غزة..
خضراوات رمضان مسكنات اقتصادية
علا عطا الله**
الخضراوات سلعة رائجة في رمضان
فكَّر الحاج أبو خالد زويد في استغلال حلول شهر رمضان لإنشاء مشروع صغير للتخفيف من حدة الحصار الخانق المضروب بقوة على الأراضي الفلسطينية.
اختار زراعة أرضه التي تبلغ مساحتها 300 متر بالخضراوات؛ لأن بيعها ينشط في رمضان فلا تكاد مائدة تخلو من الجرير والفجل في هذا الشهر الفضيل.
وعن الفائدة المادية التي تعود عليه، ابتسم وقال: "الحمد لله قد أبيع في اليوم بـ 60 شيكلا (ما يعادل 11 دولارًا) وقد أبيع بـ 120 شيكلا (ما يعادل 22 دولارًا)".
ويشارك أبو خالد في تنفيذ هذه الفكرة العديد من أهالي قطاع غزة الذين استقبلوا رمضان هذا العام تحت وطأة أزمة مالية شديدة بسبب انقطاع الرواتب نتيجة الحصار الذي تفرضه إسرائيل والدول الغربية على الحكومة الفلسطينية منذ وصول حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى السلطة بعد فوزها في الانتخابات التشريعية.
ولكن الفرق بين تجربة الحاج أبو خالد وغيره من سكان غزة أنهم لا يملكون أرضًا مثله؛ فاستغلوا المساحات القليلة الخالية في منازلهم لهذا الغرض.
ومن هؤلاء رامي الحداد الذي يقول عن تجربته: "كنت مارًّا في إحدى الأسواق وإذا بصوت بائع ينادي لشراء بذور الجرجير والفجل والبقدونس. كان ثمنها رخيصًا فجلبتها للبيت وقمت بزراعتها. والآن كل جار من جيراني وجميع أهل الحي يطلبون مني يوميا حزمة أو ثلاثا من كل الأصناف قبل موعد الإفطار، حسبت ربحي اليومي فوجدتني أتحصل على 20 دولارًا يوميا".
فرصة عمل بديلة
أما أبو أحمد الذي يعمل مدرسًا فقد قام باستغلال قطعة الأرض التي يملكها والتي تجاور بيته وزرعها بالخيار، وعن دوافعه للاتجاه لهذا المشروع قال: "الظروف المعيشية صعبة والرواتب منقطعة ولا أمل بالانفراج يلوح في الأفق.. يجب أن نفكر ونبدع اقتصاديا، قلت لنفسي إن رمضان قادم فلِمَ لا أزرع الأرض بالخيار، خاصة أن رمضان هو موسمه، حيث يحب الكثير أكله مع الجبن على السحور واستخدامه للسلطات على الفطور؟".
وأشار أبو أحمد إلى أن الصندوق الواحد من الخيار ثمنه يصل إلى 20 شيكلا، أي ما يعادل 5 دولارات، وقد يرتفع ثمنه إلى أكثر في حال إغلاق المعابر التجارية والعكس، وتمنى أن تجني أرضه العديد من صناديق الخيار.
حتى الأطفال جذبتهم الفكرة
ولم تجذب الفكرة الكبار فقط، بل جذبت الأطفال أيضا؛ فالطفل خالد موسى 13 عاما أراد أن يفاجئ والده الموظف بفكرة تساعده في التخفيف من عناء ما يعانيه بسبب أزمة انقطاع الرواتب منذ 7 أشهر.. فاشترى بمساعدة والدته البذور والشتل اللازمة، وتوجه على الفور إلى خلف منزله حيث الأرض الخالية التي تحولت بعد حين إلى أرضٍ أخرى مزروعة بالخضراوات.
وقال والد خالد معبرا عن سعادته: "لقد جاءت فكرة خالد في وقتها؛ فالأرض كانت خالية، ولم أفكر يوما في استغلالها، والجميل أن خالد فعل كل هذا قبل رمضان لتكون الخضراوات جاهزة فيه للبيع".
ولأن أهالي قطاع غزة يتهافتون لشراء هذه الأنواع من الخضراوات حيث لا تكاد مائدة تخلو من الجرجير أو البصل الأخضر والفجل، ولا تكاد أيضا تخلو من السلطة المزينة بالخضراوات، فإن هذه المزروعات وبشكل يومي تجد طريقها للنفاد من الأسواق حيث الإقبال الشديد عليها.
حلول وقتية
ورغم إعجابنا بهذه الفكرة التي تشكل نموذجا للحلول الإبداعية في تجاوز الأزمات الاقتصادية، فإن الحماس للفكرة يجب ألا يجعلنا نغفل حقيقة أنها حلول وقتية ترتبط بموسم شهر رمضان؛ أي إنها بمعنى أدق مسكنات سيزول مفعولها بعد انتهائه، وهو ما يحتم ضرورة البحث عن حلول جذرية للأزمة، خاصة بعد أن حذر تقريران صادران في سبتمبر 2006 عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (يونكتاد) والبنك الدولي من خطورة الوضع الحالي بالأراضي الفلسطينية.
فتقرير اليونكتاد أشار إلى أن الدخل الفردي في الأراضي الفلسطينية سيتدهور في العام المقبل إلى أدنى مستوياته منذ 25 عاما.
وكشف عن أن إجمالي الدخل الفردي الواقعي للشعب الفلسطيني لن يتجاوز الألف دولار في العام 2007 (مقابل 1450 دولارًا في 2005)، فيما لو استمر انخفاض مستوى المساعدات بنسبة 50% خلال الفترة الممتدة ما بين العامين 2006 و2008.
وحذر التقرير من أن البطالة ستطول نصف اليد العاملة الفلسطينية الفعلية نهاية هذا العام، وأن أسرتين من ثلاث ستعيشان من دون خط الفقر.
أما البنك الدولي فقد توقع حدوث هبوط كبير في أداء الاقتصاد الفلسطيني خلال العام الجاري، ليعود إلى مستوياته في السنوات الأولى للانتفاضة، كما يتوقع تراجعا في الناتج المحلي الحقيقي للفرد في الأراضي الفلسطينية بنسبة 27% مع نهاية العام، وانخفاضا في الدخل الشخصي للفرد بنسبة 30%.
وقال البنك في أحدث تقاريره عن التطورات الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية: إن القيود المتواصلة على الحركة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، والتقليصات في مساعدات المانحين، إضافة إلى التقليصات في عدد العمال الفلسطينيين داخل إسرائيل، تشير جميعها إلى تدهور اقتصادي إضافي.
وحذر من أن المقاطعة الدولية لفلسطين، وما يتبعها من تراجع في أداء الاقتصاد الفلسطيني خلال العامين القادمين، سيرفعان نسبة البطالة في الضفة وغزة إلى 47%، فيما ستصل نسبة الفقر إلى 74% بحلول العام 2008، ليصل التراجع التراكمي في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي 55% عن مستواه في العام 1999.
ووفقا لهذه المعطيات، يتوقع البنك الدولي ارتفاعا في معدل البطالة من 23% في العام الماضي، إلى 40% خلال العام الجاري و44% خلال العام القادم، لتصل إلى 47% خلال العام 2008.
كما يتوقع أن ترتفع نسبة الفقر من 44% خلال العام الماضي، إلى 67% خلال العام الجاري، و72% خلال العام القادم، لتصل إلى 74% خلال العام 2008.
--------------------------------------------------------------------------------
** صحفية فلسطينية، ويمكنك التواصل معها عبر البريد الإلكتروني للصفحة namaa@iolteam.com.