بسم الله الرحمن الرحيم
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا أخ سامي:
أولاً أشكرك على إنتقاءك لهذا الموضوع الجيد "معجم لسان العرب لابن منظور". ومشكور جداً جداً من أجل رابط تحميل ذلك المرجع القيم الذي اطلعت عليه فوجدت فيه معجم "القاموس المحيط" لفيروز الأبادي أيضاً، إن شاء الله سأُحَمِّلهما وأحتفظ بهما وسأدعو لك كلما استخدمتهما جزاك الله كل خير.
لكن قولك وهو أكبر المعاجم وأصحها مرجعاً في اللغة العربية فهذا غير صحيح! ولولا أنه من الممكن أن ينتج عن هذا القول فرصة، ممكن أن يستغلها البعض لتشويش الناس، لما أعرت لقولك هذا كثير إهتمام.
ولكن وبسبب أنني قرأت منذ فترة على أحد المواقع، مقالاً لأحدهم يذكر فيه وبطريقة غير لائقة أبداً أن كلمة نساء هي جمع لكلمة نسيء، واستند بذلك إلى معجم لسان العرب؛ فكان لابد لي من أن أكتب في هذا الموضوع! وطبعاً هذا الكلام كان خطأً من "الجوهري" صاحب "الصحاح" الذي هو أحد المصادر الخمسة التي جمع منها إبن منظور مادة معجمه "لسان العرب"، وقد صححه له صاحب "قاموس المحيط" الفيروز الأبادي!
ولكن للأسف هناك بعض المغرضين يريدون تشويه لغتنا الجميلة بإحياء أخطاء لغوية صدرت من علمائنا الكبار الذين عملوا وتعبوا كثيراً جزاهم الله خيراً ليقدموا لنا تلك الكنوز. ولكنهم في النهاية هم بشر لابد من أن يحدث منهم الخطأ أحياناً. ولتفويت هذه الفرصة على أولئك المغرضين؛ الرجاء الإطلاع ياأخي على ما سأذكره هنا... أرجو من الله أن أنفعك وأنفع نفسي بما فتح الله عليَّ من معلومات، وينتفع الأخوة القراء معنا ويُكسبنا الله جميعاً الأجر والثواب.
مكانة القاموس المحيط
"القاموس المحيط" للفيروز آبادي هو المعجم الذي طار صيته في كل مكان، وشاع ذكره على كل لسان، حتى كادت كلمة "القاموس" تحل محل "المعجم" إذ حسب كثير من الناس أنهما لفظان مترادفان، ذلك لكثرة تداوله، وسعة انتشاره، فقد طبّقت شهرته الآفاق، وهو صبير بذلك، لأنه جمع من المزايا ما بوّأه منزلة الإمامة بين المعاجم، فأصبح المعوّل عليه، والمرجوع إليه، ومن خصائصه ومزاياه:
1- غزارة مواده وسعة استقصائه، فقد جمع بين دفتيه ما تفرق من شوارد اللغة، وضم فيها ما تبعثر من نوادرها، كما استقاها من "المحكم" و"العباب" مع زيادات أخرى من معاجم مختلفة يبلغ مجموعها ألفي مصنف من الكتب الفاخرة، فجاء في ستين ألف مادة، وقد أشار باختيار اسم معجمه هذا إلى أنه محيط بلغة العرب إحاطة البحر للمعمور من الأرض.
2- حسن اختصاره، وتمام إيجازه، فخرج من هذا الحجم اللطيف، مع أنه خلاصة ستين سفراً ضخماً هي مصنفه المحيط المسمى "اللامع المعلم العجاب الجامع بين المحكم والعباب" مع زيادات ليست فيهما. وقد ساعد هذا الإيجاز على الانتظام في ترتيب صيغ المادة الواحدة فجاءت منتظمة مرتبة، يفصل معاني كل صيغة عن زميلتها في الاشتقاق، مع تقديم الصيغ المجردة عن المزيدة، وتأخير الأعلام في الغالب.
3- طريقته الفذّة، ومنهجه المحكم في ضبط الألفاظ.
4- إيراده أسماء الأعلام والبلدان والبقاع وضبطها بالموازين الدقيقة السابقة، وبذلك يعد معجماً للبلدان، وموضحاً للمشتبه من الأعلام، يضاهي في ذلك كتب المشتبه في أسماء الرجال.
5- عنايته بذكر أسماء الأشجار والنبات والعقاقير الطبية مع توضيح فائدتها وتبيان خصائصها، وذكر كثير من أسماء الأمراض، وأسماء متنوعة أخرى كأسماء السيوف والأفراس والوحوش والأطيار والأيام والغزوات، فكأنه أراد أن يجعل من معجمه دائرة معارف، تحفل بأنواع العلوم واللطائف.
معجم "لسان العرب"
هو أشمل معاجم اللغة العربية وأكبرها، قام ابن منظور بجمع مادته من خمسة مصادر وهي:
1- تهذيب اللغة للأزهري
2- المحكم لابن سيده
3- الصحاح للجوهري
4- حواشي ابن بري
5- النهاية في غريب الحديث لعز الدين ابن الأثير.
الجوهري المذكور أعلاه هو صاحب معجم "الصحاح" الذي نقل عنه إبن منظور وصحح خطأه الفيروز الأبادي.
(يُقال: امرأة نسء ونُسوء، ونسوةٌ نِساءٌ. إذا تأخر حيضها، ورُجي حبلها فهو من التأخير،...)
وقد صحح الفيروز الأبادي في معجمه" القاموس المحيط" هذا الخطأ فقال:
[ ونُسِئَتْ المرأة نسئأً، تأخر حيضها عن وقته، فيرجى أنها حبلى. وهي إمرأة نَسْءٌ، لا نَسيءٌ، و وَهِمَ الجوهري. ]
والحجة موجودة في القرآن، الذي لم يستخدم كلمة نساء بمعنى جمع لكلمة نسيء أبداً، ولم يستخدمها العرب أيضاً بهذا المعنى أبداً. ولم ترد كلمة "نسيء" بالقرآن إلا في: سورة التوبة آية 37: "إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا".
وهذا شرح الآية المقتبس من كتاب "الجامع لأحكام القرآن" في تفسير سورة التوبة:
تفسير قوله تعالى: (( إنما النسيء زيادة في الكفر)) هكذا يقرأ أكثر الأئمة . قال النحاس : ولم يرو أحد عن نافع فيما علمناه " إنما النسي " بلا همز إلا ورش وحده . وهو مشتق من نسأه وأنسأه إذا أخره , حكى اللغتين الكسائي . الجوهري : النسيء فعيل بمعنى مفعول , من قولك : نسأت الشيء فهو منسوء إذا أخرته . ثم يحول منسوء إلى نسيء كما يحول مقتول إلى قتيل . ورجل ناسئ وقوم نسأة , مثل فاسق وفسقة . قال الطبري : النسيء بالهمزة معناه الزيادة نسأ ينسأ إذا زاد. قال : ولا يكون بترك الهمز إلا من النسيان , كما قال تعالى : " نسوا الله فنسيهم " [ التوبة : 67 ] , ورد على نافع قراءته , واحتج بأن قال : إنه يتعدى بحرف الجر يقال: نسأ الله في أجلك كما تقول زاد الله في أجلك , ومنه قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث: (من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه ) . قال الأزهري : أنسأت الشيء إنساء ونسيئا اسم وضع موضع المصدر الحقيقي. وكانوا يحرمون القتال في المحرم فإذا احتاجوا إلى ذلك حرموا صفرا بدله وقاتلوا في المحرم . وسبب ذلك أن العرب كانت أصحاب حروب وغارات فكان يشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يغيرون فيها , وقالوا : لئن توالت علينا ثلاثة أشهر لا نصيب فيها شيئا لنهلكن . فكانوا إذا صدروا عن منى يقوم من بني كنانة , ثم من بني فقيم منهم رجل يقال له القلمس , فيقول أنا الذي لا يرد لي قضاء . فيقولون : أنسئنا شهرا , أي أخر عنا حرمة المحرم واجعلها في صفر , فيحل لهم المحرم . فكانوا كذلك شهرا فشهرا حتى استدار التحريم على السنة كلها . فقام الإسلام وقد رجع المحرم إلى موضعه الذي وضعه الله فيه . وهذا معنى قوله عليه السلام : ( إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ) . وقال مجاهد : كان المشركون يحجون في كل شهر عامين , فحجوا في ذي الحجة عامين , ثم حجوا في المحرم عامين , ثم حجوا في صفر عامين , وكذلك في الشهور كلها حتى وافقت حجة أبي بكر التي حجها قبل حجة الوداع ذا القعدة من السنة التاسعة . ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم في العام المقبل حجة الوداع فوافقت ذا الحجة , فذلك قوله في خطبته : ( إن الزمان قد استدار ... ) الحديث . أراد بذلك أن أشهر الحج رجعت إلى مواضعها , وعاد الحج إلى ذي الحجة وبطل النسيء . وقول ثالث . قال إياس بن معاوية : كان المشركون يحسبون السنة اثني عشر شهرا وخمسة عشر يوما , فكان الحج يكون في رمضان وفي ذي القعدة , وفي كل شهر من السنة بحكم استدارة الشهر بزيادة الخمسة عشر يوما فحج أبو بكر سنة تسع في ذي القعدة بحكم الاستدارة , ولم يحج النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان في العام المقبل وافق الحج ذا الحجة في العشر , ووافق ذلك الأهلة . وهذا القول أشبه بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الزمان قد استدار ... ) أي زمان الحج عاد إلى وقته الأصلي الذي عينه الله يوم خلق السموات والأرض بأصل المشروعية التي سبق بها علمه , ونفذ بها حكمه . ثم قال : السنة اثنا عشر شهرا . ينفي بذلك الزيادة التي زادوها في السنة - وهي الخمسة عشر يوما - بتحكمهم , فتعين الوقت الأصلي وبطل التحكم الجهلي . وحكى الإمام المازري عن الخوارزمي أنه قال : أول ما خلق الله الشمس أجراها في برج الحمل , وكان الزمان الذي أشار به النبي صلى الله عليه وسلم صادف حلول الشمس برج الحمل . وهذا يحتاج إلى توقيف , فإنه لا يتوصل إليه إلا بالنقل عن الأنبياء , ولا نقل صحيحا عنهم بذلك , ومن ادعاه فليسنده . ثم إن العقل يجوز خلاف ما قال , وهو أن يخلق الله الشمس قبل البروج , ويجوز أن يخلق ذلك كله دفعة واحدة . ثم إن علماء التعديل قد اختبروا ذلك فوجدوا الشمس في برج الحوت وقت قوله عليه السلام : ( إن الزمان قد استدار ... ) بينها وبين الحمل عشرون درجة . ومنهم من قال عشر درجات . والله أعلم . واختلف أهل التأويل في أول من نسأ , فقال ابن عباس وقتادة والضحاك : بنو مالك بن كنانة , وكانوا ثلاثة . وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أن أول من فعل ذلك عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف . وقال الكلبي : أول من فعل ذلك رجل من بني كنانة يقال له نعيم بن ثعلبة , ثم كان بعده رجل يقال له : جنادة بن عوف , وهو الذي أدركه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال الزهري : حي من بني كنانة ثم من بني فقيم منهم رجل يقال له القلمس واسمه حذيفة بن عبيد . وفي رواية : مالك بن كنانة . وكان الذي يلي النسيء يظفر بالرياسة لتريس العرب إياه . وفي ذلك يقول شاعرهم : ومنا ناسئ الشهر القلمس وقال الكميت : ألسنا الناسئين على معد شهور الحل نجعلها حراما.
أخيراً نسألكم الدعاء لأختكم في الله منى ناظيف الراعي