المكان الطبيعي والعادل لبوش وبلير المحكمة الجنائية الدولية
د. غازي حسين
إن الصراع الجاري في المنطقة صراع بين الإمبريالية الأمريكية واليهودية العالمية من جهة وأهل الأرض والوطن والمقدسات والثروات النفطية والمائية من جهة أخرى.
ويجسد هذا الصراع تصادم المصالح بين أهداف ومصالح الإمبريالية والصهيونية وأهل البلاد الأصليين وأصحابها الشرعيين.
ويشكل التحالف الاستراتيجي بين الأصولية المسيحية والأصولية اليهودية في الولايات المتحدة، التحالف بين أميركا وإسرائيل (أي التحالف الغربي) العمود الفقري للحروب الوقائية والاستباقية والاستعمار الاستيطاني اليهودي ومشروع الشرق الأوسط الكبير لتحقيق المصالح الغربية المشتركة العسكرية والاقتصادية والثقافية ودعم المجموعات التكفيرية المسلحة كالنصرة وداعش ومجموعات مسلحة سورية أخرى.
قرر الخبراء الاستراتيجيون (العسكريون والاقتصاديون) والنخب الأميركية بعد انتهاء الحرب الباردة بتشكيل إمبراطورية تقود البشرية جمعاء على نمط الحياة الأميركية ولخدمة المصالح الأميركية وفي مقدمتها السيطرة على منابع النفط للتحكم في الاقتصاد العالمي، واعتقد هؤلاء بأنه تقع على كاهل الولايات المتحدة رسالة تاريخية في تمدن العالم وحمايته وإدخاله كله في الحضارة الغربية ومسح الحضارة العربية والإسلامية والكنفوشية، وإضعاف روسيا الاتحادية.
قررت الولايات المتحدة قبل تفجيرات أحداث أيلول قيادة العالم إبان عهد بيل كلنتون عن طريق العولمة الاقتصادية ونشر الديمقراطية الأمريكية الكاذبة. ولكن إدارة الرئيس بوش استثمرت التفجيرات وأعلنت أنها ستشكل العالم على هواها وستشعل الحرب العالمية على الإسلام وحركات المقاومة لعدة عقود.
استغل بوش التفجيرات ليقيم الإمبراطورية الأميركية بالقوة العسكرية والحروب الاستباقية ويفتك فتكاً مريعاً بكل من يقف أو من المحتمل أن يقف في وجه الإمبراطورية الأميركية، تحقيقاً للمخططات التي وضعها يهود الإدارة الأمريكية واللوبيات اليهودية الأمريكية، انطلاقاً من ازدواجية ولائهم لإسرائيل وأمريكا.
ونقلت إدارة بوش العالم من المرحلة التي بدأتها إدارة كلنتون مرحلة العولمة الاقتصادية إلى مرحلة العولمة المتوحشة. ولعب الليكوديون في إدارة بوش الدور الأساسي في إعلان الرئيس بوش الحرب الصليبية على الإسلام. ودخلت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا في صراع قاتل ضد ما أسمته الإرهاب العالمي والانحياز الأعمى لإسرائيل والذي لا مثيل له في العلاقات الدولية على الإطلاق.
دخلت الإدارة الأميركية بتخطيط وتوجيه كاملين من يهود الإدارة وإسرائيل في صراع مستمر لا ينتهي ضد حركات المقاومة والحكومات الوطنية في فلسطين ولبنان والعراق وسورية وإيران وأفغانستان وضد العروبة والإسلام.
واستخدم بوش الأصولية الدينية والحضارة الغربية والحروب الاستباقية للهيمنة على البلدان العربية والإسلامية وموقعها الاستراتيجي وثرواتها النفطية، وتحقيق المخططات الإسرائيلية.
وعند التدقيق في الوثائق والمخططات التي وضعها يهود الإدارة الأميركية وأخذ بوش يعمل على تحقيقها بالقوة العسكرية والإطاحة بالأنظمة الوطنية وتنصيب الرؤساء (العملاء لإسرائيل ولأميركا) نجد أن الإدارة الأميركية استخدمت أسلوبين:
الأول: استخدام السلاح الاقتصادي والعقوبات والحصار الذي يفرضه مجلس الأمن ودول الاتحاد الأوروبي وصولاً إلى إشعال الحروب العدوانية.
والثاني: تسويق نمط الحياة الأميركية والترويج للثقافة الغربية من خلال أفلام هوليوود اليهودية والمسلسلات التلفزيونية ونمط الحياة الأميركية كما تفعل اليوم فضائيات آل سعود وثاني ونهيان.
