رؤية نقدية لرواية /بـِدّو/للأديب الكبير/عدنان كنفاني:


ملف مرفق 1308

ملف مرفق 1309
تبدأ بقراءة الرواية من غلافها المشرق الذي يستعير مشاهد قريبة من بـِدّو القرية الفلسطينية والتي تقع شمال غرب القدس .
تقع الرواية في مائة وثلاث وثلاثين صفحة, تشم من بدايتها ريح فلسطين و بلاد الشام كلها..مزيجاً شاميا لافتا.ً لايضاهيه روعة.
وروح فلسطين الرائعة تظلل الرواية بعامتها..وكأن الراوي يكتب فلسطين بالبونت العريض.. و بيده المرتعشة شوقا ..
وقد اعتدنا على أن فلسطين تحفر في قلب و في فكر أديبنا العزيز أخاديد أعمق من شريان الدم بكثير...
*********
كان الإهداء:
بدو
ايتها القرية المسجاة تحت وجعالقهر
ايتها المصهورة حتى النخاع في نار الحطام والخرائب
تختصرين هم القرى والمدن والبيارات على مساحة الوطن
تستصرخين الرجال العتاة , والضمائر الغافية.
ولايحمل جرحك إلا ذلك الفتى المسربل بالحجارة ..
ينام هو الآخر على حلم يصل إليك ..
وأنت تنتظرين ..
ونحن ننتظر!.
عدنان كنفاني
********
تبدأ الرواية بصيغة نحن ..حيث يصف بطل القصة كيفية التحاقه بالمدرسة التقنية بقلندية وتعرفه على صديقه سليمان الذي ملأحياته كلها في حركاته وسكناته..
وكأنه يمثل فلسطين بكرومها ومواجعها بإباها وكفاحها..تذكرنا بكل ما جرى في 1967 و1978 وريح الحياة فيها وطعامها وفكر شبابها المتوقد المليئ بالطموح المصطدم بمرارة الواقع..
ليتحول بعد عدة صفحات لصيغة الأنا ويبدأ مغامرته الحياتية مع سليمان..
الأمر اللافت في الرواية أنه رغم إغراقه في توصيف القرية أو المنطقة بعين الشاهد ..وبمحبة حميمية واضحة تشعر وكأنك في الشام كلها.. وفي بلدك...
فنحن فعلاشعب واحد فعلا .. تراها بقوة بين السطور..خاصة لما يجد البطل نفسه وحيداً وسط الطلاب في المعهد..
وفي مدرسته المهنية وقد ترك مدينته ليدرس في مدرسة داخلية..وكأنه مغترب والمناطق قريبة من بعضها..
يظهر ذلك جليا في مقولته :
كلهم يشعرون ربما أكثر مني بالغربة واللجوء والمهانة رغم أنهم على أرضهم ,وهذا أمر لاتقرؤه , بل تلمسه من خلال تصرفاتهم الصغيرة....
إن أريحا وعكا , نابلس وغزة هي أسماء متصلة لابد أن تكون لوطن واحد...هكذا تقول الكتب..
ص 42
هنا يلفت نظرنا أمر هام كان في ص 40 دعا الكاتب لهذا ما وصفوا شعبتهم:"شعبة الأجانب"!!!يا للدهشة..
نعود فنقول أن عنصر التشويق كان حاضرا بقوة وواضحا في الرواية رغم التوصيف الذي فيها فلا تكاد تشعر بالغربة بين سطورها ...وربما لأن الأمر يعنينا جميعا...
هنا تظهر مهارة الكاتب في جذب القارئ له للمتابعة الحثيثة...حتى أننا نقرأ جملا منمقة تلفت النظر وتبعث على الألتفات بقوة:
ماأصعب أن يعيش الإنسان في حلقة . يشاركه تلك المساحة الضيقة شبح سؤال مرتجّلايجد وسيلة لخلق جواب مقنع له.ص16
أطلق رصاصا كثيرا ..نصفه بالهواء , ونصفه على خيالات تتحرك بلاملامح . ..وحين فرغ السلاح بدأت البندقية بين يجيه تزداد ثقلا لحظة بعد لحظة.ص 67
**
من هنا تعرف لو لم تقرأ الرواية من أولها وعلى أنها للأديب عدنان كنفاني فلكل أديب سمت كتابي خاص يتميز به ويشكل ملامحه الكتابية على الأقل أسلوبا..
