من نشر ثقافة “العجز عن الهجوم” إلى نشر ثقافة “العجز عن الدفاع”، بقلم اسامة عكنان
هكذا يفكرون.. وهكذا يستعدون.. وهكذا يتحركون..
من نشر ثقافة "العجز عن الهجوم" إلى نشر ثقافة "العجز عن الدفاع"،
هذه هي إستراتيجية المشروع الإمبريالي الصهيوني في المرحلة القادمةإن إستراتيجية المشروع الإمبريالي الصهيوني تجاه إقليم "المشرق العربي"، في المرحلة القادمة، ستقوم على الفكرة الضد التي كانت تقوم عليها إستراتيجيته في المرحلة السابقة. فقد قامت تلك الإستراتيجية حتى الآن على زرع ثقافة "عَجْزِنا عن الهجوم"، وهي ستقوم من الآن فصاعدا على زرع ثقافة "عَجْزِنا عن الدفاع". علما بأن متطلبات زرع ونشر وترويج الثقافة الأولى، تختلف عن متطلبات زرع ونشر وترويج الثقافة الثانية، وذلك من خلال مقاربة دقيقة قد تثير اللبس. فاقتناعنا بعجزنا عن "الهجوم"، يتطلب إنتاج الواقع على نحوٍ يفقدنا الثقة في قدرتنا على خلق "القوة" القادرة على "الهجوم"، من خلال اقناعنا بضعف مقومات "الهجوم" في واقعنا المتاح لنا استخدامه. أما إقناعنا بعجزنا عن "الدفاع"، فيتطلب إنتاج الواقع على نحوٍ يفقدنا الثقة في قدرتنا على خلق "القوة" القادرة على "الدفاع" عن الواقع ذاته أصلا في حال تَعَرُّضِه للهجوم. ولكن لماذا سيلجأ المشروع الإمبريالي الصهيوني من الآن فصاعدا إلى تغيير إستراتيجيته في الاتجاه المضاد تماما؟! وما دلالة ذلك موضوعيا؟! وما الذي حدث في الواقع، فأفقدَ ثقافة "عجزنا عن الهجوم"، قدرتَها على تمرير مصالح المشروع الإمبريالي الصهيوني، ليصبحَ المطلوب بدءا من الآن هو نشر ثقافة "عجزنا عن الدفاع" سبيلا لتمرير تلك المصالح؟!لقد استنزفت إستراتيجية زرع ثقافة "العجز عن الهجوم" كل إمكاناتها في منعنا من الهجوم لانتزاع حقوقنا ومواجهة المشروع الإمبريالي الصهيوني. ولم تعد هذه الإستراتيجية قادرةً على تحقيق الغاية المتوخاة منها، وهي تلجيم مقاومتنا لذلك المشروع، فأصبحنا نهاجم ونقاوم، ونطور إمكاناتنا، ونفعِّل قدراتِنا، ونعرف كيف نستغل مُكَوِّنات واقعنا.. إلخ. وبالتالي فقد وصلت بنا هذه الإستراتيجية إلى نقطة الذروة التي سنبدأ منها بالانقلاب عليها هي ذاتِها، بعد مجموعة من التغيُّرات والتطورات التي حدثت في بُنيَتنا المجتمعية على كلِّ الصُّعُد خلال العقود الماضية. وقد كان لزاما من ثمَّ أن يصارَ إلى التفكير على نحوٍ مختلفٍ إمبرياليا وصهيونيا في التعامل مع واقعٍ عربي يتغير بجذرية وعمق، من حيث ثقافة التعاطي مع المشروع الإمبريالي الصهيوني، خاصة بعد أن أثبتت التحولات الأخيرة الحاصلة في الوطن العربي أنها ورغم كلِّ الوهن الذي فيها، ستبقى تحولاتٍ مفتوحةً على أنماطٍ من التغيير الذي لا يمكن أن تتمَّ السيطرة عليها وفق معادلة زرع ثقافة "العجز عن الهجوم" إلى أبعد مما تم إنجازه فيما مضى، لأن تلك التغيرات في ذاتها تنطوي بلا أدنى تحفُّظ على كل معاني "القدرة على الهجوم"، رغم كلِّ اللبس الذي يعتريها لأسبابٍ ليس من الصَّعب فهمها وتفهُّمها، بل وإدانة بعض