منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    فلسطين - رام الله
    المشاركات
    355

    ضمانات شرعيّة لديمومة الأخوّة الإيمانيّة

    ضمانات شرعيّة لديمومة الأخوّة الإيمانيّة

    الأخوّة الإيمانيّة نفحة مباركة من نفحات الكبير المتعال ، وأعطيّة إلهيّة طيّبة تنعقد عليها الآمال ، وشامة عز في جبين الأجيال ، وهي أمارة العقول النيّرة ، وآية النفوس الخيّرة فضلاً عن كونها شارة الانتماء ، وشيمَ النبلاء ، ورابطة الولاء !
    من أجل ذلك : عقد الباري تبارك وتعالى عقد الأخوّة بنفسه ، فلم يكله لأحد من خلقه ولا حتى لنبيّه عليه الصلاة والسلام ، فقال عز من قائل : ( وألّف بين قلوبهم ، لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ) ( الأنفال 63 )فأيّ محاولة بعد ذلك لخدش عقد الأخوة هذا فهي محاولة مذءومة مذمومة لحلّ عقدة عقدها المولى جلّ شأنه !
    بل وعرض القرآن الكريم وكذا السنة النبويّة الأخوّة الإيمانيّة على أنها أمر حتميّ مقضيّ ، فلا توجد آية قرآنيّة في كتاب الله تعالى ولا حديث نبويّ شريف يأمر المسلمين بإنشاء الأخوّة فيما بينهم ابتداء ، إنما عرضت الأخوّة في القرآن الكريم وفي السنّة النبويّة على أنها من المسلّمات الإيمانية والبدهيات الشرعيّة ، فقال عزّ من قائل :
    ( إنما المؤمنون إخوة )( الحجرات 10) أي ما المؤمنون إلا إخوة ، ولا مناص لهم إلا أن يكون كذلك ، وما صحّ لهم وما كان لهم إلا أن يكونوا كذلك ، أمّا قوله عليه الصلاة والسلام : ( وكونوا عباد الله إخوانا )( رواه مسلم ) لم يقصد منه إنشاء الأخوّة ابتداء إذ هي موجودة منعقدة بمجرّد الإيمان ، فهي ثمرة من ثمرات الإيمان ، وحصيلة مباركة منه ، وإنما المقصود المداومة عليها وتنميتها وصيانتها ! وحفظ عراها من الانفصام !
    وإذا كان ذلك كذلك : فلكلّ بنيان يشيده الإنسان ضمانة لتماسكه ؛ تمسكه أن يزول ، متمثلّة في الأساسات القوية التي قام عليها هذا البنيان ، وفي المواد اللاصقة التي تتخلّل لبنات هذا الصرح الظاهر للعيان ، وذلك مَثـَلُ بنيان الأخوّة الإيمانية الذي شيّدته إرادة الرحمن ، فإن الأساسات المتينة التي قام عليها صرح الأخوّة هو الإيمان ، وبالتالي فأي بخس أو نقص في عقد الأخوّة إنما هو بخس ونقص قادح في كمال الإسلام وتمامه ؛ ,وأمّا المواد اللاصقة التي تتخلّل لبنات هذا الصرح الأخويّ فتتمثل في المنظومة الخلقيّة النفسيّة والحسيّة التي أرستها الشرعة الحكيمة كضمانات لتماسك البنيان الأخوي وصيانته وديمومته ، وقوام هذه المنظومة الخلقيّة : إشاعة أجواء المحبّة والألفة والنصح والتناصح والعفو الصفح والحياطة والكلاءة والنصرة والتناصر والعفو ولين الجانب وخفض الجناح وتغليب نفسيّة التغافر بين ظهراني أفراد المجتمع المسلم !
    فكما أنّ المودّة والألفة تشدّان بنيان المجتمع وتجعلان لبناته مرصوصة بعضها إلى بعض ، كذلك فإن تلكم المعالم الخلقيّة النيّرة من الصفح والعفو والغفران تعدّ سياجاً أمنياً حافظاً لذاك البنيان من التآكل والانهيار ، فهي تصون الصرح الأخويّ من عوامل التعرية المتمثلة في الضغائن والشحناء والإحن ، التي قد تتسلّل إلى القلوب على حين غفلة من أهلها فتعشّش فيها فتفسد أجواء الأخوّة .
    من هنا : جاءت الشرعة الحكيمة بتلك الضمانات لديمومة الأخوّة الإسلاميّة وحفظها وصيانتها من الخدش والعطب : إجتمع ثلاث من هذه الضمانات في الحديث الذي رواه أبو داود في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "المؤمن مرأة المؤمن ، المؤمن أخو المؤمن يكفّ عليه ضيعته ويحوطه من ورائه"
    * الضمانة الأولى : (المؤمن مرأة المؤمن ) أن تكون مرآة لأخيك يبصر حاله فيك ، وهو مرآة لك تبصر حالك فيه ؛ فإن شهدت في أخيك نزعات خير نمّيتها ، وإن شهدت فيه نزغات شرّ قوّمتها ! فلا تزال طباع الناس متباينة ، وأمزجتهم متغايرة ، وليس ذلك مدعاة لتدابرهم ولا مبرّراً لتنافرهم ، ولا مسوّغاً لتناحرهم وهجران بعضهم بعضا ، بل لهم في النصح والتناصح والمكاشفة والمصارحة عوض عن التباغض والتهاجر والتدابر والتناحر إن رأى أحدهم في أخيه ما يشينه !!
    * الضمانة الثانية : (يكف عليه ضيعته) فالمرء عرضة لضيعة فكرية ونكفّها عنه بتصويب فهوماته ، وضيعة نفسيّة ونكفّها بتسرية همومه وأحزانه ، وضيعة سلوكيّة ونكفّها بتعديل تصرفاته ، وضيعة صحيّة ونكفّها بتطبيبه ومداواته ، وضيعة اقتصادية ونكفها بسدّ عوزه واحتياجاته ، وضيعة أمنيّة ونكفّها بحقن دمه وصون عرضه والأخذ على يد من يستبيحون حرماته ، وجماع ذلك كله أن تكون له البلسم من كلّ مغرم ! فذلك كلّه ضامن لإدامة ألفتهم ، وترجمة واقعيّة لحقيقة أخوّتهم !
    الضمانة الثالثة : (ويحوطه من ورائه) يحفظه ويصونه ؛ حياطة معنوية بالذبّ عن عرضه ، إن في مشهده أو مغيبه ، وكذا لا يخذله ولا يُسلمه لنوائب الدّهر والزمان ، ولا لطوارق الحدثان (الليل والنهار) ، وحياطة حسيّة : بحمايته ونصرته وعدم إسلامه لمطارق الطغيان !! وفي ذلك ترسيخ لمعالم الولاء فيما بينهم ! ونظير ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يُسلمه ) ( متفق عليه)
    * الضمانة الرابعة : ( وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ) (
    رواه مسلم) و قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - على المنبر( أيها الناس تواضعوا فإني ]سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول : من تواضع لله رفعه الله) [رواه الطبراني] وعن أبي هريرة مرفوعا : ( من تواضع لأخيه المسلم رفعه الله ، ومن ارتفع عليه وضعه الله ) [رواه الطبراني في الأوسط ]
    وعليه : فقد بان بأنّ هؤلاء المتواضعين العافين عن الناس يسربلهم مولاهم سرابيل العزّ ، لأنهم أرادوا أن يضمّوا إلى علوّ منصبهم فضيلة التواضع ، وأنعِمْ بها من فضيلة من حازها فقد حاز حظاً من الخير وافرا ، وضرب من غنيمة الأجر والثواب والكرامة سهماً ظافرا .
    حليمٌ إذا ما الحِلمُ زيّن أهله .......... مع الحِلمِ في عين العدوّ مَهيبُ

