لاجئون سوريون يتحوَّلون للمسيحية في لبنان .. ماذا تعرف عن مسيحيي الأُرز؟
مترجم عن صحيفة The Telegraph البريطانية
يذكُر إبراهيم علي جيداً خدمته الأولى في الكنيسة. رائحة الشموع، والمقصورات المصنوعة من خشب الأبلكاش الرخيص، والترانيم التي كانت غريبة للغاية على أذنيه وقتها.
لم يتخيَّل السوري المسلم ذو الـ75 عاماً حين فرَّ من الحرب إلى لبنان، البلد المجاور لبلده، طالباً اللجوء، أنَّ الأمر سينتهي به متحوِّلاً إلى المسيحية.
لكنَّ علي ليس وحده؛ فالعام الماضي 2016 فقط، عُمِّد مئات اللاجئين المسلمين الذين يعيشون في لبنان.
وقد ازداد موقف اللاجئين صعوبة في لبنان، الذي يستضيف أكثر من مليون ونصف المليون سوري، وهو عدد يُمثل ربع عدد السكان الإجمالي.
يقول البعض إنهم تحوَّلوا إلى المسيحية كي يستفيدوا من المساعدات السخيَّة التي تُقدمها المنظمات الخيرية المسيحية، ويقول آخرون إنهم فعلوا ذلك من أجل قبول طلبات لجوئهم إلى أوروبا، والولايات المتحدة، وكندا، وغيرها من البلدان.
سرقه رئيسه فمنحته الكنيسة طعاما
فرَّ علي من منزله في ريف حلب إلى لبنان بعد وقت قصير من اندلاع الحرب عام 2011. وقد ترك هناك زوجته وأبناءه السبعة، آملاً أن يكسب بعض المال كي يرسله لهم.
وقد بدأ يعمل في تنظيف الشوارع، مقيماً في سكن بسيط وفَّرته له الشركة التي يعمل لحسابها. واحتفظ علي بمعظم راتبه مع رئيسه في العمل؛ فنظراً لعدم امتلاكه حساباً بنكياً ولا منزلاً، ظنَّ علي أنَّ ذلك أكثر أماناً.
وبعد ثلاثة أعوام، حين قرَّر علي الرحيل، رفض رئيسه أن يعطيه الـ10 آلاف دولار التي يدين له بها.
وبصفته لاجئاً، لم يستطع علي المطالبة بحقه. فبينما كان لديه تصريح إقامة شرعي حين وصوله، شدَّدت حكومة لبنان القوانين، وهو ما جعل إقامة علي في البلد تُعدُّ غير شرعية.
لم يستطع علي العودة لوطنه؛ لأنَّ الحرب قد أثقلت حلب، فلجأ إلى التسوُّل في الشوارع.
وذات يوم من أيام ربيع العام الماضي، قابل علي مسيحياً عراقياً في مقهى بضاحية برج حمود الفقيرة في بيروت، وأخبره الرجل أنَّ الكنيسة المجاورة تُعطي طعاماً للَّاجئين.
وذهب علي اليوم التالي إلى “كنيسة الرب الأنجليكية”.
وقد عرضوا عليه أن يمنحوه سريراً، ووجبتين ساخنتين يومياً، وراتباً شهرياً صغيراً، على شرط أن يوافق على حضور جلساتهم الأسبوعية لدراسة الإنجيل.
يقول علي “تقريباً كان كل من حضروا تلك الحصص الدراسية مسلمين. معظمهم لاجئون سوريون وعراقيون. لم أرَ شيئاً كهذا من قبل: مسلمون يُغنَّون عن المسيح”.
ثم سألوه عما إذا كان يريد التحوُّل، وقد عُمِّد في أبريل/نيسان الماضي 2016، ومعه حوالي دستة من أفراد المجموعة. وسُمِّيَ اسماً مسيحياً جديداً: عبد المسيح.