مظاهرها أيضا، وإن كان من المستحيل اعتبارها لا تنطوي على التمرُّد الكامل على عناصر "العجز عن الهجوم"، مؤذنة بأفولِ أسسِ هذه الثقافة كبُنية تحتية لقيادة المرحلة القادمة في التجاذبات الممكنة والمحتملة مع المشروع الإمبريالي الصهيوني. فأكبر الأسافين التي تمَّ دقها في نعش هذه الثقافة، هي الهجوم على مختلف أذرع الإمبريالية والصهيونية والوظيفية في الإقليم في الأعوام 2006 و2008 ثم بدءا من العام 2011، لتكون فكرة الاستمرار في هذه الإستراتيجية فكرة لا تخدم المشروع المضاد لنهضة الأمة من الآن فصاعدا. لقد تحصنا ضد ثقافة "العجز عن الهجوم"، ولم تعد أيُّ فايروسات مُطَوَّرَة من هذه الثقافة قادرة على اختراق قوة الأمصال التي تجرعناها لنخلق مكونات قدرتنا على "الهجوم"، أي على "المقاومة"، مقاومة أيِّ شيء يقف ضد إرادتنا في التحرر والنهوض وتحقيق العدالة. ومن هنا تأتي الفكرة الضد التي تقوم على ضرورة إقناعنا بعجزنا عن الدفاع، كي لا نفكر في الهجوم ذاته. فمادمنا قد بدأنا نهاجم ونجحنا في هجومنا هنا وهناك، وإن يكن كل ذلك النجاح ما يزال نسبيا ويجسِّد حالةً جنينية سوف تنمو وتتكامل بشكل محتَّم مع مرور الوقت واستكمال عوامل النضج التغييري والثوري. وما دمنا قد بدأنا نتغير بشكل سيوسِّع من دائرة قدراتنا الهجومية إن آجلا أو عاجلا. فلم يعد أمام العقول المفكرة في إدارة المشروع الإمبريالي الصهيوني إلا أن تعمل عل تلجيم هذه القدرات النسبية التي انفتح واقعنا عن آفاقٍ مذهلة لها في المستقبل، وذلك عبر العمل على إعادة إنتاج هذا الواقع على نحوٍ يصبح التفكير في حمايته وعدم تعريضه للمخاطر، والإبقاء عليه في مأمن من الغوائل التي قد تترتب على نوع من التحدي في علاقاتنا بالصهيونية والإمبريالية.. إلخ، تفكيرا غير عقلاني، ما يجعلنا حريصين على عدم المساس به، من خلال عدم التسبُّب – عبر نهج "الهجوم والمقاومة" – في العدوان المدمر عليه، بعد أن يكون هذا الواقع قد أُنْتِجَ بشكل اقتنعنا بأن الدفاع عنه دون خسائر مدمرة تعيدنا إلى نقطة الصفر هو ضربٌ من المستحيل.إن هذه الثقافة الجديدة لا ولن تقوم إلا على نمطٍ من التنمية الاقتصادية تَبْني الدول بشكل أبعد ما تكون فيه عن الاستعداد لأيِّ شكل من أشكال الحروب والمواجهات في إقليمٍ متوتر وقائم أساسا على عدم الاستقرار، وعلى الحروب والمواجهات منذ زُرِعَ فيه هذا الكيان السرطاني الغاصب "إسرائيل الصهيونية". فمصر، الدولة المحورية والمركزية في الإقليم، لابد أن تستقرَّ ليكون استقرارها بثقافتها الجديدة القائمة على التغيير الثوري الجماهيري هو مبرر الاستقرار في المنطقة. ولا بد لاستقرارها هذا من أن يتم عبر بنائها بشكل يجعلها قاعدة اقتصادية واسعة وقوية في حاضنةٍ إستراتيجية عسكرية وسياسية رخوة، لا تختلف عن اليابان من حيث هشاشة قدرتها على التأثير الإستراتيجي في الإقليم الذي ستكون قد جعلته يدور في فلكها اقتصاديا. ولأجل ذلك فسوف يتم ضخ مئات مليارات الدولارات من الاستثمارات التي سوف تغير من