هل من قيمة لأعمال وإنجازات غير المؤمنين (في الآخرة) ؟.
تكرر الجدل في الآونة الأخيرة حول مصير (الملحدين) من العلماء والمميزين ممن قدموا للبشرية الكثير من الخير في العلوم والاكتشافات .. حيث أثير التساؤل التالي : هل من المعقول أن يحرم الله تعالى علماء ملحدين من أمثال ستيفن هوكينغ وريتشارد دوكينز من الجنة في حين يدخلها مؤمن أمي كسول لم يقدم شيئاً مفيداً للإنسانية؟.
لكي لا نخدع الآخرين , ولئلا نخلط الأمور بين هدفين أساسيين من أهداف المؤمن في هذه الحياة هما هدفي (النهضة) في الدنيا و (النجاة) في الآخرة فإن علينا أن نكون صريحين بأن ما يفهم من آيات كثيرة من كتاب الله هو أن الحياة الدنيا .. والأرض بكل ما فيها .. والحضارة والتقدم وكل الوسائل والمظاهر التي نراها فيها ما هي سوى قاعة امتحان لبني البشر في مادتين أساسيتين هما (الإيمان) و (العمل الصالح) .. وأن كلاً من هاتين المادتين هي مادة (مرسبة) .. فمهما تميَّزنا في جمع العلامات في إحداها فلن يفيدنا ذلك إذا أهملنا المادة الأخرى . فمن يدعي الإيمان ثم يمارس كل أنواع الظلم والفجور والفساد لا ينجيه إيمانه ولا بد من اقتران إيمانه بعمل صالح .. وبالمقابل فإن ما يفهم من كتاب الله أنه مهما كان الجهد والعطاء الذي يقدمه (من لا يؤمن بالله واليوم الآخر) للبشرية .. فإن أعماله لا تساوي (في الآخرة) إلا صفراً {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا .. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا .. أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} .. ويجب علينا مصارحة كل الذين يتفانون في إنجاز الكثير لأنفسهم وللبشرية دون التفكر فيمن خلق هذا الكون وخلقهم ورزقهم أنه لا قيمة لعملهم ولا لعلمهم ولا لشهاداتهم يوم الحساب ما لم يكونوا مؤمنين {إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ .. أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}.
لماذا؟ .. لأن الله تعالى لم يمنحنا كل هذه الطاقات لنتذكر ونعمل كل شيء ولا نكرس وقتاً للتفكر فيه وفي يوم لقائه { حَتَّى إِذَا جَاؤُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ؟}
فما يقوم به (الكافرون بالله واليوم الآخر) من أعمال (ومهما عظم شأنها) من أجل حياتهم الدنيا ينالون جزاءهم عليها في الحياة الدنيا على شكل مال وشهرة وحياة رغيدة .. ولكن قيمتها تنتهي ويستوفى أجرها في الساعة التي تنتهي فيها حياتهم {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ (فِيهَا) وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ} .. أما في الآخرة فليس لهم جزاء كفرهم إلا النار {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} .. {مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ} .. وماذا عن آيات نحفظها ونستشهد بها تقول أن الله لا يضيع عمل عامل ولا يضيع أجر المحسنين ؟ .. إذا دققنا في سياق هذه الآيات نجد شرط الإيمان فيها جلياً واضحاً .. مثل { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} ... ومن كان عنده رأي آخر فلا يبخلن به علينا.
جمال جمال الدين