العامل النصي في نص "على ثراها"
هذا نص من " القصة الشاعرة " للمبدعة / ربيحة الرفاعى تقول فيه :-
"على أملٍ بأن غدا سيحمل نكهة أحلى، توضأ ثم نحو البيت سار بخطوة عجلى، يصارع فكرة التضييع كيف "أتى الذي ولّى"، وكيف القوم باعوا القدس في ترنيمة القتلى، وكيف أتى بنو صهيون كيف استأسدوا في الناس تنكيلا وكيف بغزة الثكلى أقام العزل والتجويع، والإقدام ما كلََّ؟!، وعند الباب غازل غصن زيتون على كتف الجدار أقام واستعلى، تأمله بإعجابٍ وفي ظل استدارة أمه الخضراء أغرق في تسابيح قبيل العصر ثم بظلها صلى .."
يشتمل هذا النص على أربعين اسماً ، و ثمانية عشرة فعلاً ، خمسة عشرة فعلاً ماضياً ، و ثلاثة أفعال مضارعة ، كما يشتمل على واحد و عشرين حرفاً متوعة بين حروف الجر و العطف و التسويف ، بالإضافة إلى أربع كلمات ظرفية ، و أربعة عشر ضميراً ، الظاهر منها أربعة ، و المستتر منها عشرة ..
فنص القصة الشاعرة .. هنا ( نص اسمى ) و قد سبقت الإشارة أن تغليب الاسم فى النص يعني الثبات ، و الثبات هنا لا أقصده ثباتاً فى النص ، بل هو ثبات فى وجهة نظر مبدع القصة الشاعرة ، و لذا فلى أن أدّعى أن هذا النوع من الفن المستحدث إنما هو نوع يميل إلى المنطقية العقلية أكثر من ميله إلى الوجدان ، و إن كانت الصورة و الإيقاع يمثلان تحريكاً كبيراً للوجدان ، إلاّ أنه سوف يعتمد على الفكر العقلي ، من خلال استجلاب العامل النصي ، و هذا النص الذي نقف بين يديه تأتي النسب الكلامية فيه كالآتي :-
نسبة الاسم إلى الفعل هي إثنان : واحد ، نسبة الفعل الماضي إلى الفعل المضارع خمسة : واحد ، نسبة الاسم إلى الحرف إثنان : واحد ، و في حين تكون نسبة الفعل إلى الحرف هي واحد إلى واحد نجد أن نسبة الاسم الى الظرف عشرة إلى واحد ، و نسبة الاسم إلى الضمير ثلاثة إلى الضمير ، و نسبة الضمير المستتر إلى الظاهر هي ثلاثة إلى واحد
و يمكننا أن نستنتج من هذه الاحصائية التائج التالية :-
* - تغليب استخدام المفردات الاسمية تعني ثبات و ثبوت وجهة نظر الكاتبة
* - النسبة بين الأسماء و الأفعال تعني أ هناك كثرة عددية و قلة حدثية ، و بعبارة مبسطة ، فإن عددا كبيرا من الناس لا يتناسب عددهم مع أفعالهم
* - النسبة بين الأسماء و الحروف تبين حاجة الكلمات إلى التعالق ، و هذا يعني أن الترابط بين المفردات جاء ترابطاً واضحاً إلى جانب الترابط الخفي
*- النسبة بين الاسم و الظرف تقدم نموذجاً على وقوف الحركة في النص ، و أن الحركة مهما زادت فَلَن تتعدّى الأزمنة و الأمكنة المحدّدة للنص
* - النسبة بين الأسماء و الضمائر تعني أن هناك مشاركة لعوامل نصية خارج النص الكتابي تشارك في هذا النص الكتابي .... وتؤثر فى خطابه ... باعتبارها جزء من الخطاب .
