محمد إقبال بلو: رحل صوت القلم خارج الحدود وصاح بعنجهية صوت الرصاص
خاص – الاتحاد برسكانت شهوراً فارقة في عمر الثورة السورية، تلك الشهور التي امتدت من مطلع عام 2012 وحتى ما بعد منتصفه، حيث بدأت الأصابع الخارجية تعبث في مؤخرة الثورة وثوراها، إذ عمدت قوى دولية عدة كانت أهمها عربية، على صناعة أمراء حرب جدد، معظمهم يجيدون طلاء الجدران وقيادة سيارات السيرفيس لا أكثر، لتصنع منهم هذه الدول بشيطانها الأخضر والذي يعرف باسم “الدولار” قادة مسموعي الرأي والكلمة على الأرض السورية، كان معظمهم “كالأنعام بل أضل سبيلا”.
تناسب صعود هؤلاء طرداً مع بدء خروج أصحاب العقل والفكر والقلم من البلاد، فكلما ارتفع صوت رصاصة، خمد صوت أحد الأقلام، وهكذا إلى أن أفرغت سورية من عقولها وأقلامها، ليبقى المسيطر الأكبر حامل السلاح حتى ولو كان كمن وصفهم الله سبحانه وتعالى “كمثل الحمار يحمل أسفارا” لكن الفرق أن الحمار الذي يحمل الأسفار لا يتسبب بالأضرار لغيره، أما الحمار الذي يحمل سلاحاً فهو حمار متفجر داعشي بامتياز، حتى قبل أن يولد تنظيم “داعش”.
وبما أن تلك الأجهزة التي قامت على تلك الصناعة البشرية وغذتها بشكل عشوائي يضمن العمل الثوري العشوائي، تعلم تماماً أنه لا بد من وجود بعض الشخصيات التي تتصف بالمعرفة والذكاء والقوة الفكرية والمقدرة على الإقناع في تلك الساحة المفتوحة، فبدأت باختيار تلك الشخصيات الأعلى مستوى من الذكاء، لكن بعد أن روضتها وصنعت منها روبوتات تنفذ ما تتم برمجتها عليه، والمقابل كالعادة، ذلك الملعون الأخضر “الدولار”.
نتج عن تلك القوة العشوائية الثورية تحرير لبعض المناطق، أو نستطيع القول عنها أنها “عسكرية” فقط، كون الثورة تحمل أكثر من ذلك بكثير بل وحملت لاسيما في بداياتها عندما انطلقت من ساحات الجامعات والصالات الثقافية، وقد يستغرب البعض القول عن خروج الثورة من الجامعات والمراكز الثقافية، وهنا لا نتحدث عن مدينة محددة فحسب، والأمثلة كثيرة فقد ساهمت الأصوات في تحريك الشعور الثوري “وليس القومي الذي حدثنا النظام به دجلاً” من المراكز الثقافية رغم سيطرة سيطرة النظام عليها قبل أن تخرج المظاهرات وفي كثير من البلدات والمدن، بل وخرج الطلاب الجامعيون في مظاهرات قبل أن يخرج الناس من المساجد كما حدث في جامعة حلب، بل حتى شكلت أولى التشكيلات العسكرية البريئة الثورية الحقيقية “حينها” وأركز على كلمة حينها، وكمثال واضح كانت سرية أبو عمارة في حلب والتي تألفت من أقل من عشرة طلاب جامعيين من طلاب كلية الاقتصاد، بدأوا العمل العسكري الثوري الحقيقي وأنجزوا الكثير رغم قلتهم.
وتابعت القوة العشوائية نموها وتقدمها في مناطق النظام السوري، وتناسب ذلك طرداً مع ظهور شخصيات أمراء الحرب، والذين ظهروا على أنهم أبطال الثورة وأعمدتها كونهم سيطروا على مناطق كانت تعتبر مناطق نفوذ للنظام السوري، إلى أن السؤال الذي يطرح نفسه، ماذا فعل هؤلاء في المناطق التي حرروها؟ أو بالأحرى التي حررت بدماء الشهداء فحسب.
أصبحت معظم المناطق المحررة في حالة فوضى قد لا تكون عارمة إلا أنها أضرت بالحالة الثورية والاجتماعية والانسانية على حد سواء، وتحولت إلى إقطاعيات يقودها الأمير الذي يملك السلاح لا الفكر، لتكون فراغاً مناسباً لنمو أي فكر قادم من خارج الحدود، بعد ان رحل السوريون أصحاب الفكر المتنور، والذين لم يحتملوا أن تقودهم بندقية يحملها “أهبل” يدعي أنه قائد ثوري وعسكري بل واجتماعي وسياسي، ما ألغى وجود الأصوات الحرة التي كان من المفترض أن تقوم هي بترتيب أوراق ومؤسسات المناطق المحررة، بل وجدت الأصوات العنجهية التي لا ينجبها إلا المدفع والدبابة، بالإضافة للأصوات التي أتت عبر الحدود بلطف تارة وبشحن طائفي إيديولوجي تارة أخرى، ومن ثم بدأت تفرض نفوذها على الجميع، ومنهم أمراء الحرب، وتصول وتجول ما ألغى الحقيقة السورية في المناطق المحررة.
مؤلم جداً بل وصعب الاعتراف به أن نقول، أن المناطق التي يسيطر عليها النظام ورغم عبث الإيرانيين وأذيالهم بها، ما زالت تحتفظ بشيء من سوريتها ومن وسطيتها ومن هويتها، أكثر مما تحتفظ به المناطق التي حررت بدماء أبطال رحلوا، ولم يستطع من تبقوا أن يحملوا المسؤولية، والأتعس أنهم وللحظة يصرون على أنهم القادة ولا يفسحون أي مجال لم يحمل البضاعة النادرة ألا وهي “العقل” أن يثبت مقدرته على تقديم شيء، هذا إن تبقى بعض هؤلاء داخل الأسوار التي حطمها السوريون وأعاد بناءها قادمون مجهولو الهوية، أو كما يقال “قادة بلا نمرة”.