وضع الفقر والبطالة ومستوى المعيشة والبُنية الطبقية للبلاد.. إلخ، وإن يكن نسبيا وعلى نحوٍ يتناسب مع طبيعة اقتصاد السوق في التعاطي مع هذه المشكلات الاقتصادية عند الأزمات وعلى قاعدة "الرأسمالية تجدد نفسها". وسوف تجد مصر نفسها موطنا لرؤوس أموال أجنبية وعربية هائلة، ولقاعدة إنتاجية واستثمارية لا تحتمل الهزات العسكرية أو الاقتصادية المزلزلة، وسوف تكون كل البُنى التحتية التي شَغَّلَت ملايين العاطلين، وربطت بها محليا وإقليميا دولا وشعوبا أيضا، قابلة للانهيار في أيِّ صراع عسكري واسع في المنطقة، لأنها بُنِيَت في الأساس في دولةٍ قُرِّرَ لها ألا تكون دولة مواجهة، وهو الأمر الذي سيجعل تأثيرها المستقبلي في أيِّ صراع في المنطقة ناتجٍ عن وجود وهيمنة وتغوُّل المشروع الإمبريالي الصهيوني دورا غير فاعل، وستفقد قيمتَها الإستراتيجية ودورها الريادي في توحيد ونهضة الأمة خارج نطاق كونها قاعدة اقتصادية مرفهة وهشَّة وشديدة الرخاوة من النواحي الإستراتيجية العسكرية التي بدونها لن يتغير الشكل العام للإقليم على نحوٍ يؤسِّسُ لوحدته وتحرره واستقراره الحقيقي الذي لا يقوم أصلا إلا بمواجهة المشروع الاستعماري الإمبريالي "إسرائيل الصهيونية".وهذا هو على وجه التحديد ما تنطوي عليه الفكرة الضد في الإستراتيجية الإمبريالية الصهيونية القادمة في الإقليم. إنها الفكرة الكامنة في أن تكون الدول قوية اقتصاديا بشكل غير مسبوق، وهشَّة عسكريا بسبب نمط بُنيتها الاقتصادية الرخوة التي سيتم الحرص فيها على أن تكون عاجزة عسكريا، لا من حيث عدم وجود سلاح أو صناعة عسكرية فقط، وإنما من حيث عدم القدرة على قبول فكرة خوض أيِّ صراع يهدد تلك البنية وذلك الرخاء بالزوال والدمار والعودة لا إلى المربعات الأولى الراهنة، بل إلى ما قبلها. أي – وبكلمة أخرى – يجب أن يعاد إنتاج الإقليم في ظل تداعيات "الحالة الثورية المصرية" بالدرجة الأولى، على قواعد جديدة تضخِّم الجانب الاقتصادي غير المدروس ثقافيا بما يتطلبه الوضع العربي الإقليمي من أنماط مواجهة محتملة مع المشروع الإمبريالي الصهيوني، على حساب الجانب العسكري والسياسي الإستراتيجيين اللذين يجب أن يكونا هما الحاضنة التي تؤسِّس لشكل التنمية الاقتصادية المطلوبة والمفترضة محليا وإقليميا في منطقة شديدة الحساسية والتوتر، وذلك بهدف تكريس بُنْيَة إقليمية عربية قادمة تتعايش مع العلاقات الإمبريالية الصهيونية في المنطقة تعايشا إكراهيا واضطراريا، بكل دلالات تلك العلاقات على عرقلة المشاريع الوحدوية والنهضوية، وبكل قدراتها على الترحيل الأبدي للقضية الفلسطينية التي يجب أن تبقى معلقةَ الحلول النهائية – أيا كانت نوعية هذه الحلول – لكي تبقى من ثم حائلا دون تحويل البُنية الاقتصادية التنموية الواسعة والرخوة القادمة، إلى رافعة حقيقية للنهضة والوحدة العربية الإقليميتين على أقل تقدير. فإذا كانت التنمية الاقتصادية هي أساس النهضة والوحدة العربيتين كما يفهم كل العقلاء، فإنهما – أي النهضة والوحدة – لن تتحققا بالرغم من أيِّ تنمية اقتصادية من أيِّ نوع، في ظل وجود مشروع إمبريالي صهيوني يستمر في تنفيذ الغايات التي يريد تنفيذها في الإقليم عبر الحالة الصهيونية "إسرائيل"، لاعبا لأجل تمرير كل ذلك وتنفيذه، وبشكل دائم ومستمر، على الإبقاء على القضية الفلسطينية معلقة بلا أيِّ حل، حرصا على إفقاد "التنمية الاقتصادية"، قدرتها على تغيير الواقع العربي الإقليمي، بعد أن تكون تلك التنمية ذاتها قد حققت الهدف الإستراتيجي الجديد المتمثل في زرع ونشر وترويج ثقافة "عدم القدرة على الدفاع"، وهي الثقافة التي تقتضي حتما تلجيم أيِّ فعل هجومي ضد المشروع الإمبريالي الصهيوني، حتى لو كان هذا الفعل الهجومي – بصرف النظر عن شكله ومكوناته ونوعه – هو الصيغة المطلوبة لتحقيق النهضة والوحدة الحقيقيتين. وهنا لا يسعنا إلا أن نستحضر مقولة شهيرة للرئيس الفرنسي الراحل "فرانسوا ميتيران"، عندما وصف أوربا قائلا: "أوربا عملاق اقتصادي، وقزم سياسي، ودودة عسكرية". وهذا ما يراد للإقليم العربي أن يصبحَه في المرحلة القادمة، بعد أن انتهت المرحلة السابقة بما لها وما عليها. فمادام هذا الإقليم قد بدأ يخرج من القمقم، منذ عام 2006، ليستكمل خروجه بهذه التحولات الخطيرة شكلا ونتائجا منذ مطلع عام 2011، فليس أقل من أن تُحَدَّدَ له طريقٌ يسير فيها خارج هذا القمقم، غير تلك التي قد تجعله قوة عسكرية، أي فلتُحدَّد له طريقٌ تجعل منه دودة عسكرية وقزم سياسي رغم عملقته الاقتصادية. فالقوة الاقتصادية ليس بالضرورة أن تكون مرفقة بقوة عسكرية وسياسية مماثلة لها في التأثير، فواقعة ألا تولِّد القوة الاقتصادية قوة عسكرية وسياسية مناظرة لها، هي حقيقة لا مجال لإنكارها، مفادها أن القوة الاقتصادية كي تكون مرفقة بقوة عسكرية مماثلة لها تناظرها وتكافئها، تتطلب نوعا آخر من العوامل لا تكمن في القوة الاقتصادية ذاتها، بل في الثقافة أولا، وفي فلسفة القوة الاقتصادية ذاتها وفق تلك الثقافة ثانيا.. إلخ. وإذا كانت أوربا حسب توصيف "فرانسوا ميتران" مثالا حيا أمامنا لمثل هذا التناقض بين القوتين الاقتصادية والعسكرية، فإن اليابان ذاتها تعتبر نموذجا أكثر وضوحا لتجلي هذا التناقض الصارخ، من حيث أنها تكاد تكون أقوى اقتصاديا من أوربا "نسبيا"، باعتبارها دولة واحدة تعادل قوتها الاقتصادية نصف قوة أوربا الاقتصادية مجتمعة، مع أنها لا تعادل ربع قوة إيطاليا وحدها عسكريا.خلاصة القول إذن أن المشروع الإمبريالي الصهيوني وهو يخترق الحالة العربية الراهنة ويقفز عليها ليوجهها وفقَ بوصلته، يعرف أن تلجيم هذا المارد المندفع يتطلب إغراقه في وهم النهضة القائمة على التنمية الاقتصادية المنعزلة انعزالا تاما عن مقاومة المشروع الإمبريالي الصهيوني. وهو ما يتطلب ألا يتم نجاح أيِّ مشروع لـ "تصدير الثورة المصرية"، إلى دول وشعوب الإقليم العربية المجاورة. ولا يمكن لذلك أن يتحقق إلا بحرف بوصلة الثورة المصرية لتؤسِّسَ للتغيير أيا كان عمقه وأيا كانت سعته، وأيا كان مستوى الرخاء والرفاهية والنمو التي ستنبثق عنه في الاقتصاد فقط وبمعزل تام عن "المقاومة"، أي بمعزل تام عن مقاومة المشروع الإمبريالي الصهيوني. وهو ما لن يتم بالتالي إلا بتكريس حالة استقرار سياسي مصرية تحتضن حالة رخاء اقتصادي قادمة تؤسِّس لثقافة "العجز عن الدفاع"، بعد أن نجحت الثورة المصرية أكثر من أيِّ حالة عربية أخرى في إسقاط ثقافة "العجز عن الهجوم".إن الثورة المصرية غير المكتملة والمفتقرة إلى بلورة مشروعها النهضوي القومي العربي، هي في الرؤية الإمبريالية الصهيونية أشبه ما تكون بالنسبة للجوار الإقليمي العربي، بالتجربة الناصرية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. وبالتالي ولكي يتم إفشالها في إحداث التأثير المتوقع في هذا المحيط العربي على النحو الذي أحدثته التجربة الناصرية السابقة، فإنه يجب أن تنحرف بوصلتها. فإذا كان بالإمكان إفشال التجربة الناصرية بالأساليب التقليدية القائمة على اختراقات مخابراتية هنا وهناك باعتبارها نموذجا للانقلابات العسكرية أكثر من كونها نموذجا للثورات الشعبية، فإن اختراق ثورة شعب على هذا النحو أمر غير ممكن، فكان لزاما أن يكون الاختراق ثقافيا بالدرجة الأولى، ليتم بواسطته حرف وجهة الثورة بالكامل إلى حيث يراد لها أن تتحرك بإفرازاتها وتداعياتها الحتمية، فتفقد تأثيرها المقلق والمخيف.لذلك تم حرف بوصلة الحركة الشعبية السورية المطلبية منذ بواكيرها، عن تجسيد أداة التغيير التي جسدها النموذج المصري، وهي الثورة الشعبية السلمية، كي تفشل أول حالة تصدير خطيرة وفاعلة للثورة المصرية في دولة مركزية مثل سوريا، والتي كان لنجاح أي ثورة شعبية سلمية فيها في تغيير النظام أن يؤسِّس لتغيرات إقليمية واسعة النطاق لا تمكن السيطرة الإمبريالية الصهيونية ىعليها، بوجود النظير المصري في الجنوب، ليتم النجاح في إقحامها – أي الحركة المطلبية السورية – في حرب ستضمن تدميرها تدميرا كافيا ليُفرض عليها لاحقا أن تكون أداة فاعلة في شكل التغيير المرتقب اقتصاديا في الإقليم بثقافة "العجز عن الدفاع" المستهدفة.ولذلك أيضا تتنافس النخب السياسية والثقافية المصرية على الهيمنة على إدارة الدولة وتوجيهها والتحكم فيها على وجه السرعة، على أسس مُعلنة تقنع العامة وبسطاء الناس وسطحيو الثقافة والرؤى السياسة، تتمثل في عجز وفشل الرئيس وجماعته في إنجاز أي شيء من مطالب الثورة وأهدافها، وفي تغول جماعة الإخوان المسلمين وفق فلسفة "التمكين" التي تنتهجها لأخونة الدولة والسيطرة على مفاصلها – وهذا صحيح ربما إلى حدٍّ كبير – ولكنها في حقيقتها منازعات ومنافسات على أسس اقتصادية عميقة يعلمها الجميع، تتمثل في الرفاهية الاقتصادية القادمة التي سوف ترسم معالم الدور المصري الإقليمي القادم، والتي يحرص كل طرف من أطراف تلك النخب المتنافسة على أن يحدث في ظل هيمنته على الدولة لضمان استمرار هذه الهيمنة لمدة عقود قادمة.وبالتالي.. * فعبر تدمير سوريا على نحوٍ يجعلها تحتاج إلى ربع قرن من الزمن قادم لإعادة البناء والإعمار بمعزل عن ربط إعادة بنائها وإعمارها بمتطلبات مقاومة المشروع الإمبريالي الصهيوني من أنماطِ تنمية واستثمار وإعمار وتشغيل.. إلخ.