وتعمل الإدارة الأميركية على توتير الوضع العالمي باستغلال مجلس الأمن ودول الاتحاد الأوروبي وبعض الحكام العرب والمسلمين الذين يسيرون في ركابها، وخلق الانقسامات الخطيرة داخل كل بلد وفي العالم بأسره، ونشر الفتن الطائفية والدينية والعرقية، والحروب الأهلية والإقليمية لتكريس هيمنة الحكومة العالمية التي مركزها واشنطن والتي حلت محل الإمبراطورية التي كان مركزها روما.
فالذين يرتهنون للسياسة الأميركية سينعمون بثقافة الاستهلاك على النمط الأميركي، أما المستبعدين فستقابلهم بالعصا الغليظة الأميركية والإسرائيلية، ويسجنون في سجون على غرار غوانتنامو وأبو غريب ومعسكرات الاعتقال الجماعية في فلسطين.
جسّدت الحرب العدوانية على العراق، والهولوكوست الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني وحرب تموز 2006 على لبنان وحرب الناتو على ليبيا ذروة الهجوم الاستراتيجي الأميركي الإسرائيلي الخليجي وحلف الناتو على المنطقة، وعلى النظام الدولي وعلى العالم.
أنهى يهود الإدارة الأميركية التوجه الأميركي الذي ساد في المرحلة الماضية القائم على التعاون الأميركي ـ الأوروبي والعولمة الاقتصادية، وحملوا بوش على التوجه منفرداً في التعامل مع قضايا العالم ومنها قضية فلسطين والعراق وإيران وأفغانستان. ووضعوا هذه القضايا التي تهم اليهود وإسرائيل تحت عنوان: مكافحة الإرهاب والحرب على الإسلام.
وأصبح احتلال العراق وتغيير نظامه وتدمير جيشه ومنجزاته ونهب ثروته النفطية وإبادة شعبه وجعله البوابة لولادة الشرق الأوسط الكبير هدفاً رئيسياً من أهداف إدارة بوش قبل تفجيرات 11 أيلول وبعدها، وتحقق هذا الهدف الإسرائيلي في 16 آذار 2003 عندما أشعلت أمريكا الحرب على العراق، ودمرت منجزاته وجيشه وأطاحت بنظامه ونشرت الفوضى فيه.
وأعطت الإدارة الأميركية مجرم الحرب شارون الحرية الكاملة لسحق الانتفاضة والمقاومة الفلسطينية، وتهميش عرفات واستبداله بقيادة جديدة.
وأدارت الإدارة الأميركية ظهرها لموقفها السابق من قضية فلسطين ووافقت على استباحة إسرائيل لدماء الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم وتهويدهم ليل نهار وباستمرار.
وفي الوقت الذي كان يطالب فيه العالم محاكمة شارون كمجرم حرب بعد تدمير مخيم جنين أعلن بوش أن السفاح شارون رجل سلام، ما يظهر بجلاء افتقار بوش إلى الحد الأدنى من الحس الأخلاقي والحضاري والمنطقي، وموت ضميره وشعوره الإنساني، واستخفافه بالحكام العرب وتأييده المطلق لسياسات التطهير العرقي الإسرائيلية. بوش رئيس يكره العرب والإسلام، ويحب اليهود واليهودية وتعميه أحقاده عن رؤية الأمور من زاوية موضوعية. واستخف بوش بالزعماء العرب الذين يحققون مطاليبه، وشاركوه في حروبه ضد العراق وفلسطين ولبنان وأفغانستان، ووافقوه على اعتبار المقاومة أحد أشكال الإرهاب في قمة شرم الشيخ المشؤومة بحضور مبارك وسمو الأمير السعودي عبد الله والملك الهاشمي.
لقد أوردت هآرتس الصادرة في 8/3/2007 أن أولمرت شكر بوش على الحرب العدوانية التي أشعلها على العراق وعبّر له عن الالتزام بالامتنان والعرفان عنها. وكان الموساد هو من سوّق أكذوبة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل.
فشلت الخطط الأميركية في العراق وزادت من مصائب وويلات الشعب العراقي وشعوب المنطقة. وتراكم الفشل الأميركي باستمرار مع الذبح اليومي للشعب العراقي والفلسطيني والليبي. فالقتل والتدمير والنهب والسلب وعمليات المقاومة تتصاعد والإدارات الأمريكية تتحدث عن نجاحاتها في العراق. وترك بوش في النهاية العراقيين يذبحون بعضهم بعضاً وأدخلهم أكثر فأكثر في الفتن الطائفية والعرقية والحرب الأهلية. ووصل الاستهتار والغباء بالرئيس بوش حداً قال فيه أنه نجح في العراق في أن يجتذب إلى أرضه «الإرهابيين الأجانب» حتى يفتك بهم واحداً واحداً، ويكفي الأميركيين شر وصولهم إلى السواحل والمدن الأميركية، ولا يزال القتل والتدمير ينتشر في العراق وسورية وليبيا واليمن ومصر وغيرها بسبب الحروب والممارسات الأمريكية والإسرائيلية، فالبلدان يتحملان مسؤولية انتشار داعش والنصرة وبقية المجموعات التكفيرية في المنطقة وفي جميع أنحاء العالم.
