عبير النحاس
الكَوكَبُ الآخَر
دخَلت زينة غُرفة الَّصفِّ مبتسمة , وقف جميع الصِّغار احتراما لها كمَا اعتادوا , أشارت إليهم بيدها أن اجلسوا , و هي تَقول :
- استريحوا يا أولاد .
علَّقت حقيبتها على الكرسيِّ , و أبعدت وشاحها الصوفي الأبيض عن رقبتِها .. قامت بطيِّهِ ووضعَتْهُ على الطَّاولة مُسرعة لتَتَوجَّه نحوَ السبُّورة و تسجِّل التَّاريخِ و لِتَتْرك مكانَ موضوعِ الدَّرسِ - الذي ينتظِرُه الصِّغار- فارِغاً .
اسْتَدارت نحوَ العيونِ المُتلهِفَة , و ابتَسمت مجدَّدا لبَريقِها المُتَسائِل, و لمْ تَشَأ أنْ تُطيلَ انْتظارَها فقالت بصوتِها الهادِئ :
- كما خلقَنا الله بصورتِنا الجَميلةِ هذه على هذا الكوكبِ الَّذي نعرِفهُ جيداً و نحِبُّه كَثيراً أليسَ من الممكن أن يكونَ قد خلقَ غيرنا على كوكبٍ آخرٍ بعيدٍ لا نعرِفهُ ؟!
صَاح الجَميع :
- نعم مُمكن
ابتسمت و أكملت :
- جميل ٌجِداً , ألا يُمكنُ أنْ يكونَ لهذِه المخْلوقاتِ حَضاراتٌ و لغاتٌ و سياراتُ و أشجارٌ و بيوت ؟!
- نعم
- أليس من المُمكنِ أنْ نلتَقي بهم في يومٍ من الأيامِ و نزورُهُم و يزورُونَنَا ؟
ضَحِكَ الجَميع :
- نعم نعم
أشارتْ نحوَ سارِي :
- ألا يمكن أن يَعملِ سَاري طبيباً في مُستشفى من مُستشفياتِ ذلك الكَوكَب ؟
عَلَتْ ضَحِكاتِهم .
أشارتْ نحوَ أدهم صَاحِب اليدِ البلاستيكيَّة :
- و هل منَ الممكِن أن نتَلقى دعوة لحُضور حفلِ زفافِ أدهمَ فنجِد أنَّ نصفَ المدعوِّينَ قد حضروا مع العَروس منَ الكوكبِ الجَديد ؟
ضجَّ الأطفالُ بالضّحِك, و ابتَسم أدْهَم بِخَجل و هو يخفي يده الصِّناعية مجددا تحت طاوِلةِ مقعدهِ , سُرَّتْ بابْتِسامَتِه الأولى و أكمَلت قائِلة :
- فكيفَ تتخيَّلون شَكل الفَضَائيِّين ؟
أجابوا بمَرَح :
- لهم أربعَة عيون .
- خمسة .
- لهم ستة أرجل و ستَّة أذْرع .
- طوالٌ جِدا
- لهم قرون
أكملتْ :
- هذا رائع و كيفَ تتصوَّرونَ ألوانَهم ؟
علت صيحاتهم :
- لونُهم أخضر
- بل أحمر
- لا لا أزرق
بدأَت ترى لوحاتٍ جميلةٍ تلوحُ أمامَها :
- فكيف سيكون شَكل بيوتِهم ؟
قفز سامر قائلا :
- بيوتهم لها أجنحة
- بيوتهم مثل الصواريخ
- يبنونها على أعمدة ملوُّنة
أشارت بيديها ليجلسوا جميعا :
- فهل تختلف تربه كوكبهم عن تربة كوكبنا ؟
و جاءت الإجابات بسرعة :
- تربتهم حمراء
- برتقالية
- زرقاء
عادت نحو السبُّورة لتكتبَ عِنوانا لدرسِها ( الكوكبُ الآخر ) ثم لتعودَ أدراجَها و تقفَ قبالتَهم قائِلة :
- كلُّ ما ذَكرتُموه كانَ رائِعاً , هيَّا لترسُموا لنا هذا الكوكَب الجَديد .
شُغِفَ الجَميعُ برسْمِ لوحاتِهم , و اقتربَ أدهمُ مِنها حامِلاً عُلبة ألوانِه بيدهِ اليُمنى , و قد ثبَّتَ دفتَره على صدرِه بتِلك اليد الصَّلبة , ابتسمت لاقترابه , نظر نحوها مستأذنا بالرسم على طاولتِها , أبعَدت وشاحها عن المَكان , وضعَ العُلبة أولا ثمَّ سحَب الدَّفْترَ و قامَ بفَتحِهِ و بدأ بالرَسم , تركتهُ مطمئنة لتقوم بجولة بين المقاعِد و ترى انطلاقَة الخيالِ الجامِح في لوحاتِهم , اقتربتْ من أدهمَ بعدها لتمسَح على رأسهِ و هي تُتابعُ ما يرسُمه بيدهِ الصَّغيرة , رأتْ رجُلا صَغيراً أخضر اللَّونِ له أربعةُ عيونٍ و رجلان و يدٌ واحدةٌ , نظَرَ إليها أدْهم و قد فَهِم سرَّ صمتِها المُتَسائِل و قال مبتَسما :
- السُّكَّان على هذا الكَوكَبِ يمتلكونَ يداً واحدة .