* وعبر إغراق مصر في نهضة اقتصادية غير مسبوقة يابانية المُكونات، تنعكس على شعبها وعلى محيطها بالرخاء الاقتصادي وبالجذب الاستثماري، ولكن في حاضنة الهشاشة الأمنية الإستراتيجية، عبر ثقافة "العجز عن الدفاع"، التي ستكون ثقافة الإقليم كله، إذا تم النجاح في جعلها ثقافة "مصر" بالدرجة الأولى، وثقافة "سوريا" بالدرجة الثانية. * وعبر تعليق القضية الفلسطينية لعقدين قادمين من الزمان في متاهات أوسلوية جديدة، من خلال نوع من التفاعل والتجاذب المدروسين مع السيرورة الأردنية، التي يجب أن تبقى قضاياها مترهلة ضبابية غير محسومة ولا قاطعة، لا حلا ولا غياب حلٍّ، وتدور في حلقة الأحداث الإقليمية الكبرى بسبب علاقتها المباشرة والحساسة بالحالة الفلسطينية أكثر من أي دولة أخرى في الإقليم. * وعبر إلهاء إيران التي سيضعفها إخراج سوريا من دائرة نفوذها، بطُعم "العراق" ضمن معادلةٍ ترضيها وتقنعها، مع بعض التنازلات في بعض الملفات الإقليمية وبعض المكاسب في أخرى.. نقول.. عبر كل ذلك، ستتم إعادة إنتاج الإقليم العربي المشرقي بشكل يحافظ على مركزية وحيوية الدور الإستراتيجي للمشروع الاستعماري "إسرائيل" في المنطقة عبر الإبقاء على القضية الفلسطينية معلقة بلا حلول، لتبقى تستثير وتستفز أقصى درجات الاختلاف والتنافر والتناقض العربي – العربي، دون أن يكون في مقدور أيِّ طرف عربي مجاور أو غير مجاور لفلسطين أن يفعل أيَّ شيء في ضوء الفلسفة الاقتصادية التي ستهيمن على المنطقة، وهي فلسفة "اقتصاد اللاحرب واللاسلم" التي هي ذاتها فلسفة "اقتصاد العجز عن الدفاع"، وهي الفلسفة التي تقوم على ترسيخ مبدأ "العملقة الاقتصادية" و"الهشاشة العسكرية" و"الرخاوة السياسية".لتكون إستراتيجية المشروع الإمبريالي الصهيوني القائمة على ثقافة "عجزنا عن الدفاع"، هي حاضنة استمرار الحالة الصهيونية إسرائيل في أداء دورها الوظيفي التاريخي المرسوم للمنطقة، من على قاعدة "خوفنا من الهجوم" الناتج عن "عجزنا عن الدفاع"، الغارقين في عسل "اقتصاد الوفرة والرفاهية" الذي أرى ألا تسمية تصلح له سوى أنه "اقتصاد غَنْوَجَة". هكذا يفكرون.. وهكذا يستعدون.. وهكذا يتحركون.. لكن ما يفكرون فيه ليس قدَرا، إذا كنا نعيه، ونحرص على مواجهته، ونملك البديل لتحقيق ذلك، في حاضنة إرادةٍ تعرف ما تريد، وكيف تصل إلى تحقيق هذا الذي تريد.والبداية هي في زرع ونشر وترويج وبث ثقافة "اقتصاد الهجوم والمقاومة" الذي يعتبر هو القادر الوحيد على خلق "اقتصاد الدفاع"، لأنه اقتصاد سيُنْشِئ دولا "عملاقة اقتصاديا"، و"عملاقة سياسيا"، و"عملاقة عسكريا"، وهو ما يحرص أصحاب القرار الإستراتيجي في المشروع الإمبريالي الصهيوني ألا يحدث، ويساعدهم في ذلك على قدم وساق، أذرعهم الوظيفيون عن قصد وسبق إصرار وترصد، وجهلة النخب العربية ووصوليوها وحمقاها، عن غباء ورعونة وأوهامِ نجومية.