ثم .. أبصر نفسه

[عبد الله راتب نفاخ]

ثم .. أبصر نفسه:

احتواه ضياع غريب، ملأ أركان نفسه المشتتة، لم يدرِ من أين جاءه، لكنه كان على يقين مما هو فيه.
تلفت حوله كثيراً، أخذ يتلمس الأشياء علّه يلقى فيها المنجى، بيد أنه عاد بخفَّي حنين.
ارتمى على الأرض منهكاً، وسيلمن الدموع يهراق على خدّيه.
في أعماق قلبه أبصر نوراً ضئيلاً، طفق يتمدد، غشيه، بل غشي ما حوله وما فوقه وما تحته.
وعلى حين غرة .... أبصر نفسه في السماء.

[ريمه الخاني]

نعم هذا مايحصل في سوريا الجريحة..
دمت مبدعا حقيقيا..
يعجبني بداية القص التي تبدأ باستناف.
كل التقدير وبانتظر المزيد ثم المزيد.

[سالم وريوش الحميد]

الأستاذ الغالي
قراءة في نص (ثم أبصر نفسه )
قد لا يبصر الإنسان نفسه إلا في النوائب أو عندما تحيط به الخطوب ، لذا فالعنوان يحمل مضمونا عميقا . نقطة تحول من إلا مبالاة إلى الاهتمام بالنفس .. ويوضح الكاتب ذلك في استهلاله الذي كشف عن مضمون النص ، أن ثمة طارئ قد حول نمطية حياته من شكل إلى آخر ..
وثمة استدراك ينبئنا أن البطل كان على علم بما جرى له أي أنه واعي لما أصابه
، النص هنا يصور انتقالات في دينامكية النفس البشرية وتطوراتها الانفعالية ، أنتقل من حالة الدهشة وعنصر المفاجأة التي باغتته إلى عنصر العمل والبحث عمن يخلصه مما أحاق به ، جاء البحث عن المنقذ بحثا ذاتيا , لذا عاد خائبا لم يقدر الوصول إلى حل بعد أن أعياه البحث .. حالة من الاستسلام ، حالة من اليأس ردة فعل لخيبته (( ارتمى على الأرض منهكا ))
وكونه كان منهكا إذن فهو قد بذل جهدا كبيرا لأن الإنهاك لا يأتي إلا بعد جهد سواء أكان فكريا أو عمليا ... وإحباط جعله يبكي بكاء شديدا
ولكن لابد أن يكون هناك بصيص من أمل ,, هذا البصيص جاء بعد جملة من التداعيات..
((في أعماق قلبه أبصر نوراً ضئيلاً، طفق يتمدد، غشيه، بل غشي ما حوله وما فوقه وما تحته ))

استخدم القاص هنا مفردات قد لا تشبع المعنى الذي أراده وهي مفردات شائعة الاستخدام ( طفق ملازمة للفعل بمعنى يفعل )) وكلمة طفق يتمدد ، الامتداد هنا التوسع و يستخدم للطول والعرض فقط وليس بمعنى الإحاطة بالشيء ويمكن استخدام كلمة الانتشار ومعناه الذيوع والشيوع والتضوع ( كانتشار النار في الهشيم ) وانتشار الخبر ، وانتشار الرائحة )ومعناها تمددها دون اتجاه أما غشيه تعني غطاه و الغشاء وهو الغطاء أو الغلاف الخارجي الذي يحيط بالشيء من الخارج وليس بكل الشيء فيما أراد الكاتب إن هذا البصيص من الأمل بدأ ينتشر لذا فكان مدركا لقصور المعنى وهو استدراك موضوعي لأن الكاتب أراد أن يعطي نصه عمقا مضافا
لذا جاءت جملة الختام ( بل غشى ما حوله وما فوقه وما تحته )
ويأتي عنصر المفاجئة أو الصدمة نهاية لتداعيته ( أبصر نفسه في السماء )
هل هذا الإبصار كان مشاهدة فعلية ،أم أنه انتقل إلى عالم آخر ( الموت ) وهو الخلاص من كل العذابات والصراعات والآلام التي مر بها ، أم هي عملية مجاز لفظي أطلقه الكاتب ليقول لنا أنه توصل للحل , وأين هو الحل ...
قد يكون خلاصه أنه وجد نفسه محاطا بعناية السماء .. ورغم كوني أبعد أنه
أراد أن يقول أن الحل هو في الاتجاه إلى الله ،
لسبب بسيط وهو أن وجوده في السماء كان بإرادة أخرى مجهولة غير إرادته ..
إن هذا النص يقودنا بنفسه إلى الحل
قطعا أن يكون الإبصار في داخل الذات فقد يكون (خلاصه) نقاء روحيا يسمو به نحو الإشراق الوجداني ...لأن الأبصار جاء من أعماق نفسه ... لذاجاء الجواب ( أن الحلول تأتي من داخل النفس )
نجح الكاتب بشكل كبير في تحريك منظومة أفكارنا بأكثر من اتجاه بعد أن حمل نصه بأكثر من تأويل وهذه قدرة تحسب له لأنه جعل الاستبطان شكلا من أشكال الظاهر أو بالعكس
النص راقي رقي كاتبه ... دمت مبدعا