    وبعد : من أجل ذلك كانت النفس التي تحمل بين جنباتها قلباً صافياً نقيّاً ، ومن الأحقاد طاهراً خليّا ، لهي بحق نفس عليّة اجتباها ربّها وأحبّها وتفضّل عليها فكانت راضيّة مرضيّة تُحِبّ وتُحَبّ بشهادة ربّها تبارك وتعالى : ( يا أيها الذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم) ( المائدة54)
    فأفراد الأمّة وجموعها إما أن ينحازوا إلى تلكم الضمانات الشرعيّة ، فتحصل لهم في أنفسهم السكينة والاطمئنان ، ويشيع بين ظهرانيهم الأمن والأمان ، وإما أن ينجرّوا إلى أتون مشاحنات نفسية وضغائن قلبية ينفرط على إثرها عَقدُ أخوّتهم ونسيج وحدتهم انفراطاً ما له من فواق !
    فتلكم رزمة من الضمانات الشرعيّة لديمومة عقد الأخوّة الإسلاميّة ، ومن استقصى وقف على المزيد .

  2. #2
    أعجبني العنوان والموضوع دكتور عيد,هذا مايلزمنا فعلا..كن بخير.

  3. #3
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    فلسطين - رام الله
    المشاركات
    355
    سعدت بمرورك أخي الحبيب محمد دحروج ، وأرحّب بك فارساً مقداماً في ( فرسان الثقافة )
    لك تحيّتي ومودتي

المواضيع المتشابهه

  1. المومياء المحنطة
    بواسطة قيس الكلمد في المنتدى فرسان الخواطر
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 01-08-2013, 01:04 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •