غنوة
لست من هواة الأغاني ...ولكن كلما زرت شبابا وجدتهم قابعين أمام تلك القناة الملائكية الشيطانية .. بنات كفلقات القمر .. كيف تم انتقائهن ؟؟ لا أدري ؟؟ طولهن فارع .. عيون كالبقر.. وجوه فاتنة .. أجسام منسقة .. صدور بارزة ..وصف صديقي إحداهن بزجاجة الكولا ..وهو يرسم بكلتا يديه منحني في الهواء .. يرقصن ويتغنجن باحتراف .. كاسيات عاريات ..مائلات مميلات .
شريكي في الغرفة كلما رأي قناة الحور العين الآدمية ، أخرج مذكرته الصغيرة ، ودون التردد ،ولكن لاقطنا الصغير يأبي أن يدخلها غرفتنا التي لازالت طاهرة .
استغفرت ربي وهممت بتغيير المحطة .. صاح صديقي الخبير ..انتظر .. علي أنغام هذه الأغنية سترقص مرام .. ومي .. من أجمل نساء العراق .
العراق !!! وقعت الكلمة في أذني كالصاعقة .... مرت أمامي حياتي كلها كشريط سينمائي بائس.. منذ كان عمري 7 سنوات .. ليلة سفر أبي ... قبلة أبي وشككت ذقنه غير الحليق ...حينما استقل سيارة مع أناس لا أعرفهم ... حروب عربية عربية ... حصار ....دمار ... عاد الناس جميعا ً إلا أبي ... رأيتهم جميعا فيما بعد ... يبيعون في بقالات صغيرة ....وأحدهم يبيع الفاكهة ويمر يومياً من الحي ..واحدهم سكرتير في مدرستي .. وأحدهم يمتلك كارتة ... سألت أمي ، لو عاد أبي ماذا سيعمل ؟؟..مسحت دموعها وانتشت وقالت كان أبوك كان تاجراً ماهراً ... سألتها ببراءة هل حقا لن يعود ثانيةً ؟؟ هل حقاً تزوج من امرأة عراقية وأنجب منها ؟؟ لا تصدق هذا الكلام .. أبوك سيعود قريبا ً ... ولكنه لا يريد أن يعود خالي الوفاض .
وضعت الحرب أوزارها ... وجاءت الأخبار متقطعة .. . أباك يمتلك فندقا في حي الزبير .... لا إنه يمتلك نصف مقهى المصريين ... لدية محل للأجهزة الكهربائية .. . يعمل مقاول أنفار ... تعلمت من أمي الصبر ... وتجاهلت غيابه .. كرهته حينا .. أحببته حينا .. انتظرت وأمي لسنوات أمام المذياع نستمع برنامج ( الطير المسافر ) علنا نسمعه مرة .. مللنا .. اعتبرناه نسيا منسيا ..
ذات يوم ..دق الهاتف ... معك أمن المطار ... وصل علي الطائرة القادمة من بغداد حسين محمود أحمد .. هل تعرفه ؟؟؟ أخذتني الدهشة لثوان..فغر فاهي .. إنه أبي .. ظل لأيام قيد التحقيق .. وباقي الأيام في المستشفيات..ليتعافي من أثر التعذيب .. .. يتكلم بلكنة عراقية ... أراني صورة لفتاتين كالبدر ... رنين وهديل .. فارق الحياة .
عدت بسرعة إلي حقيبتي .. فرغتها من محتوياتها .... فتشت في الصور ... الحمد لله ...جمالهن عادي ... لا يصلحن .
__________________