر الدين بزال
الحياة في سالم 1692
أطفال البيوريتانيين
كان ما ينطبق على الكبار و البالغين في مجتمع سالم الصارم و المنضبط دينيا يمشي سواء بسواء على الأطفال فعليهم الترتيل في الكنيسة و حضور الطقوس المختلفة و إخفاء الفروقات الفردية و أي إظهار لعاطفة الفرح أو الذعر أو الغضب لم يكن مستحبا و كانت عقوبة العصيان شديدة جدا و كان الأطفال نادرا ما يلعبون فالألعاب و الدمى كانت قليلة جدا فالبيورتانيون كانوا يرون في هذه النشاطان نوعا من ضياع الوقت الآثم.
و بالرغم من هذا كان الذكور أكثر حظا من الإناث فقد وجدوا بعض الأشياء التي تطلق العنان لمخيلتهم فكانوا غالبا يعملون كمتدربين خارج المنزل ليمارسوا مهارات كالنجارة أو الحرف اليدوية و كان مسموحا للذكور بالاكتشاف خارج المنزل فكان متاحا لهم السباحة و الصيد بينما توجب على الفتيات أن يساعدن أمهاتهن في المنزل بالأشغال المنزلية اليومية كالطبخ و الغسيل و الخياطة و تربية الحيوانات.
و قد كان مسموحا للأولاد بتعلم القراءة لكن الكتب المتاحة في المنازل لم تكن إلا الكتاب المقدس و بعض الكتب التي تحذر من السحر و الشياطين بينما كانت كتب الأطفال تكاد تكون معدومة و إن وجدت فهي لتحذير الأطفال من السلوك السيئ و العقاب الذي ينتظرهم على أفعالهم الآثمة . و في شتاء بارد حيث تكون البنات داخل المنزل لن يكون أكثر جاذبية لهن من القصص الخيالية التي ترويها " تيتوبا " سرا لأنها كانت محرمة بشكل صارم و التي كانت تدهشهن و لكنها تملؤهن بالخوف و الشعور بالإثم و كانت أحاسيسهن خليط من الرهبة و السرور بأنهن اقتحمن عالما مجهولا و ربما كان هذا السبب في الهستريا الجماعية التي اجتاحتهن فكن السبب في إطلاق عملية صيد الساحرات لكن تصرف المجتمع إزاء الموضوع كان كارثيا ,
محاكمة ساحرات سالم / الحلقة الرابعة
ترجمة ريم بدر الدين بزال
Sarah Good
سارة جود
ولدت سارة جود عام 1653 لأب يدعى جون سولهارت يمتلك نزلا صغيرا و كانوا ميسوري الحال لكن تم الاستيلاء على عقار والدها خلال مقاضاة ظالمة فبقيت سارة لا تملك شروى نقير.
و قد تزوجت للمرة الأولى من خادم يدعى دانييل بول لكنها توفي تاركا ديونا كثيرة عام 1686. و كان زواجها الثاني محكوما بالبؤس منذ البداية حيث كانت تعمل مع زوجها ويليام جود لإيفاء الديون التي تركها زوجها الأول. و بطبيعة الحال لم تستطع هذه العائلة أن تمتلك منزلا فكانوا يستأجرون غرفة في بيت مشترك و كان لديهما طفلان أحدهما يعمل كأجير في بلدة سالم لقاء الطعام و المبيت و لكن شيئا فشيئا بدأت تزداد الصعوبة في الحصول على مسكن في مجتمع يحتقر سارة و يعتبرها من ذوي السمعة السيئة و كان المجتمع يعتبر أسرة سارة مصدرا للانزعاج في البلدة مما أدى بهم لان يصبحوا بحلول 1692 متسولين .
و كان احتقار المجتمع لسارة وسمعتها السيئة و اعتبارها شخصا هامشيا بينهم سببا رئيسيا لتكون أول المرشحات للاتهام بممارسة السحر الأسود
و في فبراير من العام 1692 صدرت مذكرة توقيف بحق كل من سارة جود و سارة اوزبورن و تيتوبا بتهمة الشعوذة ضد بيتي باريس و ابيجيل وليامز ثم انضم الكثير من الناس ليدلوا بشهادات تتعلق بسلوكهن الضار و استدعائهن الأرواح الشريرة و خصوصا سارة جود.
و يؤكد الباحث برنارد روزينثال في كتابه "قصة سالم" ان سارة جود اختيرت أولا لبدء المحاكمات بها كان لان معظم الناس كانوا يريدون تطهير قرية سالم منها. حتى ان ابنتها الصغيرة ذات الست سنوات هددت كي تشهد ضد والدتها و مع أن زوجها لم يتهمها بالسحر فإنه قال أنه يمتلك أسبابا منطقية تجعله يعتقد أنها كانت في طريقها لتصبح ساحرة و ربما قال هذا ليدفع التهمة عنه
و في احد الاقتباسات من سجلات محاكمة سارة يقول وليام جود: كانت تدفع عربتها بشكل سيء تجاهي و أقول و قلبي يتمزق أنها كانت عدوة حقيقية لكل ما هو خير."