إن الرئيس بوش شأنه شأن معظم رؤساء الولايات المتحدة كان مغرق في الكذب وفي العداء للعرب والمسلمين والانحياز لليهود ولإسرائيل، ولا يأبه بالقيم والأعراف والتقاليد الأميركية والدولية، ولا يحترم القانون الدولي والقرارات والعهود والمواثيق الدولية ومبادئ الحق والعدل والحرية والديمقراطية. وولّد التفوق العسكري والاقتصادي الأميركي لديه وإيمانه بغطرسة القوة شعوراً زائفاً بالأمن، أفقده أي إحساس بالمسؤولية أو الإنسانية، وفقد بسبب غطرسته وغروره وإدمانه على الكذب البصر والبصيرة. فغزا ودمر البلدان التي لا تروق لمزاجه الهمجي، تحقيقاً لقناعاته التوراتية والتلمودية. وتدخل في شؤون شعوب الأرض قاطبة. وأذل ودحر الشعوب التي تعاديها عصابة المحافظين الجدد وأتباع الفيلسوف اليهودي الألماني شتراوس، واللوبيات اليهودية الأمريكية. وأدمن الرئيس بوش على استخدام الأكاذيب حتى في خطبه السنوية عن حال الاتحاد أمام الكونغرس.
وأدار ظهره للعالم وللإجماع الدولي لتحقيق استراتيجيته الأمنية التي وضعها يهود إدارته لمصلحة إسرائيل أولاً وأخيراً وبالإمكانيات الأميركية البشرية والمادية لإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي وضعه اليهودي الحقير برنارد لويس وتبناه الكونغرس الأمريكي عام 1986.
وأعلن أمام الكونغرس في خطبته في كانون الثاني 2004 أن الولايات المتحدة لن تطلب أبداً الإذن من الأمم المتحدة وغيرها للدخول في حرب من أجل حماية مواطنيها، وهو الذي جعل الولايات المتحدة أكثر دولة مكروهة في العالم.
وفي مؤتمره الصحفي مع السفاح شارون في 14 نيسان 2004 أسقط حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم خلافاً لقرار الأمم المتحدة 194 والإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949م.
وأسقط إلزامية انسحاب العدو الإسرائيلي إلى حدود ما قبل الرابع من حزيران عام 1967 خلافاً لقراري مجلس الأمن الدولي 242 و338. وأضفى المشروعية على المستعمرات اليهودية التي تتناقض مع قرار مجلس الأمن 465، واعترف بيهودية إسرائيل ما يعني التشطيب على حق عودة اللاجئين إلى ديارهم والموافقة على تراتسفير (ترحيل) جديد لفلسطينيي عام 1948 من ديارهم إلى دولتهم المزمع إقامتها المنقوصة السيادة والاستقلال والأرض والحقوق ولترسيخ وجود إسرائيل في المنطقة والاعتراف العربي الجماعي بها والهرولة في التطبيع معها. وأضفى بوش المشروعية حتى على جدار الفصل العنصري الذي أقامته إسرائيل على الأراضي الفلسطينية.
لقد فشلت سياسات بوش وأوباما في كل مكان وبشكل خاص في فلسطين والعراق، لذلك قرر هو ومجرم الحرب توني بلير السعي لتحقيق نصر في منطقة الشرق الأوسط بحمل السلطة الفلسطينية على توقيع صفقة لتصفية قضية فلسطين، وحاول مع رئيس الرباعية سيئة الصيت توني بلير ودول الاتحاد الأوروبي وبعض القيادات الفلسطينية والعربية إخراج أخطر تسوية لقضية فلسطين ولمصلحة إسرائيل.
وهنا أتساءل هل يمكن لمجرمي الحرب بوش وبلير أن يصنعا السلام العادل في المنطقة وهما اللذان حالا دون إرسال لجنة تحقيق دولية للتحقيق في إبادة إسرائيل لمخيم جنين؟
لقد أدمن بوش وبلير على الكذب ومعاداة العرب والمسلمين والانحياز الأعمى لإسرائيل، وجعلا من مشروع شارون للتسوية مشروع الرباعية (رؤية الدولتين) وسخَّرا كل أساليب التضليل والخداع لتحقيق نصر لهما لإرضاء اليهودية العالمية وعلى حساب الحقوق الوطنية والقومية والدينية للعرب والمسلمين في فلسطين وبيت المقدس.
إن المكان الطبيعي والعادل لبوش وبلير هو محكمة الجزاء الدولية لمحاكمتهم كمجرمي حرب، لأنهما أسوأ من النازيين في ألمانيا، وبوش أسوأ من هتلر وأسوأ بني البشر على الإطلاق.