الحلم الكندي يداعبها
يضيف علي: “تغيير الدين في الشرق الأوسط أمر جلل. في سوريا، أحياناً ما تسمع عن مسيحيين تحولوا إلى الإسلام، لكنك لا تسمع عن العكس أبداً. يفعلها الكثيرون ليذهبوا إلى أوروبا، والولايات المتحدة، وكندا. أنا أنوي البقاء في لبنان، لكني أعرف مئات من الذين عُمِّدوا فقط لكي تُقبل طلبات لجوئهم. سوف يفعلون أي شيء من أجل تأمين عائلاتهم.”
علياء الحاج واحدة من هؤلاء. تحضر علياء، ذات التسعة وعشرين عاماً، مع زوجها وأبنائها الثلاثة الصغار، خدمات الكنيسة، في حي الأشرفية المسيحي القريب.
تقول علياء “المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقول إنَّ اعتناق المسيحية لا يساعد في قبول طلبات اللجوء، لكنَّ تجربتنا تقول غير ذلك.”
وتتابع علياء، التي تستخدم اسماً مستعاراً، إذ لا تعرف عائلتها في سوريا عن نيتها للتحول إلى المسيحية: “يكره اللبنانيون اللاجئين؛ لذا يُصعِّبون حياتنا بقدر ما يستطيعون. ابني مريض، ولا نقدر على تحمل تكاليف العلاج، وزوجي ليس مسموحاً له أن يعمل. أشعر أننا سنموت إذا بقينا هنا.”
وتنوي علياء أن تتقدم بطلب اللجوء إلى كندا، بعد أن تُعَمَّد.
وتعيش عائلتها في شقة سكنية بها غرفة نوم واحدة، مع عائلتين أُخريين، ولا تملك أي من تلك العائلات تصريحات عمل.
وحذَّر ميشال عون، رئيس لبنان الجديد، الأسبوع الماضي من أنَّ بلده لن يستطيع أن يدعم أعداد اللاجئين المتزايدة، وأنَّ الحكومة سوف تبدأ بإعادتهم إلى “مناطق آمنة” في سوريا.
مسيحيو الأرز
سعيد الديب، القس في كنيسة الرب، حيث عُمِّد إبراهيم علي، كشف أنَّ أعداداً كبيرة من اللاجئين تأتي إليه كل أسبوع.
وأخبر الديب جريدة “التيليغراف” في مكتبه أعلى الكنيسة في برج حمود: “يظنون أنَّ هذا سيساعدهم على الحصول على حق اللجوء للخارج. يقولون لي: عمِّدنا، سوف نؤمن بأي كان، فقط لنخرج من هنا.”
تتهم بعض المنظمات الخيرية الكنائس الإنجيلية باستغلال موقف اللاجئين، والضغط عليهم ليتحوَّلوا.
واستجابةً للادعاءات بتشجيع “مسيحيِّي الأرز” (وهو مصطلح ازدرائي يُستخدم لوصف الأشخاص الذين أعلنوا رسمياً تحوُّلهم إلى المسيحية من أجل الحصول على منافع مادية وليس لأسباب دينية)، يقول القس الديب إنه توقَّع أن يأتي الناس أولاً إلى الوكالات المسيحية من أجل المساعدة العملية.
ويستطرد “لكن حتى لو أتَوا من أجل الطعام والملابس، نحن نرى أنَّ الرب يُغيِّر قلوبهم. لا نُجبر أحداً مطلقاً على الدين، يجب أن يكون ذلك اختيارهم. يجب أن يقبلوا المسيح.”
عمليات التحول في الشرق الأوسط محفوفة بالصعوبات والمخاطر. وغالباً ما تنبذ المجتمعات أولئك الذين يغيِّرون دينهم.
ويقول القس الديب إنه استقبل عشرات المكالمات والرسائل من أصدقاء الذين عَمَّدهم، وأقاربهم، يهددونه فيها بالقتل لتشجيعه الرِّدَّة.
وحين علمت عائلة إبراهيم علي، التي تتحدَّر من قرية مُحافِظة صغيرة خارج حلب بما فعله، رفضوا أن يقبلوه.
ويقول علي: “لقد أخبروني بأنهم يعتبرونني ميتاً، وأنني يجب ألا أعود أبداً إلى سوريا لأنني قد جلبت لهم العار، لدرجة أنهم أقاموا جنازة لي وأخبروا الجميع أنني قد مت. هذا أهون عليهم من تركي للإسلام.”