* - الزيادة في استخدام الضمير المستتر عن الضمير البارز و الظاهر تعني أن الفكرة رغم ثباتها في عقل المبدعة إلاّ أنّ المُبرّرات و البراهين المقدّمة تحتاج إلى إيضاح أكثر
* - زيادة استخدام الأفعال الماضية عن الأفعال المضارعة توضّح أن المبدعة تغوص في الماضي بدرجة أكبر من وجودها في اللحظة الآنية ، و يبرهن على ذلك عدم ذكرها لفعل أمر واحد على الرغم من أنها حاولت في المتتالية الأولى (الجملة الافتتاحية) أن تستشرف المستقبل ، وذلك من خلال ذكرها للعامل النصي (سيحمل) ، و هي فعل مضارع يعبر عن الآتي و يحاول أن يتعدّى الحاضر إلى المستقبل باستخدام حرف الاستقبال (السين)
* لاشك أن التكثيف في نصٍّ ما يتكون من سبعة أسطر .. تجعله يحتاج في شرحه و نقده و تأويله إلى سبعين صفحة ، و هذا هو ما يُقدّمه نص "القصة الشاعرة" ، و تبدأ المبدعة نصها بـ "على أملٍ" : "غداً"، و ينتهي بـ "ثم بظلها صلى" ، فيكون واضحاً ما بين المفتتح و الخاتمة أن المبدعة تستهل نصها باستشراف المستقبل القريب جداًّ من خلال غداً" ، و هي "عامل نصي" مُعرف على تنكيره ، و يقصد به اليوم التالي ، فكلمتا غداً و أمس من الكلمات التي إذا نكّرت عرّفت ، و إذا عرّفت نكرت ، فحينما أقول الغد أقصد به مطلق الزمن بعد اليوم ، أما إذا أردت تحديدها بأنها اليوم التالي لهذا اليوم فأقول غداً ، و لذا فإن غداً للمستقبل القريب جداًّ ، و الغد للمستقبل البعيد ، و كذا أمس و الأمس .
و تؤكد المبدعة ذلك المستقبل القريب باستخدامها (السين) فى (العامل النصى) الذى تلا (العامل النصى غداً) مباشرة ، مما يعنى أنها تحاول أن تندفع إلى المستقبل لتتجاوز الماضى و الحاضر .. لكنها لم تستطع التخلص من ربقة الماضى ، و لذا جاءت الخاتمة غائصة فى الماضى ، و إستخدام الفعل (صلى) تعنى الركون للقوة ، و فعل الخير ، و اللجوء إلى الدين كمخلص من القهر البشرى ، و ربما هى إشارة إلى فساد الواقع ، فوجب الهروب منه إلى ما هو خير و فلاح ..
إن الإندماج و التداخل بين (العوامل النصية الاسمية) يعنى التخالل فيما بينها ،
(فالبيت _ القدس _ غزة _ الجدار _ زيتون _ الخضراء _ تسابيح _ العصر _ ترنيمة _ القتلى _ العزل _ التجوييع ).
ذكر هذه الأسماء فقط يجعلك تعرف أن نص (القصة الشاعرة) هنا " إنما يتناول موضوعاً خاصا بفلسطين
الحبيبة .. دون توظيف للمفردات اللغوية لتصبح داخل المتواليات عوامل نصية . و هذا يدل على إرتفاع الصوت ، و إستخدام العوامل النصية المرتبطة بالواقع الحقيقى . .
و تستخدم مبدعة ( القصة الشاعرة ) : ربيحة الرفاعى ... تفعيلة (مفاعلتن) فى الرسم الإيقاعى ، و إذا عرفنا أن هذه التفعيلة تأتى بها موسيقى الجنائز سيصبح الأمر أكثر وضوحاً :
فحينما تقول (على أمل بأن غداً سيحمل نكهة أحلى _ مفاعلتن _ مفاعلتن _ مفاعلتن _ مفاعلتن )
و تصبح الضربات الإيقاعية على هذا الشكل :-
(تتك تتتك _ تتك تتتك _ تتك تتتك _ تتك تتتك ) .
يمكننا الإحساس بالضربات بهذا الشكل أكثر من الإحساس بها فى النص ، حيث أن التثاقل فى النطق هنا .. لن يقابله تثاقلا وعيبا فى نطق النص ..... الا أن التثاقل الايقاعى فى نص القصة الشاعرة يؤثر فى الحس والشغور نفس تأثير هذه الصعوبة فى النطق واصابة الرأس بالألم ... ولذا فحينما تاتى عوامل نصية ... بمعان تقدم التفاؤل والأمل والسرور ... على ايقاعات هى جنائزية تؤثر فى الشعور من خلال هذه الايقاعات فكلمة الخضراء _ سيحمل _ نكهة احلى _ كل هذه عوامل نصية لاثارة الأمل والتفاؤل الا أن تأثرها بالايقاع فى المتتاليات النصية جعلها تقدم حزنا طويلا... طويلا...
وللحديث بقية....