يقول بعضهم أن الكاتب يكتب كتابا واحدا يحدد ملامحه الأدبية...لكن هذا لايجعلنا ننكر أن الأديب دائب الحركة في فضاء إبداعه ليس كملامح كتابية بل كتطور أدبي عام وزيادة وزن صحية ادبية,و التي تجعله حيا دوما حتى في قلوب محبيه.
**********
تحدد الرواية والتي تقدم تقريبا سيرة حياة البطل من خلال أحداث تجري على أرض فلسطين ...قصة شعب مناضل لايكل ولايمل..تائق للنصر دوما...
ربما كان هذا كانت مدعاة لنقول أن التصاعد الدرامي رغم أنه كان يمس علاقة سليمان والبطل..مبرر عبر مساحات الاحداث..
إلا أن ما يحدث هناك كان يكرسها متلاحقة من خلال سيرة كل شخصية تمر فيها.... وربما أسهب في التوصيف حينا لكن حجم الرواية المتوسط يجعله حلا من الطول المفرط والذي يغلب على الروايات التي مازالت تتخذ السرد المطول ديدنا..
وربما كان هذا خدمة للقضية المطروحة بوضوح في الرواية.... حيث كانت تستجيب لروح الكاتب الوطنية أكثر..تجلى بقوة في الوصف الذكوري عند لقاء الأنثى(ابنة مدير المركز كاثيا والذي طال وشمل مابين ص 48 و56
بكل الأحوال لم يصل الانفتاح الروائي القادح الذي نواجهه في الروايات .. مهما كان ذلك يخدم النص ويبرره.
*********
كانت الرصاصة تاتي اخترقت خاصرة سليمان والتي أصابته بالعجز الجنسي أو معاناة البطل من خلال عمله النضالي..أضاف لمشات غنسانية هامة وأبعاد درامية هامة..
يجعل النص يملك شفافية خاصة تطل عليك من خلال ملخصات تقدم لك كل مرة صورة عامة للرواية:
ذات يوم. قرأ أخي قصة كتبتها .. وعندما أدرك النهاية حين مات بطلي ميتة سركيس .. غرز قلمه في لحم السطور .. أوشك أن يمزق الكلمات , قال لي وفي عينيه ذات الابتسامة التي أدهشت ابنتي وهي تحملق في صورته :
إن الثورة هي الحقيقة الفاعلة .هي الأرش الوحيدة التي يجب أن تستقطب الموت ,أما اليأس فهو على أحسن تقدير فرصة للهروب!
حاولت أن أشرح لابنتي لماذا يبتسم عمها وهو مقتول..
وجدتها نائمة ,وفي تفاصيل وجهها الملائكي شبح ابتسامة مدركة.
**********
كما نعهد كاتبنا الكبير من تمكن لغوي وسردي..وحميمية في الطرح لقضايا هامة تمس حياة وموطنه..وبنائه لأسرته الذي لم ينسه سليمان...فهو رمز الامل والكفاح والعمل والجد...ورغم آلامه القديمة في بيع والده الأرض وشرائه سيارة ليعيش عليها مثلا..
إلا ان الحياة تستمر..ويستمر العمل..
ويبقى هناك سؤال هامشي يلح على القارئ:
هل نرى أن الخط الدرامي ككل يبقى متكأ للكاتب كي يسرد من خلاله مآثر ومواقف بطولية جرت في تلك الآونة؟وقد كانت متلاحمة مع النص ككل وربما لم تتحقق تماما تلك الخاصية في رواية رابعة التي ربماسرحت أكثر مما توقعنا لها.
******
النهاية:
عندما اندلعت شرارة انتفاضة 1987 توقفت رسائله لأول مرة لاأحس بطعم الفراق ,ولأول مرة يجتاحني إيمان حقيقي بلقاء قريب..
سؤال واحد مازال يلاحقني ونا أتابع أخبار الانتفاضة ..
ترى هل استطاع أن يعبر النهر , وينصهر في ساحة الالتحام؟ص131
النهاية كانت مضيئة محفزة لامعة وتفتح أفقا جديدا مليئ بالطموح والرغبة الأكيدة فيي الكفاح فالنصر.
***********
كانت نظرة انطباعية لقارئ نهم فقط...وسعيدة انني أقرأ لاديب كبير يبقى أستاذنا جميعا.
ريمه الخاني 10-10 -20011