إعادة اكتشاف اللغة العربية
http://www.tajdeed.org/article.aspx?id=10488

اللغة هي وجه الفكر ووعاؤه، واللغة العربية كانت لغة محكمة رصينة علمية دقيقة، غاية الدقة في التعبير عن المعاني المختلفة ببناءات وألفاظ مختلفة. ولكنها على مستوى الاستخدام قد فقدت ذلك، حتى يمكن القول بأن أحداً لم يعد يستخدمها كما ينبغي، لا من العلماء، ولا الأدباء ولا المفكرين، لان هذا الوعي اللغوي قد ضاع من الذاكرة اللغوية ومن الفهم السائد.

إن أعظم القاتلين لعلمية اللغة العربيّة هم الأدباء ، والشعراء خصوصا الملتزمون بالقافية، فإن سيادة القافية والوزن على الشعر العربي، أثرى اللغة في ناحية، وأضاعها في ناحية جوهرية أخرى، فالحاجة لتوظيف عبارات مختلفة لأداء معنى واحد تبعاً للوزن والقافية، ألغى علمية اللغة العربيّة ، وقتلها بالترادف ، فصار العقل العربي لا يميز في الاستخدام، بين الكلمات التي كانت يوماً ما تحمل فارقاً في المعنى . فالفعل والعمل هما شيء واحد، والكفر والشرك شيء واحد، والركض والجري والسعي شيء واحد، و ردّ و رجع شيء واحد، والمعروف والإحسان شيء واحد، ولو قرأت معجماً لغوياً لوجدته يفسر معاني كل الكلمات بكلمات أخرى، دون أن يرصد الفارق بينها لا معنى ولا استخداماً. و هذا ما أضاع خصوصية الكلمات ودلالاتها، خاصة ونحن إنما نستدل على أصالة الكلمات ومعانيها من الأبيات الشعرية القديمة، ظناً منا أن اللغة يومها لم تكن قد فسدت، وقد يكون هذا الكلام صحيحاً على مستوى القواعد النحوية، أما المعاني فقد ضاعت منذ زمن بعيد.

لقد أفسد هذا الوضع فهمنا للقرآن، وبالتالي خلّط علينا الكثير من المفاهيم وحرمنا الكثير منها، والقرآن مع هذا هو الكتاب الذي ينبغي أن نستخدمه لاستعادة المعاني العلمية للألفاظ العربيّة ، فهو قد صيغ من خارج الدائرة الفاقدة للعلمية ، فنحن إلى اليوم نتعامل مع القرآن تعاملنا مع الشعر وما يحمله من ترادفات، فنفسره بمعان متكررة في مقامات مختلفة، مما أفسد علينا فهم القرآن، وبالتالي أضاعنا وأضاع الكثير من أسرار القرآن عنا.

إن إعادة اللغة العربيّة بمبانيها العلمية للعقل العربي هو أمر في غاية الصعوبة، ولكنه أيضاً في غاية الأهمية، وذلك لكي نعيد العلمية والتفكير السديد لعقولنا وثقافتنا. والتمكن من علمية الألفاظ، حتى تعود لنا على السليقة، لا يمكن أن يعود في جيل أو جيلين، ولكنه أمر لا بد منه، وإلاّ فسنظل لا نفهم تراثنا، وسيظل هذا التراث ضائعاً منا. اليوم لا يوجد أديب أو لغوي، يفهم اللغة العربيّة ويستخدمها كما ينبغي، واضعاً كل كلمة في موضعها دون خلط ، ولكن لو أعدنا فرز معاجمنا، وأعدنا دراسة القرآن لغوياً على هذا الأساس، لأمكن لنا استعادة أسرار اللفظ العربي العظيم، ولأدهشنا هذا العقل في دقته وعلميته .
إن إعادة اكتشاف الشارد من اللغة العربيّة، لا يعني أنها في غير حاجة للنمو والتطور، فاللغة كائن حي، تنموا وتتطور بتطور أهلها ، ولكن ينبغي أن يكون التطور تطوراً لا تراجعاً ، فكلما كانت اللغة بسيطة التركيب، وعميقة الدلالة كانت أكثر تطوراً، ولا ينبغي التضحية بالدقة والعمق طلباً للبساطة، ولا بالبساطة طلباً للعمق .