ولكن سارة رفضت بعناد كل التهم التي وجهها لها القاضي جون هاثورن برغم رأي الأغلبية الساحق ضدها. و عندما سألها القاضي هاثورن قبل جلسات الاستماع: لم آذيت هؤلاء الأطفال ؟ قالت: أنا لم أؤذ أيا منهم أنا احتقر هذا الفعل. ثم أضافت : هذه التهمة ملفقة.
لكن سارة جود بالرغم مما سبق اتهمت سارة اوزبورن بإيذاء الفتيات و ذلك عندما رأتهم يتهاوون في حركة غريبة في قاعة المحكمة . و بناء على هذا الاتهام الذي ساقته جود تجاه زميلتها اوزبورن يعتقد المؤرخون أنه هو السبب الأقوى الذي أضفى الشرعية على محاكمة الساحرات.
وعندما ادعت إحدى الفتيات أن سارة جود طعنتها بسكين و أحضرت نصل سكين مكسور لتثبت ادعائها اقترب رجل من القاضي و اعترف أن النصل المكسور يعود له و كان ذلك بحضور الفتاة المدعية فكان هذا الرجل الوحيد الذي دافع عن سارة جود.. لكن القاضي تجاهل هذا الاعتراف الذي يبطل الاتهام و طلب من الفتاة المضي في ادعاءاتها مع تذكير واهن بالتزام الحقيقة.
و قد أدينت سارة و حكم عليها بالموت شنقا و تأجل تنفيذ الحكم ريثما تضع سارة مولودها و اتهمت ابنتها ذات الست سنوات دوركاس بالشعوذة و سجنت لمدة سبعة أشهر و عندما أطلق سراح الفتاة المشروط بقيت محطمة نفسيا لبقية حياتها . بينما وضعت سارة مولودها في السجن لكنه مات بعد فترة وجيزة قبل تنفيذ حكم الإعدام.
و حدد يوم الثلاثاء التاسع عشر من يوليو 1692 لتنفيذ حكم الإعدام و عند المشنقة اقترب منها الموقر نيكولاس نويس مساعد رئيس الكنيسة في كنيسة سالم و طلب منها ان تعترف لتنقذ روحها من اللعنة الأبدية لكن سارة جود صرخت بصوت عال : أنت كاذب، انا لست ساحرة إلا بمقدار ما أنت مشعوذ. ستقضي على حياتي الآن لكن الرب سيمنحك دمي لتشربه" و يقول برنارد روزينثال "كان هذا الامتناع الفوري عن الاعتراف هو الذي قاد جود للمشنقة أكثر من أي دليل آخر ضدها.
و جدير بالذكر ان الصورة التي وثق بها الأدب محاكمة ساحرات سالم تلقي الضوء على الكيفية التي نظر بها المجتمع للمحاكمات و على الحقيقة الفعلية لها. فقد صورت سارة جود دوما على أنها امرأة مسنة بشعر ابيض و بشرة متجعدة و انها في الستين أو السبعين من العمر و لكن بنفس الوقت قال نفس الكتاب ان سارة كانت حاملا و ان لديها ابنة بعمر ست سنوات. و أتت الشهادات من مزارعي سالم و من القضاة لتصف سارة بأنها عجوز حيزبون مزعجة و طريحة الفراش .
كيف يستقيم هذا و ذاك؟ لعل هذا يعود إلى أن الظروف التي عايشتها سارة قد جعلتها تبدو مسنة و قبيحة و طريحة الفراش . و من ناحية أخرى فقد كرس الأدب دوما صورة الساحرة على أنها امرأة عجوز شريرة. و إذا كانت سارة جود تمثل النمط المثالي للساحرة التي تستحق الإدانة فإنه ليس بمستغرب أن كل الأنماط الأخرى ستحمل ذات الصورة . صحيح ان سارة كانت شخصية هامشية و بلا شك مصدر إزعاج لجيرانها و لكن محاكمة ساحرات سالم أديرت بشكل غير عادل مع إصرار مسبق على إثبات التهمة دون الحصول على أية قرينة. فالهامشية لا تستحق الشنق و لم يثبت أبدا و لم تعترف سارة أنها كانت تمتهن السحر الأسود.(سارة جود، سارة جوب، محاكمة ساحرات سالم تاريخيا و أدبيا، بحث مشروع تخرج، جامعة فرجينيا ،ربيع 2001)